الموسوعة الحديثية


- على كلِّ نفسٍ في كلِّ يومٍ طلعتْ عليه الشمسُ صدقةٌ مِنهُ على نفسِهِ ، من أبوابِ الصدقةِ : التَّكبيرُ ، وسبحانَ اللهِ ، والحمدُ للهِ ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ ، وأستغفِرُ اللهَ ، ويأمُرُ بالمعروفِ ، وينْهى عنِ المنكَرِ ، ويَعزِلُ الشَّوكَ عن طريقِ الناسِ ، والعظْمَ والحجَرَ ، وتَهدِي الأعْمَى ، وتُسمِعُ الأصَمَّ والأبْكمَ حتى يَفقَهَ ، وتُدِلُّ المستدِلَّ على حاجةٍ لهُ قدْ علِمتَ مكانَها ، وتَسعَى بِشدَّةِ ساقَيْكَ إلى اللَّهْفَانِ المستغيثِ ، وترفعُ بشِدَّةِ ذِراعيْكَ مع الضعيفِ ، كلُّ ذلكَ من أبوابِ الصدَقةِ مِنْكَ على نفسِكَ ، ولكَ في جِماعِكَ زوجتَكَ أجرٌ ، أرأيتَ لوْ كان لكَ ولَدٌ فأدرَكَ ورجوْتَ أجْرَهُ فماتَ أكُنتَ تَحتَسِبُ بهِ ؟ فأنتَ خلقْتَهُ ، فأنتَ هديْتَهُ فأنتَ كُنتَ تَرزقُهُ ؟ فكذلكَ فضعْهُ في حلالِهِ ، وجَنِّبْهُ حرامَهُ ، فإنْ شاءَ اللهُ أحْياهُ ، وإنْ شاءَ أماتَهُ ، ولكَ أجرٌ
الراوي : أبو ذر الغفاري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 4038 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (9027)، وأحمد (21484) باختلاف يسير
نِعَمُ اللهِ على الإنسانِ كَثيرةٌ؛ فلو عَدَّها الإنسانُ ما استَطاعَ حَصرَها، كما قالَ تَعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]، وعلى المُسلِمِ أنْ يَجتَهِدَ في شُكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ على هذه النِّعَمِ. وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "على كُلِّ نَفْسٍ في كُلِّ يَومٍ طَلَعتْ عليه الشَّمسُ صَدَقةٌ منه على نَفْسِه"، يَحتَاجُ كُلُّ إنسانٍ إلى أنْ يُخرِجَ عن جَسَدِه ونَفْسِه صَدَقةً يَتصَدَّقُ بها شُكرًا للهِ على النِّعَمِ الكَثيرةِ التي أسْداها اللهُ إليه، فيُبَيِّنُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف يَتصَدَّقُ ابنُ آدَمَ، ومِن ذلك الصَّدَقاتُ القَوليَّةُ والذَّاتيَّةُ، فيَقولُ: "مِن أبوابِ الصَّدَقةِ: التَّكبيرُ"، وهو ذِكرُ اللهِ بلَفظِ: اللهُ أكبَرُ، "وسُبحانَ اللهِ"، وهو ذِكرُ اللهِ بتَنزيهِه عن كُلِّ النَّقائِصِ، "والحَمدُ للهِ"، وهو ذِكرُ اللهِ بحَمدِه على نِعَمِه، ووَصفٌ لِلمَحمودِ بالكَمالِ معَ المَحبَّةِ والتَّعظيمِ، "ولا إلهَ إلَّا اللهُ" وهو ذِكرُ اللهِ بالتَّهليلِ، والشَّهادةِ بأنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ سِواهُ، "وأستَغفِرُ اللهَ"، وهو ذِكرُ اللهِ بالتَّوَسُّلِ إليه أنْ يَغفِرَ الذُّنوبَ، وسَمَّى أنواعَ الذِّكرِ صَدَقاتٍ؛ لِمَا في رِوايةِ مُسلِمٍ: "وكُلُّ تَكبيرةٍ صَدَقةٌ، وكُلُّ تَحميدةٍ صَدَقةٌ، وكُلُّ تَهليلةٍ صَدَقةٌ". ثم بَيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَوعًا آخَرَ مِنَ الصَّدَقاتِ، وهي الصَّدَقاتُ الفِعليَّةُ، وهي التي يَتعَدَّى أثَرُها إلى غَيرِه، فقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ويَأمُرُ بالمَعروفِ، ويَنهى عنِ المُنكَرِ"، والمَعروفُ هو كُلُّ ما حَسُنَ مِنَ الأفعالِ والأقوالِ، وأدَّى إلى طاعةِ اللهِ، وإعانةِ النَّاسِ؛ فهو اسمٌ شامِلٌ لِجَميعِ أبوابِ الخَيرِ، والمُنكَرُ: هو كُلُّ ما قَبُحَ مِنَ الأفعالِ والأقوالِ، وأدَّى إلى مَعصيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو اسمٌ شامِلٌ لِجَميعِ أبوابِ الشَّرِّ، ولذلك فهو مِثلُ الصَّدَقةِ التي تَنفَعُهم، أو تَدفَعُ الشَّرَّ عنهم، "ويَعزِلُ الشَّوكَ عن طَريقِ النَّاسِ، والعَظْمَ والحَجَرَ"، وهذا يَكونُ بإبعادِ كُلِّ ما يُؤْذِي النَّاسَ في طَرِيقِهم مِن حَجَرٍ أو شَوْكٍ أو غَيْرِه، "وتَهدي الأعمى"، فتَأخُذُ بيَدِه فتُرشِدُه إلى الطَّريقِ، "وتُسمِعُ الأصَمَّ"، وهو الذي لا يَسمَعُ، "والأبكَمَ"، وهو الأخرَسُ الذي لا يَتكَلَّمُ "حتى يَفقَهَ"، حتى يَفهَمَ المُرادَ منه، فيَعلَمَ ما يُريدُ، وما يُرادُ منه. "وتَدُلُّ المُستَدِلَّ على حاجةٍ له قد عَلِمتَ مَكانَها"، فتُرشِدُ التَّائِهَ الذي لا يَعرِفُ الطَّريقَ إلى ما يُريدُه مِنَ الجِهاتِ، وتَدُلُّه على مَكانِ قَضاءِ حَوائِجِه، كما إذا كانَ يَسألُ عن ضالَّةٍ أو صاحِبٍ لا يَعرِفُ مَكانَه، أو نَحوِ ذلك. "وتَسعى بشِدَّةِ ساقَيْكَ إلى اللَّهفانِ المُستَغيثِ"، واللَّهفانُ هو المتَحَيِّرُ في أمْرِه، أوِ المَظلومُ الذي يُريدُ النُّصرةَ ورَدَّ حَقِّه، والمُستَغيثُ هو الذي يَطلُبُ الإغاثةَ، وهي العَونُ على المَكارِه، وتَخليصُ المَرءِ مِمَّا أصابَه مِن شَرٍّ. "تَرفَعُ بشِدَّةِ ذِراعَيْكَ"،أي: بقُوَّتِكَ "مع الضَّعيفِ" فتُعينُ المَرءَ الضَّعيفَ على حَملِ حاجاتِه، كرَفعِ الحاجةِ لِلمَرءِ على دابَّتِه. "كُلُّ ذلك مِن أبوابِ الصَّدَقةِ مِنك على نَفْسِكَ"؛ أي: فكُلُّ هذه أنواعٌ مُتَعدِّدةٌ يُمكِنُكَ التَّصَدُّقُ بها على نَفْسِكَ. "ولكَ في جِماعِكَ زَوجَتَكَ أجْرٌ"؛ ففي مُعاشَرةِ الرَّجُلِ لِامرَأتِه أجْرٌ، ثم إنَّ أبا ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه راويَ الحَديثِ وكَأنَّه تَعَجَّبَ: كيفَ يُؤْجَرُ الإنسانُ على قَضاءِ شَهوَتِه وتُحتَسَبُ له صَدَقَةً؟! كما في رِوايةِ مُسلِمٍ: "قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أيَأتي أحَدُنا شَهوَتَه ويَكونُ له فيها أجْرٌ؟!"؛ فأجابَه رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِه: "أرَأيتَ لو كانَ لكَ وَلَدٌ فأدْرَكَ"، فبَلَغَ الحُلُمَ وكَبِرَ، "ورَجَوْتَ أجْرَه، فماتَ، أكُنتَ تَحتَسِبُ به؟"، وهذا سُؤالٌ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِأبي ذَرٍّ، وكَأنَّه عَلِمَ أنَّ إجابةَ أبي ذَرٍّ تَكونُ: نَعَمْ، "فأنتَ خَلَقتَه؟ فأنتَ هَدَيتَه؟ فأنتَ كُنتَ تَرزُقُه؟ فكذلك فضَعْه في حَلالِه، وجَنِّبْه حَرامَه"، والمعنى: أنَّه كما يَأثَمُ الإنسانُ إذا قَضَى وَطَرَه وشَهوَتَه في الحَرامِ فإنَّه يُؤْجَرُ في الحَلالِ، وتَكونُ له صَدَقةٌ "فإنْ شاءَ اللهُ أحياه، وإنْ شاءَ أماتَه، ولكَ أجْرٌ"، أيْ أنَّ أمْرَ الوَلَدِ مُخَوَّلٌ كُلُّه لِإرادةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، مَحياه ومَماتُه، صِحَّتُه ومَرَضُه، غِناهُ وفَقرُه، صَلاحُه وفِسقُه. وتَسميةُ كُلِّ هذه الأعمالِ صَدَقةً يَحتَمِلُ أنَّ لها أجْرًا، كما أنَّ لِصَدَقةِ الإنفاقِ مِنَ المالِ أجْرًا، وأنَّ هذه الطَّاعاتِ تُماثِلُ الصَّدَقاتِ في الأُجورِ.