الموسوعة الحديثية


- ذكَرَتْ نِساءَ الأنصارِ فأثنَتْ عليهِنَّ، وقالت لَهُنَّ مَعروفًا، وقالت: لَمَّا نزَلَتْ سُورةُ النُّورِ عَمَدْنَ إلى حُجَزِ -أو حُجوزِ- مَناطِقِهنَّ فشَقَقنَه، ثم اتَّخَذنَ منه خُمُرًا. وأنَّها دخَلَتِ امرأةٌ منهُنَّ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالت: يا رَسولَ اللهِ، أخبِرْني عنِ الطُّهورِ مِنَ المَحيضِ. فقال: نَعَمْ، لِتأخُذْ إحداكُنَّ ماءَها وسِدرَتَها فلتَطَّهَّرْ، ثم لِتُحسِنِ الطُّهورَ، ثم تَصُبَّ على رَأْسِها، ثم تُلزِقْ بشُؤونِ رَأْسِها، ثم تَدلُكْهُ؛ فإنَّ ذلك طُهورٌ، ثم تَصُبَّ عليها مِنَ الماءِ، ثم تَأخُذْ فِرصةً مُمَسَّكةً فلتَطَّهَّرْ بها. قالت: يا رَسولَ اللهِ، كيف أتطَهَّرُ بها؟ فكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكنِّي عن ذلك، فقالت عائِشةُ: تَتَّبَّعُ بها أثَرَ الدَّمِ. قال عَفَّانُ: ثم لِتصُبَّ على رَأْسِها مِنَ الماءِ، ولتُلصِقْ شُؤونَ رَأْسِها فلتَدلُكْهُ. قال عَفَّانُ: إلى حُجَرٍ، أو حُجورٍ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 25551 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (4759)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11363) مختصراً، وأبو داود (315، 4102) مفرقاً، وأحمد (25551) واللفظ له
صِفةُ الحَياءِ من أهمِّ وآكِدِ الصِّفاتِ التي يَنبغي للمُسلِمينَ رِجالًا ونِساءً أنْ يتَّصفوا بها، خُصوصًا عندَ ذِكْرِ العَوْراتِ؛ وبالأخصِّ فيما يَذكُرُه الرِّجالُ بحَضْرةِ النِّساءِ، والنِّساءُ بحَضْرةِ الرِّجالِ، والتعريضُ بالألْفاظِ المُستَقبَحةِ، وتجنُّبُ ذِكرِها، والانْقباضُ والاستِحياءُ عندَ ذلك، وترْكُ التصريحِ بها، وقدْ كان نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَضرِبَ المَثلِ لأُمَّتِه في هذا، وكان نِساءُ الأنصارِ رضِيَ اللهُ عنهنَّ مَضرِبَ المَثلِ للنِّساءِ في ذلك وفي الالتِزامِ بالحِجابِ والسِّترِ والحَياءِ مع الحِرصِ على تعلُّمِ أُمورِ الدِّينِ.
كما في هذا الحَديثِ، الذي فيه أنَّ أُمَّ المُؤمِنينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها: "ذكَرَتْ نِساءَ الأنْصارِ فأثنَتْ عليهِنَّ" بالمَدحِ والخَيرِ، وهنَّ نِساءُ أهلِ المَدينةِ، "وقالتْ لهنَّ مَعروفًا"، ذكَرَتْ في حقِّهنَّ قولًا جَميلًا، "وقالت: لَمَّا نزَلَتْ سورةُ النورِ" تَقصِدُ قولَه تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، "عَمِدْنَ إلى حُجَزِ -أو حُجوزِ- مَناطِقِهنَّ" والحُجْزةُ: هي مَعقِدُ الإزارِ، فإنَّها تَمنَعُ سُقوطَ الإزارِ، والمِنطَقةُ هو ما تَشدُّ به المرأةُ وسَطَها عندَ مُعاناةِ الأشْغالِ؛ لِترفَعَ به ثَوبَها، أو الأحْزمةُ التي يَجعَلونَها على وسَطِ أجْسادِهنَّ، "فشَقَقْنَه" قطَعْنَ أحْزِمَتَهنَّ، "ثم اتَّخَذْنَ منه خُمُرًا" جعَلَتْ كلُّ واحدةٍ منهنَّ جُزءًا ممَّا قَطَعْنَه خِمارًا فغَطَّوْا رُؤوسَهنَّ ووُجوهَهنَّ، وسَتَرْنَ ما أمَرَ اللهُ به فَورًا اسْتِجابةً لأمرِ اللهِ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ومن صُورِ حَيائِهنَّ أيضًا وحِرصِهنَّ على تَعليمِ أحكامِ الدِّينِ "أنَّها دخلَتِ امرأةٌ منهنَّ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" وهي أُمُّ قَيْسٍ بنتُ مِحْصَنٍ رضِيَ اللهُ عنها كما عندَ أبي داودَ، "فقالت: يا رسولَ اللهِ، أخْبِرْني عنِ الطُّهورِ منَ المَحيضِ"، وكَيفيةِ اغتسالِ المرأةِ وتَطهُّرِها منَ الحَيضِ، "فقال: نَعم، لِتَأخُذْ إحْداكُنَّ ماءَها وسِدْرَتَها"، والسِّدْرُ: شَجرُ النَّبْقِ، يُستَعمَلُ أوراقُه في التَّنْظيفِ والتطْهيرِ وله رائحةٌ طَيبةٌ، "فلْتَطَّهَّرْ" منَ الحَيضِ بغَسلِ مَوضِعِ الفَرْجِ منها، "ثم لتُحسِنِ الطُّهورَ" بإحْسانِ الوُضوءِ، "ثم تَصُبَّ على رأسِها" الماءَ مراتٍ، "ثم تُلزِقْ بشؤونِ رأسِها" بحيثُ تَجعَلُ يَدَها على شَعرِها، "ثم تَدْلُكْه" بتَحْريكِ وفَرْكِ الماءِ باليَدِ بينَ الشَّعرِ؛ "فإنَّ ذلك طُهورٌ" للرأسِ وما تَحتَ الشَّعرِ، "ثم تَصُبَّ عليها منَ الماءِ"، أي: تَغسِلْ كلَّ جسَدَها، "ثم تأخُذْ فِرْصةً مُمَسَّكةً" وهي قِطعةٌ من قُطْنٍ مُعَطَّرةٌ بالمِسْكِ ونَحوِه، "فلتَطَّهَّرْ بها"، فتُعَطِّرُ بها موضِعَ الفَرْجِ لإزالةِ الرَّوائِحِ المُستقذَرةِ في هذا المكانِ مِن أثَرِ الحَيضِ، "قالت: يا رسولَ اللهِ، كيف أتطَهَّرُ بها؟" سألَتْ عن كَيفيةِ التطَهُّرِ بالقُطنةِ؛ "فكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُكَنِّي عن ذلك"؛ لأنَّه كان حَيِيًّا ويَسْتَحي أنْ يُصَرِّحَ بالفَرْجِ ونَحوِه أمامَ النِّساءِ، فقالتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها مِن فِقهِها وفهمها لأحوالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "تَتبَعُ بها أثَرَ الدَّمِ"، فوَضَّحَتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها مُرادَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّها تَمسَحُ بالقُطنةِ المُعَطَّرةِ أثَرَ الدَّمِ من فَرْجِها.
"قال عفَّانُ" وهو ابنُ مُسلمٍ -أحدُ رُواةِ الحَديثِ- قال في رِوايتِه: "ثُم لْتَصُبَّ على رأسِها منَ الماءِ، ولْتُلصِقْ شُؤونَ رَأسِها فلْتَدْلُكْه"؛ يعني: لتُخَلِّلْ الماءَ بينَ شَعرِها. "قال عفَّانُ: إلى حُجَرٍ- أو حُجورٍ-" .
وفي الحَديثِ: بيانُ مَنقَبةِ الصَّحابيَّاتِ نساء الأنصار وسُرعةِ اسْتِجابتِهنَّ لأمْرِ اللهِ.
وفيه: أنَّ المُؤمِنَ الحقَّ لا يَسألُ عنِ العِلَّةِ والسبَبِ في أوامِرِ الشرعِ، بل يَستَجيبُ ويَلتَزِمُ.
وفيه: بيانُ عَظيمِ حياءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ و عِفَّتِه عنِ التلَفُّظِ بالقَبيحِ منَ الألفاظِ.
وفيه: بيانُ عَظيمِ فِقهِ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها .