الموسوعة الحديثية


- كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} [الحج: 1] -قال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ: سَقَطَتْ على أبي كَلِمةٌ- راحِلتَه، وَقَفَ النَّاسُ، قال: هل تَدرونَ أيُّ يومٍ ذاك؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ، -سَقَطَتْ على أبي كَلِمةٌ- يقولُ: يا آدَمُ، ابعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قال: وما بَعْثُ النَّارِ؟ قال: مِن كلِّ ألْفٍ تِسعَ مِئةٍ وتِسعةً وتِسعينَ إلى النَّارِ، قال: فبَكَوْا، قال: قارِبوا وسَدِّدوا؛ ما أنتم في الأُمَمِ إلَّا كالرَّقْمةِ، إنِّي لأرجو أنْ تَكونوا رُبُعَ أهلِ الجنَّةِ، إنِّي لأرجو أنْ تَكونوا ثُلُثَ أهلِ الجنَّةِ.
خلاصة حكم المحدث : صحيح
الراوي : عمران بن الحصين | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 19884
| التخريج : أخرجه الترمذي (3168)، وأحمد (19884) واللفظ له
التصنيف الموضوعي: أنبياء - آدم تفسير آيات - سورة الحج جنة - عدة المسلمين مناقب وفضائل - أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
|أصول الحديث
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرشِدُ أُمَّتَه إلى الاستِعْدادِ ليومِ القِيامةِ، بالعملِ والطاعاتِ، وقد وصَفَ بعضَ ما فيها تَحْذيرًا وتَخْويفًا لأُمَّتِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ رضِيَ اللهُ عنه: "كُنَّا معَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سفَرٍ، فنزَلَت: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ}"، أي: احْذَروا عِقابَه واجعَلوا بينَكم وبينَهم وقايةً بطاعَتِه واجتنابِ نواهيه؛ "{إنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ} [الحج: 1] "، والزلزلةُ شِدةُ الحَرَكةِ على الحالِ الهائلةِ، ووصَفَها بالعِظَمِ، ولا شيءَ أعظَمُ ممَّا عظَّمَه اللهُ تَعالى، وهي من أشْراطِ الساعةِ وعَلاماتِها قبلَ قِيامِها. وقيلَ: زَلزلةُ الساعةِ قِيامُها تكونُ معَها.
"-قال عبدُ اللهِ بنُ أحمَدَ: سقَطَتْ على أبي كَلمةُ- راحلتِه"، لعلَّ المَقصودَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نزَلَتْ عليه هذه الآياتُ في سفَرٍ وهو على راحلتِه ودابَّتِه، فرفَعَ صوتَه بالآياتِ وهو راكبٌ عليها، ثم "وقَفَ الناسُ" حولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَجمَّعوا فقال لهم: "هل تَدْرونَ أيَّ يومٍ ذاك؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، -سقَطَت على أبي كلمةٌ- وهي في روايةِ الترمِذيِّ" ذاكَ يومٌ يُنادي اللهُ فيهِ آدمَ فيُناديهِ ربُّهُ"، قال عِمْرانُ: "يقولُ: يا آدَمُ، ابعَثْ بَعثَ النارِ"، والمُرادُ بهم: أهلُها، وإنَّما خَصَّ بذلك آدَمَ؛ لكونِه والدًا لجَميعِ البشَرِ، ولكَونِه كان قد عرَفَ أهلَ السعادةِ من أهلِ الشَّقاوةِ: فقد رَآه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليلةَ الإسْراءِ كما رَواه في الصَّحيحَينِ: (فإذا رَجلٌ عن يَمينِه أَسْوِدةٌ، وعن يَسارِه أَسْوِدةٌ، قال: فإذا نظَرَ قِبَلَ يَمينِه ضحِكَ، وإذا نظَرَ قِبَلَ شِمالِه بَكَى...، هذا آدَمُ، وهذه الأَسْوِدةُ عن يَمينِه وشِمالِه نَسَمُ بَنيه، فأهلُ اليَمينِ منهم أهلُ الجَنةِ، والأَسْوِدةُ التي عن شِمالِه أهلُ النارِ، "قال: وما بَعثُ النارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ تِسعَ مئةٍ وتِسعةً وتِسعينَ إلى النارِ" أي: أخرِج مِن كلِّ ألفٍ تِسعةً وتِسعينَ يَدخُلونَ النارَ، وواحدٌ فقط هو الذي يكونُ في الجَنةِ. قال عِمْرانُ رضِيَ اللهُ عنه: "فبَكَوْا"، يعني: فبَكى الناسُ خَوفًا وجَزَعًا لهَولِ العدَدِ الداخِلِ إلى النارِ، وقِلةِ الداخِلِ إلى الجَنةِ، فقال لهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُطَمْئنًا: "قارِبوا وسَدِّدوا؛ ما أنتم في الأُمَمِ" السابقةِ عليكم "إلَّا كالرقْمةِ" وهي الهَنةُ الناتئةُ في ذِراعِ الدابَّةِ منَ الداخِلِ، وهما رَقْمَتانِ في ذِراعَيْها، أو هي العَلامةُ الصغيرةُ في الثوْبِ الكبيرِ، أو لونٌ يُخالفُ لونًا يكونُ فيه، كما جاء عندَ البُخاريِّ ومُسلمٍ: "ثم أنتُم في الناسِ كالشَّعرةِ الَّسوداءِ في جَنبِ الثوْرِ الأبيَضِ، أو كالشَّعرةِ البَيضاءِ في جَنبِ الثوْرِ الأسوَدِ" يُشيرُ بذلك إلى أنَّ الأُممَ السابقةَ الكافرةَ عدَدُها كثيرٌ جدًّا، وأنَّ أُمةَ الإسلامِ لا تصِلُ إلى نِسبةِ واحدٍ إلى ألفٍ منهم، وهذا مِن جميعِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بما فيهم يَأْجوجُ ومَأْجوجُ؛ فيكونُ مِن كلِّ ألفٍ واحدٌ يَدخُلُ الجَنَّةَ، وقد جاءَ في رواياتٍ أُخرى للحديثِ أنَّ ذلِك كَبُرَ على الصَّحابةِ وعظُمَ عليهم، وقالوا: أيُّنا ذلك الواحدُ؟! فقال لهمُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَبْشِروا؛ فإنَّكم في أُمَّتَينِ ما كانَتا في شيءٍ إلَّا كثَّرَتاه؛ يَأْجوجُ ومَأْجوجُ، مِنكم واحدٌ، ومن يَأْجوجَ ومَأْجوجَ ألفٌ، فاستَبشَرَ الصحابةُ بذلك، ثم قال: "إنِّي لَأرْجو أنْ تَكونوا رُبعَ أهلِ الجَنةِ، إنِّي لَأرْجو أنْ تَكونوا ثلُثَ أهلِ الجَنةِ"، وهذه بُشْرى عَظيمةٌ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَثرةِ الداخِلينَ إلى الجَنةِ من أُمَّتِه، حتى يَكونوا رُبُعَ أهلِ الجَنةِ أو ثُلُثَهم، وهذه نِسبةٌ عَظيمةٌ جدًّا إذا قيسَت بنِسبةِ أُمَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الأُمَمِ الأُخْرى .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها