الموسوعة الحديثية


- تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا ، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا ، لا يَعرِفُ مَعروفًا ، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه
الراوي : حذيفة بن اليمان | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 2960 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُنبِّهُ أصحابَه رَضِي اللهُ عنهم ويُحذِّرُهم مِن الفِتنِ، ويُعرِّفُهم على بعضها؛ حتى يكونَ دليلًا لهم في تجنُّبِها وإنكارِها.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "تُعرَضُ الفِتَنُ" تُوضَعُ وتُبسَطُ وتَلتصِقُ، وأصلُ الفِتنةِ الامتحانُ والاختبارُ؛ فالفِتنةُ التي يُضيفُها اللهُ سبحانَه إلى نفْسه، أو يُضيفُها رسولُه إليه بمعنى الامتحانِ والاختبارِ والابتلاءِ مِن الله لعبادِه بالخيرِ والشرِّ، بالنِّعمِ والمصائِبِ، وفِتنةُ المؤمنِ في مالِه وولدِه وجارِه لونٌ، وفتنةُ المشركين لونٌ آخَرُ، والفتنةُ التي تقعُ بين أهلِ الإسلامِ فيتقاتَلوا ويتهاجَروا لونٌ آخَرُ، وُيعرَفُ المرادُ حيثما وَرَدَ بالسِّياقِ والقرائنِ. "على القلوبِ عَرْضَ الحصيرِ عُودًا عُودًا"؛ قيل: عُودًا: بضمِّ العينِ؛ بمعنى أنَّ الفِتنَ تُلصَقُ بعَرْضِ القلوبِ؛ أيْ: بجانبِها، كما يَلصَقُ الحصيرُ بجنبِ النائمِ ويُؤثِّرُ فيه بشدَّةِ لصقِه به، وقيل: بفتحِ العينِ؛ ومعناه: تُعادُ الفِتنُ على القلبِ وتُكرَّرُ، والعَوْدُ: تَكرارُ الشيءِ، "فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها" استجابَ لها وخالَطَها، واستقَرَّتْ في قلبِه، وحلَّتْ فيه محلَّ الشرابِ كما يَستقِرُّ الماءُ بالأمعاءِ، "نُكِتتْ فيه نُكْتةٌ سوداءُ" تُرِكُ في قَلبِ صاحِبِها نُقطةٌ وعلامةٌ سوداءُ مِن أثَرِ تلك الفتنةِ، فلا يزالُ هكذا حتى يَسْوَدَّ قلبُه كلُّه مِن جميعِ جوانبِه، "وأيُّ قلبٍ أنكَرَها" فلم يَستجِبْ لها، وعَمِل على إنكارِها بالقلبِ أو اللِّسانِ أو اليدِ، "نُكِتتْ فيه نُكْتةٌ بيضاءُ" تُرِكَ في قلبِ صاحِبِها نُقطةٌ وعلامةٌ بيضاءُ أثرًا لهذا الإنكارِ؛ "حتى يصيرَ القلبُ أبيضَ" وهو الذي كثُرتْ فيه العلاماتُ البيضاءُ مِن أثرِ تكرُّرِ إنكارِه لتلك الفِتنِ، "مِثلَ الصَّفَا" وهو الحَجَرُ المَرْمَرُ الأملَسُ الذي هو في غايةِ البياضِ والصَّفاءِ، مِن شِدَّتِه على عَقْدِ الإيمانِ، وسلامتِه مِن الخَلَلِ، وأنَّ الفِتنَ لم تَلصَقْ به، ولم تُؤثِّرْ فيه كالصَّفا، "لا تضُرُّه فتنةٌ ما دامتِ السمواتُ والأرضُ" جعَلَ اللهُ لهذا القلبِ بصيرةً يَرى فيها بنورِ اللهِ فلا يَختلِطُ عليه الحقُّ والباطلُ، "والآخَرُ أَسْوَدُ" وهو القلبُ الذي كثُرتْ فيه العلاماتُ السوداءُ مِن أثرِ تكرُّرِ استجابتِه لتلك الفتنِ، "مُرْبَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا" والرُّبْدةُ لونٌ بينَ السَّوادِ والغُبْرةِ، فأصبَحَ القلبُ أسْودَ كالرَّمادِ، وكالإناءِ المائلِ المنكوسِ لا يَستقِرُّ فيه شيءٌ، ولا يَعلَقُ به خيرٌ ولا حِكمةٌ، فيَخْلو ويَفرَغُ عمَّا أُودِعَ فيه مِن المعارفِ ومحاسنِ الأخلاقِ والآدابِ، "لا يَعرِفُ معروفًا، ولا يُنكِرُ منكَرًا" لا يُميِّزُ بينَ المعروفِ والمنكَرِ، ويَخلِطُ بينَهما قصدًا وعمدًا، "إلَّا ما أُشرِبَ مِن هواهُ" إلَّا ما يَتَّبِعُ فيه هواهُ أنْ يَجعَلَ هذا معروفًا فيَفعَلَه، وهذا منكَرًا فيُنكِرَه، وإن خالَفَ تمييزُه هذا القواعدَ التي يَنطلِقُ منها الحقُّ والباطلُ( ).