كانتْ غَزوةُ بَدْرٍ بِدايةً لنَصْرِ اللَّهِ لرَسولِه ولِلمؤمنينَ، وقد قُتِلَ فيها زُعَماءُ الكُفرِ وصَناديدُ الشِّركِ، وكانَتْ يومَ الجُمُعةِ لِسَبْعَ عَشْرةَ خَلَتْ مِن رمضانَ في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجرةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عُبادةُ بنُ الصَّامِتِ رَضِي اللهُ عنه: "خرَجْنا مع النبيِّ فشَهِدتُ معه بَدْرًا، فالْتَقى الناسُ" جيشُ المسلمينَ أمامَ جيشِ الكفَّارِ، "فهزَمَ اللهُ العدوَّ" فنصَرَ اللهُ المسلمينَ عليهم، "فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم" فسارَتْ جماعةٌ مِن جيشِ المسلمينَ خلْفَ مَن يَفِرُّ مِن جيشِ الكفَّارِ، "يُطارِدونَ ويقتُلونَ، وأَكَبَّتْ طائفةٌ على المَغنَمِ يحُوزُونَه ويَجمَعونَه" وجاءتْ جماعةٌ ثانيةٌ يَجمَعونَ الغنائمَ التي خلَّفَها الكفَّارُ عَقِبَ هزيمتِهم وفِرارِهم، "وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ اللهِ لا يُصيبُ العدوُّ منه غِرَّةً"، والمعنى: أنَّه بقِيتْ جماعةٌ أُخرى تحرُسُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن العدوِّ؛ حتى لا يَغدِرَ به أحدُهم وقتَ غفلةِ المسلمينَ عنه، "حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ" فاجتمَعوا بعضُهم إلى بعضٍ بعدَ أنْ تأكَّدوا مِن زوالِ الخطرِ، "قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حَوَيْناها، وليس لأحدٍ فيها نَصيبٌ" أرادُوا أن يَستأثِروا بها لأنفُسِهم دونَ باقي الجيشِ، "وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستُم أحَقَّ بها منَّا؛ نحن نحَّيْنا منها العدوَّ وهزَمْناه، وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ: خِفْنا أنْ يُصيبَ العدوُّ منه غِرَّةً فاشتَغَلْنا به"، وجعَلَ باقي الجيشِ يُنكِرونَ عليهم حَوْزَهم للغنائمِ دونَ تقسيمِها، "فأنزَلَ اللهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
[الأنفال: 1] " بمعنى: إنْ سألوكَ يا محمَّدُ عن الغنائمِ، فقلْ لهم: إنَّ الغنائمَ للهِ وللرَّسولِ يَجعَلُها اللهُ حيثُ شاءَ، وفي قولِه تعالى في سورةِ الأنفالِ بيانٌ لتقسيمِها: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
[الأنفال: 41] ، ويَجعَلُ باقيَ الغنيمةِ في الجيشِ فيُوزِّعُها عليهم، فإذا عَلِمتُم ذلك {فَاتَّقُوا اللَّهَ} وخافُوا منه، واجعَلوا ذلك في قلوبِكم {وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
[الأنفال: 1] ؛ بمعنى وأَصلِحوا فيما بينَكم، وأَطيعوا اللهَ ورسولَه فيما أمَرَكم به مِن الرِّضا بما قَسَمَ لكم، إنْ كنتُم محقِّقينَ إيمانَكم؛ وهذا لِما وقَعَ بينَهم مِن شنآنٍ ومُنافَرةٍ بسببِ الغنيمةِ( ).