الموسوعة الحديثية


- إنَّ رِجالًا يَستنْفِرون عَشائِرَهم، يَقولون: الخَيرَ الخَيرَ، والمدينةُ خَيرٌ لهم لو كانوا يَعلمون، والَّذي نَفْسُ محمدٍ بيَدِه لا يَصبِرُ على لَأْوائِها وشِدَّتِها أحدٌ، إلَّا كنتُ له شَهيدًا، أو شَفيعًا، يَومَ القِيامةِ، والَّذي نَفْسُ محمدٍ بيَدِه، إنَّها لَتَنفي أهلَها كما يَنفي الكيرُ خَبَثَ الحَديدِ، والَّذي نَفْسُ محمدٍ بيَدِه، لا يَخرُجُ منها أحدٌ راغِبًا عنها، إلَّا أبدَلَها اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منه.
الراوي : أبو هريرة | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 9670 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه مسلم (1381) بنحوه، وأحمد (9670) واللفظ له
المَدينةُ النَّبويَّةُ مَكانٌ له حُرْمَتُه وأهمِّيَتُه عِندَ المُسلِمينَ، وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببَعضِ الأُمورِ التي سَتَحدُثُ فيها في آخِرِ الزَّمانِ، ومِن ذلك ما في هذا الحَديثِ؛ حيثُ يَروي أبو هُرَيرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: "إنَّ رِجالًا يَسْتَنفِرونَ عَشائِرَهم"، أي: يَأمُرونَ أهْلِيهم بالخُروجِ مِنَ المَدينةِ والهِجرةِ منها، "يَقولونَ: الخَيرَ الخَيرَ"، أيْ: اطلُبوا الخَيرَ والرَّخاءَ في مَكانٍ غَيرِها، "والمَدينةُ خَيرٌ لهم لو كانوا يَعلَمونَ"، أي: المَدينةُ خَيرٌ لِأُولئكَ التَّارِكينَ لها، "والذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه" وهذا قَسَمٌ باللهِ الذي يَملِكُ رُوحَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "لا يَصبِرُ على لَأْوائِها"، أي: مَشَقَّتِها وجُوعِها، "وشِدَّتِها أحَدٌ" فيَكونُ مُحتَسِبًا في صَبْرِه على الشِّدَّةِ والجُوعِ في المَدينةِ، "إلَّا كُنتُ له شَهيدًا، أو شَفيعًا يَومَ القيامةِ"، أيْ: يَكونُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَهيدًا لِبَعضِ أهلِ المَدينةِ، وشَفيعًا لِبَقيَّتِهم، أو يَكونُ شَفيعًا لِلعاصِينَ، وشَهيدًا لِلمُطيعينَ، أو شَهيدًا لِمَن ماتَ في حَياتِه، وشَفيعًا لِمَن ماتَ بَعدَه، ويَجوزُ أنْ تَكونَ (أو) هنا بمَعنى الواوِ، ويَكونُ المَعنى: أنَّه يَكونُ شَفيعًا وشَهيدًا له، وهذه خُصوصيَّةٌ زائِدةٌ على الشَّفاعةِ لِلمُذنبينَ أو لِلعالَمينَ في القِيامةِ، وعلى شَهادَتِه على جَميعِ الأُمَّةِ، "والذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه، إنَّها لَتَنْفي أهْلَها كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحَديدِ"، أيْ: بمِثلِ ما يُستَخدَمُ الكِيرُ في إزالةِ ونَزْعِ الشَّوائِبِ العالِقةِ بأصْلِ المَعادِنِ وتَنقيتِها، والكِيرُ: ما يَنفُخُ به الحَدَّادُ في النَّارِ، "والذي نَفْسُ مُحمَّدٍ بيَدِه، لا يَخرُجُ منها أحَدٌ راغبًا عنها"، أي: لا يَترُكُها أحَدٌ مِمَّنِ استَوطَنَها؛ رَغبةً عنها، وكَراهةً لها، أو رَغبةً عَن ثَوابِ السَّاكِنِ فيها، "إلَّا أبدَلَها اللهُ عزَّ وجلَّ خَيرًا منه"، أي: إلَّا أخلَفَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى وأبدَلَ المَدينةِ مَن هوَ خَيرٌ منه؛ بمَولودٍ يُولَدُ فِيها، أو بمُنتَقِلٍ يَنتقِلُ إليها مِن غَيرِها.
وليس مِن ذلك خُروجُ بَعضِ الصَّحابةِ والأخيارِ مِنَ المَدينةِ؛ لِأنَّهم لم يَخرُجوا كَراهةً لها، أو رَغبةً عَن ثَوابِ السَّاكِنِ فيها، وإنَّما خَرجُوا لِمَصالِحَ شَرعيَّةٍ أُخرى مَحمودةٍ، كالغَزْوِ ونَشْرِ العِلمِ، وكذلك مَن خَرَجَ من مُستوطِنِيها لِضَرورةِ شِدَّةِ زمانٍ أو فِتْنةٍ؛ فليسَ مِن هؤلاءِ، ومِثلُه القادِمُ عليها طالبًا لِلقُرْبةِ بإتيانِها أو مُسافرًا، فخرَجَ عنها راجعًا إلى وطنِه أو غَيرِه مِن أسفارِه.
وفي الحَديثِ: بَيانُ بَعضٍ مِن دَلائِلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .