الموسوعة الحديثية


- عن عليٍّ رضي الله عنه قال : إن اللهَ يقضي بالقضاءِ فمن رضي فله الرضا ومن سَخِط فله السُّخْطُ
الراوي : - | المحدث : ابن تيمية | المصدر : مجموع الفتاوى | الصفحة أو الرقم : 10/46 خلاصة حكم المحدث : صحيح
مِن حِكمةِ اللهِ تعالى أنَّه يَبتلي عِبادَه ويَختبِرُهم؛ لِيَعلَمَ المؤمِنَ المطيعَ الراضيَ مِن العاصي الساخطِ، والبلاءُ يكونُ بالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ.
وفي هذا الأثرِ يقولُ عليٌّ رضِيَ اللهُ عنه: "إنَّ اللهَ يَقْضي بالقضاءِ" فيحكُمُ به ويُقدِّرُه مِن أمرِه سبحانَه، "فمَن رضِيَ" فتَقبَّلَ ما قَضاهُ وقدَّرَه اللهُ له بالصبرِ والطُّمأنينةِ واليقينِ في مَوعودِ اللهِ بإثابتِه عليه، "فله الرِّضا"، والمعنى: أنَّ مَن قابَلَ أقدارَ اللهِ برِضا نفسِه، فسيَرْضى اللهُ سبحانَه وتعالى عنه، ويَجْزيهِ الخيرَ والأجرَ في الدُّنيا والآخِرةِ، وهذا وعدُ خَيرٍ مِن اللهِ له، ولا يُفهَمُ منه أنَّ رِضا اللهِ تعالى مَسبوقٌ برِضا العبدِ؛ فإنَّه مُحالٌ أن يَرضى العبدُ عن اللهِ إلَّا بعدَ رِضا اللهِ عنه، كما قال: {رضِيَ اللهُ عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]، ومحالٌ أن يَحصُلَ رِضا اللهِ ولا يَحصُلَ رِضا العبدِ في الآخِرةِ، كما قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28]؛ فعَن اللهِ الرِّضا أزَلًا وأبدًا، سابقًا ولاحقًا.
"ومَن سَخِطَ فله السَّخَطُ"، أي: مَن قابَلَ هذه الأقدارَ بعَدَمِ الرِّضا مع الجزعِ؛ مِن كُرهٍ لوُقوعِها، فإنَّه يُقابَلُ بمِثلِ ذلك، وهو أن يَغضَبَ اللهُ عليه، فلا يَرضَى عنه، وله العِقابُ في الآخرةِ. والرِّضا والسَّخَطُ حالانِ متعلِّقانِ بالقلبِ، ويَعلَمُ حقيقتَهما اللهُ عزَّ وجلَّ، فكثيرٌ ممَّن له أنينٌ مِن وجعٍ وشدَّةِ مرضٍ وقلبُه مشحونٌ مِن الرِّضا والتسليمِ لأمرِ اللهِ.
وقد بيَّنتْ روايةُ أنسٍ عندَ التِّرمذيِّ أنَّ هذا القضاءَ يكونُ بالبلاءِ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ قومًا ابتلاهُم؛ فمَن رضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السَّخَطُ"، وقيل: المعنى: أنَّ نزولَ البلاءِ علامةُ المَحبَّةِ؛ فمَن رضِيَ بالبلاءِ صار محبوبًا حقيقيًّا له تعالى، ومَن سَخِطَ صار مسخوطًا عليه؛ وذلك أنَّ الأقدارَ مِن المصائِبِ والعِللِ والأمراضِ كفَّاراتٌ لأهلِ الإيمانِ، وعُقوباتٌ يُمحِّصُ اللهُ بها مَن شاء مِنهم في الدُّنيا؛ لِيَلقَوْهُ مُطهَّرينَ مِن دَنَسِ الذُّنوبِ في الآخرةِ، وهي لأهلِ العِصْيانِ كُروبٌ وشدائِدُ وعذابٌ في الدُّنيا، ومع عدَمِ رِضاهُم وتَسليمِهم لقضاءِ اللهِ فلا يكونُ لهم أجرٌ في الآخرةِ.
وفي الحديثِ: حثٌّ على الصبرِ والتسليمِ لقضاءِ اللهِ.
وفيه: بيانُ أنَّ لكلِّ قضاءٍ مِن اللهِ حِكمةً، وأنَّه سبحانَه هو المُطَّلِعُ على أثرِ القضاءِ في قلوبِ العبادِ .
تم نسخ الصورة
أضغط على الصورة لنسخها