الموسوعة الحديثية


- أنا أَعلَمُ الناسِ -أو: مِن أعلَمِ الناسِ- بآيةِ الحِجابِ؛ تزوَّجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زَينبَ ابنةَ جَحشٍ، فذبَحَ شاةً، فدَعا أصحابَه، فأكَلوا وقَعَدوا يَتحدَّثونَ، وجعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرُجُ ويَدخُلُ وهُم قُعودٌ، ثمَّ يَخرُجُ فيَمكُثُ ما شاء اللهُ ويَرجِعُ وهُم قُعودٌ، وزَينبُ قاعِدةٌ في ناحيةِ البَيتِ، وجعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَستَحْيي منهم أنْ يقولَ لهم شَيئًا، فنزلَتْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} الآياتِ إلى قَولِه عزَّ وجلَّ: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، قال: فأمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحِجابِ مكانَه، فضُرِب.
الراوي : أنس بن مالك | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 13538 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (4794)، ومسلم (1428) باختلاف يسير
جاء الإسلامُ ليَحُضَّ على كلِّ فَضيلَةٍ؛ كالحِجابِ والاستِئذانِ عند دُخولِ بُيوتِ الغَيرِ والتَّأَدُّبِ بآدابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ في التَّعامُلِ مع الغَيرِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ أنسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ الله عَنهُ: "أنا أعلَمُ النَّاسِ -أو: من أعلَمِ النَّاسِ- بآيَةِ الحِجابِ"؛ وذلك لأنَّه كان خادِمًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ، وحَضَرَ الواقِعَةَ الَّتي نَزَلَت فيها آيَةُ الحِجابِ؛ ثم فصَّلَ ذلك بقولِه: "تَزَوَّجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ زَينبَ ابنَةَ جَحشٍ" وهي ابنَةُ عمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ أُمَيمَةَ بنتِ عبدِ المُطَّلِبِ، وكان النبي صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ تزوَّجَها بأمرٍ من الله تعالى، "فذَبَح شاةً" وَليمَةً لزَواجِه صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ من زَينَبَ؛ فهذا يدُلُّ على أنَّ وَليمَة الزَّواجِ سُنَّةٌ عنه صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ لِمَن قَدَر عليها، "فدعا أصحابَهُ، فأكَلوا وقَعَدوا يتحَدَّثون" فجَلَس أناسٌ في بيتِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يتَحَّدَثون بَعْدَ الطَّعامِ ولَمْ يَخْرُجوا، "وجعل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ يَخرُجُ ويَدخُلُ وهم قُعودٌ" يتَفَقَّدُ حُجُراتِ نِسائِه كما جاء في الرِّواياتِ، "ثمَّ يَخرُجُ؛ فيَمكُثُ ما شاء اللهُ ويَرجِعُ وهم قُعودٌ، وزَينبُ قاعِدَةٌ في ناحِيَةِ البَيتِ، وجَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ يَستَحيِي منهم أن يَقولَ لهم شَيئًا" وهذا منِ استِحيائِه صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ من أن يَقولَ للجالِسين اخرُجوا، "فنَزَلَت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]" والمَعنَى: لا يَدخُلْ أحدٌ بُيوتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ إلَّا مَصحوبينَ بالإِذْن يَأذَنَ لكم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ ولا تَرقُبوا الطَّعامَ إذا طُبِخَ حتَّى إذا قارَبَ الاستِواءَ تَعرَّضتُم للدُّخولِ من غَيرِ سابِقِ إذنٍ، وبَعدَها تَفرَّقوا واخْرُجوا مِن مَنزِلِه ولا تَنتَظِروا للحديثِ؛ لأنَّ في ذلك تَضييقَ المَنزِلِ عليه وعلى أهلِه، والنَّبيُّ يَستَحيِي منكم أن يُخرِجَكم ولكنَّ اللهَ لا يَستَحيي من الحقِّ أن يُعلِمَكم ويُبَيِّن لكم آدابَ دينِكم.
"قال: فأمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ بالحِجابِ مَكانَه، فضُرِبَ"، وفي وراية مسلم: قال أنسٌ رَضِيَ الله عَنهُ: "فانطَلَقَ حتَّى دَخَلَ البَيتَ، فذَهَبتُ أدخُلُ معه، فألْقَى السِّترَ بَيني وبَينَه، ونَزَل الحِجابُ"؛ فكانَ هذا وَقتُ فَرضِ الحِجابِ على نِساءِ النبي صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ، ومَعنَى قَولِه: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}؛ أي: مِن وراءِ سِترٍ بينكم وبينهنَّ، ولا تَدْخُلوا عليهنَّ بُيوتَهنَّ.
وفي الحديثِ: بيانُ عَظيمِ أدبِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وعَظيمِ حَيائِه مِن أنْ يَجرَحَ مَشاعِرَ جُلسائِه، ولو صدَرَ منهم ما يُؤذيه( ).