الموسوعة الحديثية


- أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ غزوةِ تبوكَ قام من الليلِ يصلِّي فاجتمع رجالٌ من أصحابِه يحرُسونه حتى إذا صلَّى انصرف إليهم فقال لهم لقد أعطيتُ الليلةَ خمسًا ما أُعطيهنَّ أحدٌ قبلِي [ أما أنا فأُرسِلت إلى الناسِ كلِّهم عامةً وكان مَن قبلي ] إنما يرسلُ إلى قومِه ونُصِرت على العدوِّ بالرعبِ ولو كان بينِي وبينَه مسيرةُ شهرٍ وأُحِلَّت لِيَ الغنائمُ آكلُها وكان مَن قبلي يُعظِّمون أكلَها كانوا يحرقونها وجُعِلت لي الأرضُ مساجدَ وطهورًا أينما أدركتني الصلاةُ تمسَّحت وصليت وكان من قبلي يعظمونَ ذلك إنما كانوا يصلون في كنائسِهم وبِيَعِهم والخامسةُ هي ما هي قيل لي سَلْ فإن كلَّ نبيٍّ قد سأل فأخَّرتُ مسألتي إلى يومِ القيامةِ فهي لكم ولِمَن شهِد أن لا إلهَ إلا اللهُ
الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : الهيثمي | المصدر : مجمع الزوائد | الصفحة أو الرقم : 10/370 | خلاصة حكم المحدث : رجاله ثقات | التخريج : أخرجه أحمد (7068) واللفظ له، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (4489) باختلاف يسير، والبيهقي (1099) مختصراً

 أُوتيتُ خَمْسًا، وقد رُوِيَ سِتًّا، ورُوِيَ فيه ثلاثًا وأربعًا، وهي تنتهِي إلى أكثَرَ مِن سَبعٍ، قال فيهنَّ: لم يُؤتَهُنَّ أحَدٌ قَبلِي، بُعِثتُ إلى الأحمَرِ والأسوَدِ، ونُصِرتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شهرٍ، وجُعِلتْ أمَّتي خيرَ الأمَمِ، وأُحِلَّتْ ليَ الغنائِمُ ولَم تُحَلَّ لأحَدٍ قَبلِي، وجُعِلَتْ ليَ الأرضُ مسجدًا وطَهورًا، وأُتيتُ الشَّفاعةَ، وبُعِثتُ بجوامِعِ الكَلِمِ، وبَيْنا أنا نائِمٌ أُوتِيتُ بمفاتِيحَ خزائِنِ الأرضِ فوُضِعَتْ بينَ يديَّ، وزُوِيَتْ لي مشارِقُ الأرضِ ومغارِبُها، وأُعطِيتُ الكوثَرَ وهو خيرٌ كثيرٌ وعَذْبٌ، ولي حَوضٌ تَرِدُ عليه أمَّتي يومَ القيامةِ، آنيتُه عددُ نجومِ السَّماءِ، مَن شرِبَ منه لم يَظمَأْ بعدَها أبدًا، وخُتِمَ بي النَّبيُّونَ.
الراوي : - | المحدث : ابن عبدالبر | المصدر : الاستذكار
الصفحة أو الرقم: 1/133 | خلاصة حكم المحدث : صحاح رويت في آثار شتى

خصَّ اللهُ سُبحانه وتَعالى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما لم يَخُصَّ به أحدًا مِنَ الأنبياءِ قبْلَه، وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِهذه الخِصالِ الَّتي لم تَجتمِعْ كلُّها لِأحدٍ مِنَ الأنبياءِ إلَّا له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقال: "أُوتِيتُ خمْسًا" وقد رُوِيَ: سِتًّا، ورُوِيَ: ثلاثًا وأربعًا، وهي تَنْتهي إلى أكثَرَ مِن سبْعٍ قال فِيهنَّ: "لم يُؤتَهنَّ أحدٌ قبْلي"، أي: فضَّلني اللهُ بهذه الخِصالِ ولم يُعطِها لأحدٍ مِن الأنبياءِ قبْلي، "بُعْثِتُ إلى الأحمَرِ والأسودِ" وكانتْ بَعثتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِلنَّاسِ كافَّةً، وكان النَّبيُّ قبْلَه يُبْعَثُ إلى قَومِه فقطْ، "ونُصِرْتُ بالرُّعبِ مَسيرةَ شَهْرٍ"، أي: يُقْذَفُ في قُلوبِ أعدائِه الرُّعبُ وهو على بُعْدِ مَسيرةِ شَهْرٍ منهم، "وجُعِلَتْ أُمَّتي خيرَ الأُمَمِ"، أي: جُعِلَتْ أُمَّةُ الإجابةِ خيرَ الأُمَمِ، كما قال اللهُ تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وهم الشُّهداءُ على الأُمَمِ يومَ القيامةِ ويُزكِّيهم نَبِيُّهم صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "وأُحِلَّت لي الغنائمُ، ولم تَحِلَّ لأحدٍ قبْلي"، وأُحِلَّت له الغنائمُ، وهي الَّتي يأخُذُها المُسلِمون في حَربِهم مع الكُفَّارِ، ولم تكنْ تَحِلَّ لِلأنبياءِ قبْلَه، "وجُعِلَت لي الأرضُ مَسجِدًا وطَهورًا" وهذا مِمَّا خُصَّتْ به هذه الأُمَّةُ؛ فمتى أدركَتِ الرَّجلَ الصَّلاةُ فإنَّه يُصلِّي في المكانِ الَّذي تُدرِكُه فيه، وإنْ لم يَجِدِ الماءَ فإنَّه يَتيمَّمُ، "وأُتِيتُ الشَّفاعةَ" فَيشفَعُ لِلنَّاسِ يومَ القيامةِ في بَدءِ الحِسابِ، وهي الشَّفاعةُ العامَّةُ، "وبُعِثْتُ بجَوامعِ الكلِمِ"، أي: بالقُرآنِ؛ جَمَعَ اللهُ تَعالى في الألْفاظِ اليَسيرةِ مِنهُ المَعانيَ الكَثيرَةَ، وكانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتكلَّمُ بجَوامعِ الكَلمِ قَليلةِ الألْفاظِ كَثيرَةِ المَعاني، "وبيْنا أنا نائمٌ أُوتِيتُ بمَفاتيحِ خزائنِ الأرضِ، فوُضِعَت بيْن يدَيَّ، وزُوِيَت لي مَشارقُ الأرضِ ومَغاربُها"، ومعناه: أنَّ الأَرضَ زُوِيَت لي جُملتُها مرَّةً واحدةً، فرَأيتُ مَشارِقَها ومَغارِبَها، ثُمَّ هيَ تُفتَحُ لِأُمَّتي جُزءًا فجُزءًا، حتَّى يَصِلَ مُلكُ الأُمَّةِ ما زُوِيَ له مِنها، "وأُعْطِيتُ الكوثرَ، وهو خيرٌ كثيرٌ وعذْبٌ"، أي: خيرٌ كثيرٌ جمَعَهُ اللهُ تعالى لِنَبيِّه في الآخرةِ، ويَدخُلُ فيه نَهرُ الكوثرِ والحوضُ بمائِهما العذْبِ. وقيل: الكوثرُ حوضٌ أُعطِيَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الجنَّةِ وليس نَهرًا. وقيل: هو نَهرٌ، ويُمكِنُ الجمْعُ بيْن هذه الأقوالِ والرِّواياتِ المُختلفةِ: بأنَّه نَهرٌ له حوضٌ، ويَجتمِعُ النَّاجون الفائزونَ على حَوضِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَشْرَبون منه خارِجَ الجنَّةِ، والنَّهرُ يَجْري في الجنَّةِ، ويَشرَبُ منه مَن دخَلَها بفضْلِ اللهِ ورَحمَتِه. "ولي حوضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي"، أي: تأْتي عليه، "يومَ القيامةِ، آنِيَتُه" جمْعُ إناءٍ، أي: أوعِيَتُه؛ مِن أكوابٍ وكِيزانٍ وما يُعَدُّ مِن أدواتِ الشُّربِ، "عدَدُ نُجومِ السَّماءِ"، أي: في كثْرتِها، والظَّاهرُ أنَّ هذا العدَدَ للآنيةِ على ظاهِرِه، وأنَّها أكثَرُ عددًا مِن نُجومِ السَّماءِ، ولا مانِعَ عقْليَّ ولا شَرْعيَّ يَمنَعُ مِن ذلك، "مَن شرِبَ منه لم يَظمَأْ بعدَها أبدًا"؛ لأنَّه يَرْوي ويَشبَعُ مِن ماءِ الحوضِ، "وخُتِمَ بي النَّبيُّون"، أي: أُغلِقَ بابُ الوحْيِ وقُطِعَ طريقُ الرِّسالةِ وسُدَّ، وأخبَرَ باستغناءِ النَّاسِ عن الرُّسلِ، وإظهارِ الدَّعوةِ بعدَ تَصحيحِ الحُجَّةِ وتَكميلِ الدِّينِ؛ كما قال اللهُ تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، وقال: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
وفي الحديثِ: بَيانُ مكانةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ رَبِّه.