الموسوعة الحديثية


- إذا خَلَصَ المؤمنُونَ مِنَ النارِ وأَمِنُوا ؛ ف [ والذي نَفسي بيدِهِ ! ] ما مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصاحِبِه في الحَقِّ يكونُ لهُ في الدنيا بِأَشَدَّ من مُجَادَلَةِ المؤمنينَ لِرَبِّهِمْ في إِخْوَانِهِمُ الذينَ أُدْخِلوا النارَ . قال : يقولونَ : رَبَّنا ! إِخْوَانُنا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنا ، ويَصُومُونَ مَعَنا ، ويَحُجُّونَ مَعَنا ، [ ويجاهدونَ مَعَنا ] ، فَأَدْخَلْتَهُمُ النارَ . قال : فيقولُ : اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ ، فيأتونَهُمْ ، فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ ، لا تَأْكُلُ النارُ صُوَرَهُمْ ، [ لمْ تغشَ الوجهُ ] ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النارُ إلى أنْصافِ ساقيْهِ ، ومِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إلى كَعْبَيْهِ [ فيخرجَونَ مِنْها بشرًا كثيرًا ] ، فَيقولونَ : رَبَّنا ! قد أَخْرَجْنا مَنْ أَمَرْتَنا . قال : ثُمَّ [ يعودونَ فيتكلمونَ ف ] يقولُ : أَخْرِجُوا مَنْ كان في قلبِهِ مثقال دينارٍ مِنَ الإيمانِ . [ فيخرجَونَ خلقًا كثيرًا ] ، ثُمَّ [ يقولونَ : رَبَّنا ! لمْ نَذَرْ فيها أحدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنا . ثُمَّ يقولُ : ارْجِعُوا ، ف ] مَنْ كان في قلبِهِ وزْنُ نصفِ دِينارٍ [ فأخَرَجَوهُ . فيخرجَونَ خلقًا كثيرًا ، ثُمَّ يقولونَ : رَبَّنا ! لمْ نَذَرْ فيها مِمَّنْ أَمَرْتَنا . . . ] ، حتى يقولَ : أخَرَجُوا من كان في قُلْبِه مثقال ذرةٍ . [ فيخرجَونَ خلقًا كثيرًا ] ، قال أبو سعيدٍ : فمَنْ لمْ يُصَدِّقْ بهِذا الحَدِيثِ فليَقرأْ هذه الآيَةَ : إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حسنةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [ النساء / 40 ] ، قال : فَيقولونَ : رَبَّنا ! قد أَخْرَجْنا مَنْ أَمَرْتَنا ، فلمْ يَبْقَ في النارِ أحدٌ فيهِ خيرٌ . قال : ثُمَّ يقولُ اللهُ : شَفَعَتِ الملائكةُ ، وشَفَعَتِ الأنْبياءُ ، وشَفَعَ المؤمنُونَ ، وبَقِيَ أرحمُ الراحمينَ . قال : فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النارِ – أوْ قال : قَبْضَتَيْنِ – ناسًا لمْ يَعْمَلوا للهِ خيرًا قطُّ ؛ قَدِ احْتَرَقُوا حتى صارُوا حُمَمًا . قال : فَيؤتى بِهمْ إلى ماءٍ يقالُ لَه : ( الحياةُ ) ، فَيُصَبُّ عليهم ، فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ ، [ قد رأيتمُوها إلى جانبِ الصخرةِ ، وإِلَى جانبِ الشجرةِ ، فما كان إلى الشمسِ مِنْها كان أخضرٌ ، وما كان مِنْها إلى الظلِّ كان أبيضٌ ] ، قال : فَيخرجُونَ من أَجْسادِهمْ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ ، وفي أَعْناقِهِمُ الخَاتَمُ ، ( وفي روايةٍ : الخواتمُ ) : عُتَقَاءُ اللهِ . قال : فيقالُ لهُمْ : ادْخُلوا الجنةَ ؛ فما تَمَنَّيْتُمْ ورأيتُمْ من شيءٍ فهوَ لَكُمْ [ ومثلُهُ مَعه ] . [ فيقولُ أهلُ الجنةِ :هؤلاءِ عُتَقَاءُ الرحمنِ أدخلَهُمُ الجنةَ بغيرِ عَمَلٍ عَمِلوهُ ، ولا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ ] . قال : فَيقولونَ : رَبَّنا ! أعطيْتَنا ما لمْ تُعْطِ أحدًا مِنَ العالَمِينَ . قال : فيقولُ : فإنَّ لَكُمْ عِندي أفضلَ مِنْهُ . فَيقولونَ : رَبَّنا ! وما أفضلُ من ذلكَ ؟ [ قال : ] فيقولُ : رِضَائِي عَنْكُمْ ؛ فلا أَسْخَطُ عليكُمْ أبدًا
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : السلسلة الصحيحة | الصفحة أو الرقم : 3054 | خلاصة حكم المحدث : [أورده في الصحيحة] | التخريج : أخرجه ابن ماجه (60)، وأحمد (11917) واللفظ له

إذا خلَّصَ اللَّهُ المؤمنينَ منَ النَّارِ وأمنوا فما مجادلةُ أحدِكم لصاحبِه في الحقِّ يَكونُ لَه في الدُّنيا أشدَّ مجادلةً منَ المؤمنينَ لربِّهم في إخوانِهمُ الَّذينَ أدخلوا النَّارَ قالَ يقولونَ ربَّنا إخوانُنا كانوا يصلُّونَ معنا ويصومونَ معنا ويحجُّونَ معنا فأدخلتَهمُ النَّارَ فيقولُ اذهبوا فأخرجوا من عرفتُم منهم فيأتونَهم فيعرفونَهم بصورِهم لا تأكلُ النَّارُ صورَهم فمنهم من أخذتهُ النَّارُ إلى أنصافِ ساقيهِ ومنهم من أخذتهُ إلى كعبيهِ فيخرجونَهم فيقولونَ ربَّنا أخرجنا من قد أمرتَنا ثمَّ يقولُ أخرجوا من كانَ في قلبِه وزنُ دينارٍ منَ الإيمانِ ثمَّ من كانَ في قلبِه وزنُ نصفِ دينارٍ ثمَّ من كانَ في قلبِه مثقالُ حبَّةٍ من خردلٍ قالَ أبو سعيدٍ فمن لم يصدِّق هذا فليقرأ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 51 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه ابن أبي عاصم في ((السنة)) (857)


مِن رَحمةِ اللهِ بعِبادِه في الآخرةِ: أنَّه جعَلَ الشَّفاعةَ رحمةً منه لمَن يشاءُ، وفي هذا الحديثِ بيانٌ لشَفاعةِ الصَّالحينَ مِن المُؤمنينَ في إخوانِهم الَّذين في النَّارِ، وهم الَّذين خلَطوا عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا، فدخَلوا النَّارَ تطْهيرًا لهم، ثمَّ يُخْرِجُهم اللهُ برحمتِه، حيثُ يروي أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إذا خلَّصَ اللهُ المُؤمنينَ مِن النَّارِ وأمِنُوا"، أي: إذا نجَّاهم اللهُ عزَّ وجلَّ بإبعادِهم منها، وأمِنُوا مِن الدُّخولِ فيها بعدَ المُناقشةِ والحسابِ وتعريفِ كلِّ واحدٍ بما كان منه، "فما مُجادلةَ"، أي: مُخاصمةَ ومُناقشةَ ومُحاورةَ، "أحدِكم لصاحِبِه في الحقِّ يكونُ له في الدُّنيا أشدَّ مُجادلةً مِن المُؤمنينَ لربِّهم في إخوانِهم الَّذين أُدْخِلُوا النَّارَ"، والمعنى: أنَّ مُجادلةَ النَّاسِ لبعضِهم البعضِ في الدُّنيا بسبَبِ حقٍّ يثبُتُ لهم، لا تكونُ أشدَّ مِن مُجادلةِ المُؤمنينَ لربِّهم سُبحانَه وتعالى في الآخرةِ، حين يُؤْذَنُ لهم بدُخولِ الجنَّةِ، وقد أُدْخِلَ إخوانُهم النَّارَ بسبَبِ سيِّئاتِهم، فيُناشِدونَ اللهَ سُبحانَه وتعالى أنْ يُخْرِجَ إخوانَهم مِن النَّارِ، فيَدخُلوا معهم الجنَّةَ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يقولونَ: ربَّنا، إخوانُنا كانوا يُصلُّونَ معنا، ويَصومونَ معنا، ويَحجُّونَ معنا، فأدخَلْتَهم النَّارَ"، والمعنى: أنَّهم يشفَعونَ في إخوانِهم مِن المُوحِّدينَ الَّذين عَمِلوا أعمالَ الإسلامِ ولكنَّهم خلَطوا معها أعمالًا سيِّئةً، فيَطلُبونَ مِن اللهِ أنْ يُشَفِّعَهم فيهم، فيَرْضى اللهُ ويُشَفِّعُهم، "فيقولُ: اذْهَبوا فأَخْرِجوا مَن عرَفْتُم منهم"، أي: إخوانَكم المَوصوفينَ بما ذكَرْتُم، "فيأتونُهم، فيَعرِفونَهم بصُوَرِهم" يعني: وُجوهِهم، والصُّورةُ تُطْلَقُ على الوجْهِ، وتُطْلَقُ على الجسمِ، "لا تأكُلُ النَّارُ صُوَرَهم"، والمُرادُ هنا مَن بهم آثارُ السُّجودِ، وآثارُها تكونُ في الأعضاءِ السَّبعةِ كما في الصَّحيحينِ: "حرَّمَ اللهُ تعالى على النَّارِ أنْ تأكُلَ أثَرَ السُّجودِ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فمنهم مَن أخَذَتْه النَّارُ إلى أنصافِ ساقَيْه، ومنهم مَن أخَذَتْه إلى كعبَيْه"، أي: أنَّ العذابَ يكونُ على حسَبِ المعاصي، بخِلافِ الكَفَرةِ؛ فإنَّ النَّارَ تغمُرُهم مِن جميعِ الجِهاتِ، كما قال تعالى: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41]، فوُجوهُهم وغيرُها سواءٌ؛ لأنَّهم لم يَسجُدوا للهِ، "فيُخْرِجُونهم"، أي: مِن النَّارِ، "فيقولونَ: ربَّنا، أخْرَجْنا مَن قد أمَرْتَنا"، أي: أخْرَجْنا مِن النَّارِ مَن أذِنْتَ لنا في إخراجِهم، "ثمَّ يقولُ"، أي: يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ لملائكتِه: "أخْرِجوا مَن كان في قلْبِه وزنُ دينارٍ مِن الإيمانِ، ثمَّ من كان في قلْبِه وزنُ نصْفِ دينارٍ، ثمَّ مَن كان في قلْبِه مِثقالُ حبَّةٍ مِن خَردلٍ"، والخَردلُ: نباتٌ له ثمَرٌ أسودُ صغيرٌ جدًّا، يُضْرَبُ به المثَلُ في الصِّغَرِ، وهذا مِن عَظيمِ فضْلِ اللهِ على المُؤمنينَ؛ إذْ يُنَجِّيهم بإيمانِهم وإنْ كان يُحاسِبُهم على أعمالِهم أوَّلًا، ثمَّ يُدْخِلُهم الجنَّةَ بفضْلِه ورحمتِه.
وهذه الشَّفاعةُ للعُصاةِ مُشترِكةٌ بينَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وغيرِه؛ فالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يشفَعُ، وفي كلِّ مرَّةٍ يحُدُّ اللهُ له حدًّا، والأنبياءُ يشفَعونَ، والملائكةُ يشفَعونَ، والمُؤمنونَ يشفَعونَ، وتَبقَى بقيَّةٌ لا تَنالُهم الشَّفاعةُ، فيُخْرِجُهم ربُّ العالَمينَ برحمتِه.
قال أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "فمَن لم يُصَدِّقْ هذا فليقْرَأْ" قولَه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] ؛ فهذه الشَّفاعةُ مِن رحمةِ اللهِ وفضْلِه.
وزاد البُخاريُّ في رِوايتِه: "فيشفَعُ النَّبيُّونَ والملائكةُ والمُؤمنونَ، فيقولُ الجبَّارُ: بقِيَت شَفاعَتي، فيَقبِضُ قبضةً مِن النَّارِ، فيُخْرِجُ أقوامًا قدِ امْتُحِشُوا، فيُلْقَونَ في نهَرٍ بأفواهِ الجنَّةِ، يقالُ له: ماءُ الحياةِ، فينْبُتونَ في حافَتَيه كما تنبُتُ الحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيلِ، قد رأيْتُموها إلى جانبِ الصَّخرةِ، وإلى جانِبِ الشَّجرةِ، فما كان إلى الشَّمسِ منها كان أخضَرَ، وما كان منها إلى الظِّلِّ كان أبيضَ، فيَخرُجونَ كأنَّهم اللُّؤْلُؤُ، فيُجْعَلُ في رِقابِهم الخواتيمُ، فيدخُلونَ الجنَّةَ، فيقولُ أهلُ الجنَّةِ: هؤلاءِ عُتقاءُ الرَّحمنِ، أدخَلَهم الجنَّةَ بغيرِ عمَلٍ عمِلوه، ولا خيرٍ قدَّموه، فيقال لهم: لكم ما رأيْتُم ومثلُه معه".
وقد اشتَمَلَ هذا الحديثُ برِواياتِه على مَسائلَ؛ منها: إثباتُ رُؤيةِ اللهِ تعالى يومَ القِيامةِ، وكذلك إثباتُ شَفاعةِ الملائكةِ والأنبياءِ، ثمَّ شفاعةِ الصَّالحينَ مِن المُؤمنينَ، وإلحاحِهم إلى اللهِ تعالى لإخراجِ إخوانِهم مِن النَّارِ.
وفي الحديثِ: بيانُ سَعَةِ رحمةِ اللهِ وفضْلِه على عِبادِه.
وفيه: أنَّ عُصاةَ المُسلمينَ يُعذَّبونَ على قدْرِ مَعاصيهم، ثمَّ يُخْرِجُهم اللهُ مِن النَّارِ بفضْلِه، ثمَّ بشَفاعةِ الشَّافعينَ.