الموسوعة الحديثية


- الميتُ تحضُرُه الملائكةُ، فإذا كان الرجلُ الصالحُ قال : اخرُجي أيتُها النفسُ الطيبةُ كانتْ في الجسدِ الطيبِ اخرُجي حميدةً وأبشِري بروحٍ وريحانٍ وربٍّ غيرِ غضبانَ قال : فلا يزالُ يقالُ لها ذلك حتى تخرجَ ثم يعرجُ بها إلى السماءِ فتفتحُ لها ، فيقالُ مَن هذا ؟! فيقولونَ : فلانٌ ، فيقولونَ : مرحبًا بالنفسِ الطيبةِ كانتْ في الجسدِ الطيبِ ، ادخُلي حميدةً وأبشِري بروحٍ وريحانٍ وربٍّ غيرِ غضبانَ قال : فلا يزالُ يقالُ لها ذلك حتى يُنتهى بها إلى السماءِ التي فيها اللهُ - تبارَك وتعالى - فإذا كان الرجلُ السوءُ قال : اخرُجي أيتُها النفسُ الخبيثةُ كانتْ في الجسدِ الخبيثِ اخرُجي ذميمةً وأبشِري : بـ حميمٍ وغسَّاقٍ وآخرَ مِن شكلِه أزواجٌ قال : فلا تزالُ يقالُ لها ذلك حتى تخرجَ ، ثم يعرجُ بها إلى السماءِ فيقالُ : مَن هذا ؟ فيقالُ : هذا فلانٌ فيقالُ : لا مرحبًا بالنفسِ الخبيثةِ كانتْ في الجسدِ الخبيثِ , اخرُجي ذميمةً فإنا لا نفتحُ لكَ أبوابَ السماءِ ، فترسلُ منَ السماءِ ثم تصيرُ إلى القبرِ ، فيجلسُ الرجلُ الصالحُ في قبرِه غيرَ فزِعٍ ، ولا مشعوفٍ ، فيقالُ له : فيمَ كنتَ ؟ فيقولُ : كنتُ في الإسلامِ فيقالُ : ما هذا الرجلُ ؟ فيقولُ : محمدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاءنا بالبيناتِ مِن عندِ اللهِ فصدَّقناه فيقالُ : هل رأيتَ اللهَ ؟ فيقولُ : ما ينبَغي لأحدٍ أن يرى اللهَ ، فتفرجُ له فرجةٌ قبلَ النارِ فينظرُ إليها يحطِمُ بعضُها بعضًا ، فيقالُ له : انظُرْ إلى ما وقاكَ اللهُ ، ثم تفرجُ له فرجةٌ قبلَ الجنةِ فينظرُ إلى زهرتِها وما فيها فيقالُ : هذا مقعدُكَ ، ويقالُ له : على اليقينِ كنتَ وعليه مِتَّ وعليه تبعثُ إن شاء اللهُ ، ويجلسُ الرجلُ السوءُ في قبرِه فزِعًا مشعوفًا ، فيقالُ له : فيمَ كنتَ ؟ فيقولُ : لا أدري ، فيقالُ له : ما هذا الرجلُ ؟ فيقولُ : سمِعتُ الناسَ يقولونَ قولًا فقُلتُه فيفرجُ له قبلَ الجنةِ فينظرُ إلى زهرتِها وما فيها فيقالُ له انظُرْ إلى ما صرَف اللهُ عنكَ ثم تفرجُ له فرجةٌ إلى النارِ فينظرُ إليها يحطِمُ بعضُها بعضًا فيقالُ له : هذا مقعدُكَ ، على الشكِّ كنتَ وعليه مِتَّ وعليه تُبعَثُ إن شاء اللهُ. رواه أحمدُ بنُ منيعٍ والحارثُ وغيرُهما ، وستأتي بقيةُ الحديثِ في بابِ السؤالِ في القبرِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البوصيري | المصدر : إتحاف الخيرة المهرة | الصفحة أو الرقم : 2/440 | خلاصة حكم المحدث : سنده صحيح | التخريج : أخرجه ابن ماجه (4262)، وأحمد (8754)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11442) باختلاف يسير.

الميِّتُ تحضرُهُ الملائِكَةُ، فإذا كانَ الرَّجلُ صالحًا، قالوا: اخرجي أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، اخرجي حميدةً، وأبشري برَوحٍ ورَيحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرُجَ، ثمَّ يُعرَجُ بِها إلى السَّماءِ، فيُفتَحُ لَها، فيقالُ: مَن هذا؟ فيقولونَ: فلانٌ، فيقالُ: مرحبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ، كانت في الجسدِ الطَّيِّبِ، ادخُلي حميدةً، وأبشِري برَوحٍ وريحانٍ، وربٍّ غيرِ غضبانَ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى يُنتَهَى بِها إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللَّهُ عزَّ وجلَّ، وإذا كانَ الرَّجلُ السُّوءُ، قالَ: اخرُجي أيَّتُها النَّفسُ الخبيثَةُ، كانَت في الجسدِ الخبيثِ، اخرُجي ذميمةً، وأبشري بحَميمٍ، وغسَّاقٍ، وآخرَ من شَكْلِهِ أزواجٌ، فلا يزالُ يقالُ لَها ذلِكَ حتَّى تخرجَ، ثمَّ يعرجُ بِها إلى السَّماءِ، فلا يفتحُ لَها، فيقالُ: من هذا؟ فيقالُ: فلانٌ، فيقالُ: لا مرحبًا بالنَّفسِ الخبيثةِ، كانت في الجسدِ الخبيثِ، ارجعي ذميمةً، فإنَّها لا تفتحُ لَكِ أبوابُ السَّماءِ، فيرسلُ بِها منَ السَّماءِ، ثمَّ تصيرُ إلى القَبرِ
الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
الصفحة أو الرقم: 3456 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه ابن ماجه (4262) واللفظ له، وأحمد (8754)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11442) باختلاف يسير.


بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحوالَ النَّاسِ عِندَ سكَراتِ الموتِ، وما يَراه كلُّ امرِئٍ بحسَبِ حالِه مِن الإيمانِ والكُفرِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الميِّتُ"، أي: جِنسُه، والمرادُ مَن قَرُبَ موتُه، "تَحضُرُه الملائكةُ"، أي: مَلائكةُ الرَّحمةِ أو مَلائكةُ العذابِ، ولعلَّ الأظهَرَ اجتِماعُ الطَّائفتَينِ؛ لإبهامِ جِنسِ الميِّتِ، ثمَّ بعْدَ العلمِ بالصَّلاحِ والفُجورِ في آخِرِ الأمرِ، كلٌّ يَعمَلُ عليه، "فإذا كان الرَّجُلُ صالِحًا"، أي: مؤمِنًا أو قائمًا بحقوقِ اللهِ تعالى وحقوقِ عبادِه، والفاسِقُ مَسكوتٌ عنه، كما هو دَأبُ الكِتابِ والسُّنَّةِ لِيَكونَ بينَ الرَّجاءِ والخَشْيةِ، "قالوا"، أي: مَلائكةُ الرَّحمةِ للرُّوحِ: "اخرُجي"، أي: مِن جسَدِكِ الطَّيِّبِ فارْجِعي إلى ربِّكِ راضِيَةً مرضيَّةً "أيَّتُها النَّفْسُ"، أي: أيَّتُها الرُّوحُ "الطَّيِّبةُ"، أي: اعتِقادًا أو أخلاقًا، أو المطمئِنَّةُ بذِكْرِ اللهِ، المؤمنةُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "كانت في الجسَدِ الطَّيِّبِ"، أي: كانت في جسَدٍ طابَ بالأعمالِ أو بالاستِسْلامِ لأَمْرِ اللهِ، والانقِيَادِ لِحُكْمِه، "اخرُجي"، وفيه دَلالةٌ على أنَّ الرُّوحَ جِسمٌ لَطيفٌ يُوصَفُ بالدُّخولِ والخروجِ، والصُّعودِ والنُّزولِ، وهو خِطابٌ ثانٍ، أو تأكيدٌ لقولِه: "حَميدةً"، أي: مَحمودةً جَميلةً، أو حامِدةً شاكِرةً، "وأبْشِري برَوْحٍ"، أي: راحةٍ ورحمةٍ، "ورَيْحانٍ"، أي: رِزْقٍ أو رَيحانٍ مَشمومِ الرَّائحةِ طيِّبٍ، "ورَبٍّ"، أي: وبمُلاقاةِ ربِّكِ، "غيرِ غَضْبانَ"، فيُنعِمُ عليكِ بالخُلودِ والرِّزقِ الحسَنِ، "فلا يَزالُ يُقالُ لها ذلك"، أي: يَقولون للرُّوحِ ما تَقدَّمَ مِن أنواعِ البِشارةِ؛ زِيادةً في سُرورِها بِسَماعِها ، "حتَّى تَخرُجَ"، أي: مِن الجسَدِ، "ثمَّ يُعرَجُ بها"، أي: تَصعَدُ الملائكةُ بتِلْك الرُّوحِ، "إلى السَّماءِ"، أي: الدُّنْيا، "فيُفتَحُ لها"، أي: بعدَ الاستِفْتاحِ أو قبْلَه، "فيُقالُ"، أي: يَقولُ ملائكةُ السَّماءِ: "مَن هذا؟ فيَقولون"، أي: يقولُ مَلائكةُ الرَّحمةِ الَّذين معَهم روحُ الميِّتِ: "فلانٌ فيُقالُ: مرحَبًا بالنَّفسِ الطَّيِّبةِ كانَت في الجسَدِ الطَّيِّبِ، "فلا يَزالُ يُقالُ لها ذلك"، أي: ما ذُكِر مِن الأمرِ بالدُّخولِ والبِشَارةِ بالصُّعودِ مِن سماءٍ إلى سماءٍ، "حتَّى تَنتهِيَ"، أي: تَصِلَ "إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللهُ"، وبها أمرُه وحُكمُه، وظُهورُ مُلكِه وهو العَرشُ.
قال: "وإذا كان الرَّجلُ السُّوءُ"، أي: فإذا احتُضِر الرَّجلُ وكان رَجُلَ سَوءٍ، "قال"، أي: ملائكةُ العذابِ: "اخْرُجي أيَّتُها النَّفسُ الخبيثةُ"، أي: الَّتي كانَت خبيثةً في الدُّنْيا اعتِقادًا أو أحوالًا، "كانت في الجسَدِ الخبيثِ"، أي: أعمالًا، "اخرُجي ذَميمةً"، أي: مَذمومةً، "وأبشِري"، وهذا مِن التَّهكُّمِ؛ كقولِه تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21]، "بحَميمٍ"، أي: ماءٍ حارٍّ غايةَ الحرارةِ، "وغَسَّاقٍ"، وهو ما يَغسِقُ، أي: يَسيلُ مِن صَديدِ أهلِ النَّارِ، وقيل: البارِدُ المنتِنُ، قيل: لو قُطِرَت في المشرِقِ لَنَتِنَت أهلُ المغربِ، وقيل: الغَسَّاقُ عذابٌ لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ، "وآخَرَ"، أي: بعذابٍ آخَرَ وبأنواعٍ أُخرَى مِن العذابِ "مِن شَكْلِه"، أي: مِثْلُ ما ذُكِر في الحرارةِ والْمَرارةِ "أزواجٌ"، أي: أصنافٌ وأنواعٌ، "فما تَزالُ"، أي: الرُّوحُ، "يُقالُ لها ذلك حتَّى تَخرُجُ، ثمَّ يُعرَجُ بها إلى السَّماءِ"، أي: يُصعَدُ بها إلى السَّماءِ الدُّنْيا إظهارًا للمَذَلَّةِ والإهانةِ، "فيُفتَحُ لها"، أي: يُستَفتَحُ لها؛ لِقولِه تعالى: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف: 40]، "فيُقالُ: مَن هذا؟ فيُقال: فلانٌ"، ظاهِرُه أنَّهم يَعرِفونهم بمُجرَّدِ اسْمِه، ويَحتمِلُ أنَّ فُلانًا كِنايةٌ عمَّا يتَميَّزُ به عن غيرِه، "فيُقالُ: لا مَرحَبًا بالنَّفسِ الخبيثةِ كانت في الجسَدِ الخبيثِ! ارْجِعي ذَميمةً"، أي: مَذمومةً عِندَ اللهِ وعِندَ الخَلْقِ؛ "فإنَّها لا تُفَتَّحُ لكِ أبوابُ السَّماءِ، فتُرسَلُ"، أي: تُرَدُّ وتُطرَحُ "مِن السَّماءِ ثمَّ تَصيرُ"، أي: تَرجِعُ "إلى القبرِ"، وتكونُ دائِمًا محبوسةً في أسفَلِ السَّافِلينَ بخِلافِ رُوحِ المؤمِنِ; فإنَّها تَسيرُ في مَلَكوتِ السَّماءِ والأرضِ، وتَسرَحُ في الجنَّةِ حيث تَشاءُ، وتَأْوي إلى قَناديلَ تحتَ العرْشِ، ولها تَعلُّقٌ بجسَدِه أيضًا تَعلُّقًا كلِّيًّا يَقرَأُ القرآنَ في قبرِه ويُصلِّي، ويتَنعَّمُ ويَنامُ كنَومِ العَروسِ، ويَنظُرُ إلى مَنازِلِه في الجَنَّةِ بحسَبِ مَقامِه ومَرتبَتِه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على إحسانِ العمَلِ والبُعْدِ عن المعاصي والآثامِ؛ لِما لِذَلك مِن أثَرٍ حسَنٍ عندَ الموتِ.
وفيه: الحثُّ على الإكثارِ مِن ذِكْرِ الموتِ؛ لأنَّه يُزهِّدُ في الدُّنيا.
وفيه: التَّحذيرُ مِن الاغترارِ بالدُّنْيا والرُّكونِ إليها.
وفيه: تبشيرُ المؤمِنِ برُؤيةِ ما أعَدَّه اللهُ له مِن النَّعيمِ المقيمِ في الجنَّةِ قبلَ خُروجِ رُوحِه.