الموسوعة الحديثية


- عن رجلٍ عن سعيدِ بنِ جبيرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ مشرِكي قريشٍ بعثوا النَّضرَ بنَ الحارثِ وعقبةَ بنَ أبي مُعيطٍ إلى أحبارِ اليَهودِ بالمدينةِ فقالوا لَهم سلوهم عن أمرِهِ وأخبِروهم خبرَهُ وصِفوا لَهُ مقالتَهُ فإنَّهم أَهلُ الْكتابِ الأوَّلِ وعندَهم علمُ ما ليسَ عندنا من علمِ الأنبياءِ فقدِمنا المدينةَ فسألا أحبارَ اليَهودِ عنْه وأخبروهم بما يقولون فقالوا لَهم سلوهُ عن ثلاثٍ فإن أخبرَكم بِهنَّ فَهوَ نبيٌّ مرسلٌ وإلا فهو رجلٌ متقوِّلٌ سلوهُ عن فتيةٍ ذَهبوا بالدَّهرِ الأوَّلِ ما كانَ من أمرِهم فإنَّهم كانَ لَهم حديثٌ عجيبٌ وسلوهُ عن رجلٍ طوَّافٍ طاف مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ما كانَ نبؤه وسلوهُ عنِ الرُّوحِ ما هوَ فانطلقنا فقدما مَكَّةَ فقالا يا معشرَ قريشٍ قد جئناكُم بفصلِ ما بينَكم وبينَ محمَّدٍ أمرنا أحبارُ اليَهودِ أن نسألَهُ عن ثلاثٍ فذكرَ القصَّةَ فجاؤوا إلى رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فسألوهُ عن ذلك فقالَ غدًا أجيبكم ولم يستثنِ فمَكثَ خمسَ عشرةَ ليلةً لا يحدِثُ اللَّهُ إليْهِ في ذلِكَ وحيًا ولا يأتيهِ جبريلُ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ حتَّى أحزنَ ذلكَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وأرجف به أَهلُ مَكَّةَ وقالوا وعدَنا أن يجيبَنا غدًا ومضت به خمسَ عشرةَ ليلة أصبَحنا منها اليومَ لا يخبِرُنا عمَّا سألناهُ عنْهُ فنزل عليْهِ جبريلُ بسورةِ الْكَهفِ فعاتَبه في أولها على حُزنِهِ عليهم ثم أخبره بخبرِ أهلِ الكهفِ وأخبرَه عن الرَّجلِ الطَّوَّافِ ونزلَ قولُهُ تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن حجر العسقلاني | المصدر : موافقة الخبر الخبر | الصفحة أو الرقم : 2/70 | خلاصة حكم المحدث : غريب لولا هذا المبهم لكان سنده حسن | التخريج : أخرجه الترمذي (3140)، وأحمد (2309) مختصرا، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (2/ 269) باختلاف يسير.

قالت قُرَيْشٌ ليَهودَ : أعطونا شيئًا نسألُ هذا الرَّجلَ . فقالوا : سلوهُ عنِ الرُّوحِ . فأنزلَ اللَّهُ تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا قالوا : أوتينا علمًا كثيرًا ، التَّوراةَ ، ومَن أوتيَ التَّوراةَ فقد أوتيَ خيرًا كثيرًا . فأنزلَ اللَّهُ تعالى : قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي إلى آخرِ الآيةِ
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : ابن دقيق العيد | المصدر : الاقتراح في بيان الاصطلاح
الصفحة أو الرقم: 104 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

التخريج : أخرجه الترمذي (3140)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11314)، وأحمد (2309) باختلاف يسير


أيَّدَ اللهُ سُبحانه وتَعالى نَبيَّه محمَّدًا بعِلمِ بعضِ الغَيبيَّاتِ التي سأَلَه عنها المشرِكون واليهودُ، فأجابَهم بما يُفحِمُهم، ويُرشِدُهم إلى الهِدايةِ والإيمانِ باللهِ بإقامةِ الحُجَّةِ عليهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "قالتْ قُريشٌ لِيَهودَ: أَعطُونا شيئًا نَسأَلُ هذا الرجُلَ"، أي: أَعطُونا شيئًا ممَّا عِندَكم به عِلمٌ لِنَسأَلَ عنه محمَّدًا؛ لِنَختبِرَه به، "فقالوا: سَلُوه عن الرُّوحِ"، أي: عن كُنْهِها وحَقيقتِها، وقد سَأَلوه عن الرُّوحِ التي تكونُ بها الحياةُ، كما في رِوايةِ الطَّبَريِّ: "عن الرُّوحِ، وكيف تُعذَّبُ الرُّوحُ التي في الجسَدِ، وإنَّما الرُّوحِ مِن اللهِ؟!" قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، أي: إنَّ الرُّوحَ أمْرٌ ربَّانيٌّ استأثَرَ اللهُ سُبحانه وتَعالى بعِلمِه دونَ ما سِواهُ، وإنَّ العِلمَ الَّذي لَدَيكم ليس إلَّا شيئًا قليلًا وجُزءًا يَسيرًا؛ لأنَّ عِلْمَ الإنسانِ بالغًا ما بلَغَ؛ فهو مَحدودٌ، وعقْلُه أيضًا محدودٌ، وأسرارُ هذا الوُجودِ أوسَعُ مِن أنْ يُحيطَ بها العَقلُ البَشريُّ المحدودُ.
"قالوا: أُوتِينا عِلمًا كثيرًا؛ التَّوراةَ"، وهذا إقرارٌ منهم بما عِندهم مِن العِلمِ الموجودِ في التَّوراةِ المُنزَّلةِ على نَبيِّ اللهِ مُوسى، "ومَن أُوتِيَ التَّوراةَ فقد أُوتِيَ خيرًا كثيرًا"، ولو أنَّهم صَدَقوا لاتَّبَعوا ما فيها مِن الحقِّ، وآمَنوا بالنبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذي يَجِدونه عِندَهم في التَّوراةِ، "فأنزَلَ اللهُ تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109]، أي: لو أنَّ ماءَ البَحرِ حِبرًا للقَلَمِ الذي يَكتُبُ كلامَ اللهِ، {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109]، يعني: لَانتَهى ماءُ البحرِ قبْلَ أنْ يَنفَدَ كلامُ ربِّي وحكمِه، إلى آخِرِ الآيةِ. وفي هذه الآيةِ إثباتُ صِفةِ الكلامِ للهِ عزَّ وجلَّ، وهي على الوَجهِ الذي يَليقُ به سبحانه وتعالى دُونَ تَكييفٍ أو تمثيلٍ بأحدٍ مِن خَلْقِه، وكلامُه سبحانَه وكَلِماتُه غير مخلوقةٍ، ولو كانتْ كَلماتُه مَخلوقةً لَنَفِدَتْ كما تَنفَدُ البِحارُ والأشجارُ وجميعُ المُحدَثاتِ، لكنْ كما لا يُحاطُ بوَصْفِه تعالى، كذلك لا يُحاطُ بكَلِماتِه وجميعِ صِفاتِه سُبحانَه.
في الحديثِ: أنَّ الرُّوحَ غَيبٌ، وسِرٌّ مِن أسرارِ اللهِ القُدُسيَّةِ.
وفيه: قِلَّةُ عِلمِ الإنسانِ وضآلَتُه، وأنَّ العقلَ البَشريَّ لا يُحيطُ بكلِّ شَيءٍ .