الموسوعة الحديثية


- الْتِقَاؤُهُ بالرَّاهِبِ، بَحِيرَا الذي تَفَرَّسَ فيه ورأى مَعَالِمَ النُّبُوَّةِ في وجهِه وبينَ كَتِفَيْهِ، فلما سأل أبا طالبٍ : ما هذا الغلامُ منكَ ؟ قال : ابْنِي، قال : ما يَنْبَغِي أن يكونَ أَبُوهُ حَيًّا ! قال : فإنه ابنُ أَخِي مات أَبُوهُ وأُمُّهُ حُبْلَى به. قال صَدَقْتَ، ارْجِعْ به إلى بَلَدِكَ واحْذَرْ عليه يَهُودَ.

أصول الحديث:


سيرة ابن اسحاق = السير والمغازي (ص73)
: أخبرنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: وكان أبو طالب هو الذي أضاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بعد جده، فكان إليه ومعه. ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجراً، فلما تهيأ للرحيل، وأجمع السير له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال: يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم؟ فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبداً؛ أو كما قال. فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيهم فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريباً من صومعته، فصنع لهم طعاماً كثيراً، وذلك- فيما يزعمون- عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب، حين أقبلوا وغماما تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة، وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن لك اليوم لشأناً ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم صغيركم [[وكبيركم]] ، فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم- لحداثة سنه- في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، قالوا له: يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا، تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل مع القوم من قريش: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا! ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئاً، فو الله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما، فقال له بحيرا: فبالله إلا أخبرتني عما أسلك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله: من نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده ، فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام. فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرا وتماماً، ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب- أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرا ، وذكرهم الله عز وجل، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه، حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا، فقال أبو طالب في ذلك من الشعر، يذكر مسيره برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرادوا منه- أولئك النفر - وما قال لهم فيه بحيرا: إن ابن آمنة النبي محمداً … عندي بمثل منازل الأولاد لما تعلق بالزمام رحمته … والعيس قد قلصن بالأزواد فارفض من عيني دمع ذارف … مثل الجمان مفرق الأفراد راعيت فيه قرابة موصولة … وحفظت فيه وصية الأجداد وأمرته بالسير بين عمومة … بيض الوجوه مصالت أنجاد ساروا لأبعد طية معلومة … فلقد تباعد طية المرتاد حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا … لاقوا على شرك من المرصاد حبرا فأخبرهم حديثا صادقا … عنه ورد معاشر الحساد قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى … ظل الغمام وعز ذي الأكياد ساروا لقتل محمد فنهاهم … عنه وأجهد أحسن الإجهاد فثنى زبيراً بحيرا فانثنى … في القوم بعد تجادل وبعاد ونهى دريسا فانتهى عن قوله … حبر يوافق أمره برشاد وقال أبو طالب أيضاً: ألم ترني من بعد هم هممته … بفرقة حر الوالدين كرام بأحمد لما أن شددت مطيتي … برحلي وقد ودعته بسلام بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا … وأخذت بالكفين فضل زمام ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة … تجود من العينين ذات سجام فقلت: تروح راشدا في عمومة … مواسين في البأساء غير لئام فرحنا مع العير التي راح أهلها … شآمي الهوى والأصل غير شآمي فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا … لنا فوق دور ينظرون جسام فجاد بحيرا عند ذلك حاشدا … لنا بشراب طيب وطعام فقال: اجمعوا أصحابكم لطعامنا … فقلنا جمعنا القوم غير غلام يتيم، فقال: ادعوه إن طعامنا … كثير، عليه اليوم غير حرام فلما رآه مقبلا نحو داره … يوقيه حر الشمس ظل غمام حنا رأسه شبه السجود وضمه … إلى نحره والصدر أي ضمام وأقبل ركب يطلبون الذي رأى … بحيرا من الأعلام وسط خيام فثار إليهم خشية لعرامهم … وكانوا ذوي دهى معا وعرام دريساً وتماما وقد كان فيهم … زبيراً وكل القوم غير نيام فجاءوا وقد هموا بقتل محمد … فردهم عنه بحسن خصام بتأويله التوراة حتى تفرقوا … وقال لهم: ما أنتم بطغام فذلك من أعلامه وبيانه … وليس نهار واضح كظلام وقال أبو طالب أيضاً: بكى طرباً لما رآنا محمد … كأن لا يراني راجعا لمعاد فبت يجافيني تهلل دمعه … وقربته من مضجعي ووسادي فقلت له: قرب قعودك وارتحل … ولا تخشى مني جفوة ببلادي وخل زمام العيس وارتحلن بنا … على عزمة من أمرنا ورشاد ورح رائحاً في الراشدين مشيعاً … لذي رحم في القوم غير معاد فرحنا مع العير التي راح ركبها … يؤمون على غوري أرض إباد فما رجعوا حتى رأوا من محمد … أحاديث تجلو غم كل فؤاد وحتى رأوا حبار كل مدينة … سجودا له من عصبة وفراد زبيرا وتماما وقد كان شاهداً … دريساً وهموا كلهم بفساد فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا … له بعد تكذيب وطول بعاد كما قال للرهط الذين تهودوا … وجاهدهم في الله كل جهاد فقال ولم يملك له النصح: رده … فإن له أرصاد كل مضاد فإني أخاف الحاسدين وإنه … أخو الكتب مكتوب بكل مداد.

دلائل النبوة للبيهقي (2/ 26)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير قال: قال محمد بن إسحاق : وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده، كان إليه ومعه , ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير ضب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بزمام ناقته، وقال: يا عم، إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي، فرق له أبو طالب، وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا، أو كما قال، قال: فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيراء في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير علمهم عن كتاب فيه، فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيراء، وكانوا كثيرا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا به قريبا من صومعته، فصنع لهم طعاما كثيرا، وذلك فيما يزعمون، عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامة بيضاء تظله من بين القوم , ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وشمرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها , فلما رأى ذلك بحيراء نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم: يا بحيراء، إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيراء : صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة. فلما نظر بحيراء في القوم ولم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معاشر قريش، لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا , فقالوا له: يا بحيرى ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنا، تخلف في رحالهم قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن هذا للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا قال: ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم فلما رآه بحيراء جعل يلحظه لحظا شديدا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا، قام بحيراء فقال له: يا غلام، أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه , وإنما قال له بحيراء ذلك؛ لأنه سمع قومه يحلفون بهما وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئا، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئا قط. فقال له بحيراء: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه , فقال: سلني عما بدا لك , فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيراء من صفته , ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده قال: فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب، فقال له: هل هذا الغلام منك؟ فقال: ابني , فقال له بحيراء: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات، وأمه حبلى به. قال: صدقت. قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرا وثماما ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب، قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فأرادوه فردهم عنه بحيراء، وذكرهم الله، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا بما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا فقال أبو طالب في ذلك شعرا يذكر مسيره برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أراد منه أولئك النفر، وما قال لهم فيه بحيراء، وذكر ابن إسحاق ثلاث قصائد من شعره في ذلك