موسوعة الفرق

الفرْعُ الحادِيَ عَشَرَ: مَوقِفُ الحُوثيِّين مِنَ الشِّيعةِ الزَّيديَّةِ


تَبَيَّن مِمَّا مَضى أنَّ حُسَينًا الحُوثيَّ ليس شيعيًّا زَيديًّا مُعتَدِلًا، بل هو زَيديٌّ جاروديٌّ، يتَّفِقُ مَعَ الشِّيعةِ الرَّافِضةِ الاثنَي عَشريَّةِ في القَولِ بأنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه هو الوَصيُّ، وفي تَضليلِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم وتَكفيرِهم؛ ولذلك فإنَّ حُسَينًا الحُوثيَّ يلمِزُ الشِّيعةَ الزَّيديَّةَ المُعتَدِلةَ، ويُشيرُ في أكثَرَ من مَوقِفٍ إلى انحِرافِهم، ويطعنُهم ويلمِزُهم تَحتَ دَعوى حُرقةِ المُحِبِّ النَّاصِحِ!
قال حُسَينٌ الحُوثيُّ: (الكثيرُ الذين لا يعرِفونَ وضعيَّتَنا هذه، ولا يعرِفونَ أينَ مَوقِعُنا أمامَ اللهِ سُبحانَه وتعالى، إنَّه مَوقِعٌ تَحت مَوقِعِ اليهودِ والنَّصارى إن كُنتُم تَفهَموا هذه، تَحتَ اليهودِ والنَّصارى؛ لأنَّنا أضَعْنا، والزَّيديَّةُ بالذَّاتِ تَقَعُ المَسؤوليَّةُ عليهم أكثَرَ من غَيرِهم، هؤلاء الذين تَتَحَدَّثُ مَعَهم ثُمَّ يستَغرِبوا كُلَّ ما نَقولُ، الذين نَتَحَدَّثُ مَعَهم ثُمَّ يرَونَنا نَتَحَدَّثُ عن شَيءٍ لا أساسَ له؛ لأنَّنا أصبَحنا الآنَ نَعيشُ في حالةِ التِّيهِ كما عاشَ بَنو إسرائيلَ) [2657] ((لا عذر للجميع أمام الله) (ص: 5). .
وقال عنِ الزَّيديَّةِ أيضًا: (إنَّ الزَّيديَّةَ تَعيشُ حالةً مِنَ الذِّلَّةِ أسوأَ مِنَ التي ضُرِبَت على بَني إسرائيلَ، عُلماؤُنا وطُلَّابُنا، عِلْمنُا ومُجتَمَعُنا كُلُّه، نَعيشُ في حالةٍ مِنَ المَسكنةِ والذِّلَّةِ أشَدَّ مِمَّا ضَرَبَها اللهُ سُبحانَه وتعالى على بَني إسرائيل؛ لأنَّنا أضَعنا المسؤوليَّةَ) [2658] ((مسؤولية طلاب العلوم الدينية)) (ص: 16). .
وقال حُسَينٌ الحُوثيُّ: (بصَراحةٍ أقولُ هذه: إنَّ الزَّيديَّةَ لا يُتَوقَّعُ أن تَنهَضَ إلَّا إذا نَظَرنا نَظرةً مَوضوعيَّةً لنُصَحِّحَ ثَقافتَنا، فما كان قد وصَل إلينا عن طَريقِ السُّنِّيَّةِ، وما كان في الواقِعِ هو من تُراثِ السُّنِّيَّةِ، أُصولُ الفِقهِ هو سُنِّيٌّ، ليس صحيحًا أنَّه من عِلمِ أهلِ البَيتِ، دَخَل إلى أهلِ البَيتِ، ودَخَل إلى الزَّيديَّةِ وتَلقَّفوه، عِلمُ الكلامِ جاءَ من عِندِ المُعتَزِلةِ، والمُعتَزِلةُ سُنِّيَّةٌ، كُتُبُ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ كثيرٌ منها، ومَنطِقُ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ كثيرٌ منه من عِندِ السُّنِّيَّةِ، هذه عُلومٌ جاءَتنا من عِندِ فِئةٍ ضالَّةٍ فأضَلَّتنا فعلًا، ونحن نَشهَدُ على أنفُسِنا بالضَّلالِ) [2659] ((مسؤولية طلاب العلوم الدينية)) (ص: 18). .
وقال أيضًا: (فظَهَرَ لنا أئِمَّةٌ حتَّى داخِلَ الزَّيديَّةِ ليسوا جَديرينَ بأن يحكُموا الأُمَّةَ، وصُدِّروا في تاريخِنا كأئِمَّةٍ من أهلِ البَيتِ، وليسوا كامِلينَ ولا مُؤَهَّلينَ فعلًا) [2660] ((دروس من هدي القرآن - سورة المائدة)) الدرس الثاني (ص: 25). .
وبسَبَبِ مُهاجَمةِ حُسَينٍ الحُوثيِّ لعُلماءِ الزَّيديَّةِ فقد وقَعَ خِلافٌ بَينَهم وبَينَ حُسَينٍ الحُوثيِّ، ونَتيجةً للمَواقِفِ التي يقِفُها الحُوثيُّ ضِدَّهم أصدَرَ عُلماءُ الزَّيديَّةِ في عَهدِ الرَّئيسِ علي عبد الله صالح بيانًا تبرَّؤوا فيه صَراحةً من فِكرِ الحُوثيِّ، وجاءَ في البَيانِ ما يلي: (إلى كافَّةِ أبناءِ المَذهَبِ الزَّيديِّ وغَيرِهم من أبناءِ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ، وفَّقَنا اللهُ وإيَّاكم لأمرِ اللهِ في قَولِه جَلَّ جَلالُه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187] ، ... ولمَّا ظَهَرَ في المَلازِمِ التي يقومُ بنَشرِها وتَوزيعِها حُسَين بَدر الدِّينِ وأتباعُه، التي يُصَرِّحُ فيها بالتَّحذيرِ من قِراءةِ كُتُبِ أئِمَّةِ العِترةِ، وكُتُبِ عُلماءِ الأُمَّةِ عمومًا، وعلى وجهِ الخُصوصِ كتُبُ أُصولِ الدِّينِ، وأُصولِ الفِقهِ، وإليكم بَعضُ نُصوصِه:
ما ذَكرَه في مَلزَمةٍ تُسَمَّى (مَعرِفةَ اللهِ ووعدَه ووعيدَه) الدَّرسِ الخامِسَ عَشَر (ص: 37) السَّطرِ العاشِرِ، قال في سياقِ كلامٍ له: (ثُمَّ وجَدْنا أنفُسَنا في الأخيرِ إذا بنا كُنَّا نَقطَعُ أيَّامَنا مَعَ كُتُبٍ وإذا هي ضَلالٌ كُلُّها، من أوَّلِها إلى آخِرِها، ككُتُبِ أُصولِ الفِقهِ بقَواعِدِه، وإذا هي وراءَ كُلِّ ضَلالٍ نحن عليه، ووراءَ قُعودِ الزَّيديَّةِ، وراءَ ضَربِ الزَّيديَّةِ، وراءَ هذه الرُّوحيَّةِ المُتَدَنِّيةِ لدى الزَّيديَّةِ، التي تَختَلفُ اختلافًا كُلِّيًّا عَمَّا كان عليه السَّابقونَ من أهلِ البَيتِ وشيعَتِهم، وهي التي نَسهَرُ ونُراجِعُ الدُّروسَ فيها، وهي مَن نَحمِلُها إلى المَساجِدِ، وما أبعَدَها عن واقِعِ المَساجِدِ!).
وما ذَكرَه في مَلزَمةٍ تُسَمَّى (مَسؤوليَّة طُلَّابِ العُلومِ الدِّينِيَّةِ) (ص: 16) السَّطرِ الثَّامِنَ عَشَرَ، قال فيها: (أنا أشعُرُ من خِلالِ تَأمُّلي للقُرآنِ الكريمِ، ومِن خِلالِ تَأمُّلي للواقِعِ -وقد أكونُ مخطئًا عِندَ الكثيرِ- أنَّ الزَّيديَّةَ تَعيشُ حالةً مِنَ الذِّلَّةِ أسوأَ مِنَ التي ضُرِبَت على بَني إسرائيلَ. عُلماؤُنا وطُلَّابُ عِلمِنا ومُجتَمَعُنا كُلُّه، نَعيشُ في حالةٍ مِنَ المَسكنةِ أسوأَ مِنَ التي ضُرِبَت على بَني إسرائيلَ).
وقال في نَفسِ المَلزَمةِ (ص: 17) السَّطرِ الثَّاني عَشَرَ: (أنا شَخصيًّا أعتَقِدُ أنَّ من أسوأِ ما ضَرَّ بنا وأبعَدَنا عن كِتابِ اللهِ، وأبعَدَنا عن دينِ اللهِ، عنِ النَّظرةِ الصَّحيحةِ للحَياةِ وللدِّينِ، وأبعَدَنا عنِ اللهِ سُبحانَه وتعالى: هو عِلمُ أُصولِ الفِقهِ، صَراحةً أقولُها: إنَّ فنَّ أُصولِ الفِقهِ هو مَن أسوأِ الفُنونِ، وإنَّ عِلمَ الكلامِ الذي جاءَ به المُعتَزِلةُ هو من أسوأِ الأسبابِ التي أدَّت بنا إلى هذا الواقِعِ السَّيِّئِ، أبعَدَتنا عنِ اللهِ، أبعَدَتنا عن رسولِه، عن أنبيائِه.
وغَيرُ ذلك مِنَ الأقوالِ التي تُصَرِّحُ بتَضليلِ أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ عليهمُ السَّلامُ، من لدُن أميرِ المُؤمِنينَ عَليٍّ عليه السَّلامُ، ومرورًا بأئِمَّةِ أهلِ البَيتِ، وإلى عَصرِنا هذا، والتي يتَهَجَّمُ فيها على عُلماءِ الإسلامِ عمومًا، وعلى عُلماءِ الزَّيديَّةِ خصوصًا، وفيما يذكرُه مِنَ الأقوالِ المُبَطَّنةِ مِنَ الضَّلالاتِ التي تُنافي الآياتِ القُرآنيَّةَ الوارِدةَ بالثَّناءِ على أهلِ البَيتِ المُطَهَّرينَ، وتَنافي حَديثَ الثَّقَلينِ المُتَواتِرَ، وحَديثَ (لا تَزالُ طائِفةٌ من أُمَّتي على الحَقِّ ظاهرينَ)، فمَن أثنى عليه اللهُ ورَسولُه لا يكونُ ضالًّا، بل الضَّالُّ مَن خالف اللهَ ورَسولَه وإجماعَ الأُمَّةِ. فبناءً على ما تَقدَّمَ، رَأى عُلماءُ الزَّيديَّةِ الموقِّعونَ على البَيانِ التَّحذيرَ من ضَلالاتِ المَذكورِ وأتباعِه، وعَدَمَ الاغتِرارِ بأقوالِه وأفعالِه التي لا تَمُتُّ إلى أهلِ البَيتِ وإلى المَذهَبِ الزَّيديِّ بصِلةٍ، وأنَّه لا يجوزُ الإصغاءُ إلى تلك البدَعِ والضَّلالاتِ، ولا التَّأييدُ لها، ولا الرِّضا بها وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 51] ، وهذا بَراءةً للذِّمَّةِ، وتخلُّصًا أمامَ اللهِ من واجِبِ التَّبليغِ. واللهُ الموفِّقُ) [2661] يُنظر: ((خيوط الظلام)) لعبد الفتاح البتول (ص: 426 - 428). ومِمَّن وقَّعَ على البَيانِ من عُلماءِ الزَّيديَّةِ: القاضي أحمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الشَّاميُّ الأمينُ العامُّ لحِزبِ الحَقِّ، وحمود بنُ عَبَّاسٍ المُؤَيدُ مُفتي الزَّيديَّةِ في صَنعاءَ، ومُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّد المَنصور، وصَلاحُ بنُ أحمَد فليتة، وحَسَن مُحَمَّد زَيد، ثُمَّ إنَّ عُلماءَ الزَّيديَّةِ أصدَروا بَيانًا آخَرَ أبدَوا فيه تَراجُعًا عنِ البَيانِ الأوَّل، ووصَفوا حُسَينًا الحُوثيَّ بأنَّه مِنَ العُلماءِ، وأنَّ على الدَّولةِ أن تَحاوِرَه لا أن تُقاتِلَه. يُنظر: ((الحوثية في اليمن .. الأطماع المذهبية في ظل التحولات الدولية)) لمجموعة من الباحثين (ص: 120 - 125). .
وقد تَباينَت مَواقِفُ عُلماءِ المَذهَبِ الزَّيديِّ حَولَ حُسَينٍ الحُوثيِّ، بَينَ التَّأييدِ تارةً والإنكارِ أُخرى بحَسبِ مُقتَضى الحالِ ودَواعي الضَّرورةِ؛ فتارةً يستَنكِرونَ على الحُوثيِّ، وينعَتونَه بالخارِجِ، وتارةً يستَنكِرونَ الحَربَ عليه ويصِفونَه بالعَلَّامةِ والمُجتَهِدِ والمُجَدِّدِ [2662] يُنظر: ((الزهر والحجر.. التمرد الشيعي في اليمن)) لعادل الأحمدي (ص: 360، 377). !
وبَعدَ استيلاءِ الحُوثيِّين على السُّلطةِ في اليمَنِ بتاريخِ 21 سِبتَمبر 2014 م صارَ كثيرٌ من عُلماءِ الزَّيديَّةِ وعَوامِّهم مُؤَيِّدينَ للحُوثيِّين، ويراهم خَيرًا من غَيرِهم، ما عَدا بَعضَ عُلماءِ الزَّيديَّةِ وطُلَّابِهمُ الذين لا يرضَونَ بجَميعِ فِكرِ الحُوثيِّ، ويُنكِرونَ تَطَرُّفَه وغُلوَّه، ويُحاوِلونَ التَّعايُشَ مَعَ الحُوثيِّين بسَلامٍ مَعَ إنكارِهم لفِكرِهمُ الدَّخيلِ على المَذهَبِ الزَّيديِّ، كمُحَمَّدِ بنِ عَبدِ العَظيمِ الحُوثيِّ وطُلَّابِه، وبَعضِ طُلَّابِ مجدِ الدِّينِ المُؤَيديِّ.

انظر أيضا: