موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: إسنادُ بَعضِ الحَوادِثِ الكونيَّةِ إلى بَعضِ الأئِمَّةِ


كُلُّ ما يجري في الكونِ هو بأمرِ اللهِ وتَقديرِه لا شَريكَ له سُبحانَه، لكِنْ أورَدَ الشِّيعةُ الإماميَّةُ في كُتُبِهم أنَّ لبَعضِ أئِمَّتِهم أمرًا في ذلك؛ فعن سماعةَ بنِ مِهرانَ قال: كُنتُ عِند أبي عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ فأرعَدَتِ السَّماءُ وأبرَقَت، فقال أبو عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ: (أمَا إنَّه ما كان مِن هذا الرَّعدِ ومِن هذا البَرقِ فإنَّه مِن أمرِ صاحِبكم، قُلت: مَن صاحِبُنا؟ قال: أميرُ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ!) [1066] يُنظر: ((الاختصاص)) للمفيد (ص: 327). .
يعني: كُلُّ ما وقَعَ مِن رَعدٍ وبَرقٍ هو مِن أمرِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، لا مِن أمرِ الواحِدِ القَهَّارِ! مَعَ أنَّ اللهَ تعالى يقولُ: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ [الرعد: 12] .
ونَقَل المَجلِسيُّ رِوايةً طَويلةً في عِدَّةِ صَفحاتٍ، تَجعَلُ لعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قُدراتٍ مُطلقةً، وقال: (إنَّ عَليًّا أومَأ إلى سَحابَتَينِ فأصبَحَت كُلُّ سَحابةٍ كأنَّها بساطٌ مَوضوعٌ، فرَكِبَ على سَحابةٍ بمُفرَدِه، ورَكب بَعضُ أصحابِه كسَلمانَ والمِقدادِ السَّحابةَ الأُخرى، وقال عليٌّ وهو فوقَ السَّحابةِ: أنا عَينُ اللهِ في أرضِه، أنا لسانُ اللهِ النَّاطِقُ في خَلقِه، أنا نورُ اللهِ الذي لا يُطفأُ، أنا بابُ اللهِ الذي يُؤتى منه، وحُجَّتُه على عِبادِه) [1067] ((بحار الأنوار)) (27/34). !
ويبدو أنَّ قَولَ الإماميَّةِ: إنَّ عَليًّا يركبُ السَّحابَ امتِدادٌ للمَذهَبِ السَّبَئيِّ الذي يقولُ بأنَّ عَليًّا رَضِيَ اللهُ عنه: (هو الذي يجيءُ في السَّحابِ، والرَّعدُ صَوتُه، والبَرقُ تَبَسُّمُه) [1068] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/174). !
ونَقَل المَجلِسيُّ عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قَولَه: (والذي فلقَ الحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمةَ إنِّي لأملِكُ مِن مَلَكوتِ السَّماواتِ والأرضِ ما لو عَلمتُم ببَعضِه لَمَا احتَمَله جِنَانُكم، إنَّ اسمَ اللهِ الأعظَمَ على اثنَينِ وسَبعينَ حَرفًا، وكان عِند آصِفِ بنِ برخيا حَرفٌ واحِدٌ، فتَكلَّمَ به فخَسَف اللهُ عَزَّ وجَلَّ الأرضَ ما بَينَه وبَينَ عَرشِ بلقيسَ، حتَّى تَناولَ السَّريرَ، ثُمَّ عادَتِ الأرضُ كما كانت أسرَعَ مِن طَرْفِ النَّظَرِ، وعِندَنا نَحن واللهِ اثنانِ وسَبعونَ حَرفًا، وحَرفٌ واحِدٌ عِندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ استَأثَرَ به في عِلمِ الغَيبِ) [1069] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (27/37). !
ونَقَل المَجلِسيُّ أيضًا عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه زارَ الأنبياءَ عليهم السَّلامُ، فكان منهم مَن يبكي لمَّا رَأى أميرَ المُؤمِنينَ، ولمَّا قيل له: ما بُكاؤُك؟ قال: (إنَّ أميرَ المُؤمِنين كان يمُرُّ بي عِندَ كُلِّ غَداةٍ، فيجلسُ فتَزدادُ عِبادَتي بنَظَري إليه، فقُطِعَ ذلك مُنذُ عَشَرةِ أيَّامٍ، فأقلقَني ذلك) [1070] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (27/37). !
وتَقولُ هذه القِصَّةُ: إنَّ عَليًّا كان يقولُ لأصحابِه: (غُضُّوا أعيُنَكم، فينقُلُهم إلى مَدينةٍ أسواقُها قائِمةٌ، وأهلُها أعظَمُ مِن طولِ النَّخلِ، ويقولُ: (إنَّ هؤلاء مِن قَومِ عادٍ، ثُمَّ يَصعَقُ فيهم عليٌّ صَعقةً فتُهلِكُهم) [1071] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (27/39). .
وهكذا تَمضي الحِكايةُ فتُقِلُّهم السَّحابُ حتَّى يهبِطوا في دارِ أميرِ المُؤمِنينَ في أقَلَّ مِن طَرفِ النَّظَرِ، قالوا: (وكان وُصولُنا إلى المَدينةِ وقتَ الظُّهرِ والمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ، وكان خُروجُنا منها وقتَ عَلتِ الشَّمسُ) [1072] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (27/40). .
وفي آخِرِ الرِّوايةِ أنَّ أميرَ المُؤمِنينَ قال: (لو أنَّني أرَدتُ أن أجوبَ الدُّنيا بأسرِها والسَّماواتِ السَّبعَ وأرجِعَ في أقَلَّ مِنَ الطَّرفِ، لفعَلتُ بما عِندي مِنِ اسمِ اللهِ الأعظَمِ، فقُلْنا: يا أميرَ المُؤمِنينَ: أنتَ واللهِ الآيةُ العُظمى، والمُعجِزُ الباهِرُ) [1073] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (27/40). .
هذه الرِّوايةُ الطَّويلةُ بكُلِّ ما فيها لم يتَجاسَرِ المَجلِسيُّ على رَدِّها، مَعَ أنَّه قال عن هذا النَّصِّ: (لم نَرَه في الأُصولِ التي عِندَنا) [1074] ((بحار الأنوار)) (27/40). ، إلَّا أنَّه قال: (لا نَرُدُّها، ونَرُدُّ عِلمَها إليهم عليهم السَّلامُ) [1075] ((بحار الأنوار)) (27/40). .
وجاءَ في بَعضِ رِواياتِهم: (ما كان مِن سَحابٍ فيه رَعدٌ وصاعِقةٌ وبَرقٌ، فصاحِبُكم [1076] يعني: المهديَّ المنتَظَرَ لديهم. يُنظر: هامش ((بحار الأنوار)) للمجلسي (12/183). يركبُه، أمَا إنَّه سَيركبُ السَّحابَ، ويرقى في الأسبابِ) [1077] يُنظر: ((الاختصاص)) للمفيد (ص: 199، 327). .

انظر أيضا: