المبحَثُ الأوَّلُ: مَوقِفُ الشِّيعةِ الإماميَّةِ من الأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ
أوَّلًا: الكتابُوهو القرآنُ العظيمُ، وغلاةُ الشِّيعةِ الرَّافِضةِ يزعُمون أنَّه ناقِصٌ وفيه تحريفٌ
، ولا اعتمادَ -عند بعضِهم- على كونِه قُرآنًا إلَّا إذا أُخِذ بواسطةِ الإمامِ المعصومِ، وليس القرآنُ المأخوذُ من الأئِمَّةِ موجودًا في أيديهم، والقرآنُ المعروفُ غيرُ معتدٍّ به عِندَ أئِمَّتِهم بزَعمِهم، وأنَّه لا يليقُ الاستدلالُ به لوَجهَينِ:
الأوَّلُ لِما روى جماعةٌ من الإماميَّةِ عن أئِمَّتِهم أنَّ القرآنَ المنـَزَّلَ وقع فيه تحريفٌ في كلماتِه عن مواضِعِها، بل أُسقِط منه بعضُ السُّوَرِ كسورةِ الولايةِ، وترتيبُه هذا غيرُ معتدٍّ به؛ لكونِه متغيِّرًا عن أصلِه، وما هو موجودٌ الآنَ في أيدي المُسلِمين هو مصحَفُ عُثمانَ الذي كتبه
، وأرسَل منه سَبعَ نُسَخٍ إلى أطرافِ العالمِ، وألجأ النَّاسَ على قَبولِه وقراءتِه على ما رتَّبه، وآذى مَن خالف ذلك، فلا يصِحُّ التَّمسُّكُ به ولا يُعتَمَدُ على نظْمِه من العامِّ والخاصِّ والظَّاهِرِ والنَّصِّ ونحوِها؛ لأنَّه يجوزُ أن يكونَ هذا القرآنُ الذي بَيْنَ أيدينا كلُّه أو أكثَرُه منسوخًا بالآياتِ أو السُّوَرِ التي أُسقِطَت منه أو مخصوصًا بها!
الثَّاني أنَّ نَقَلةَ هذا القرآنِ مِثلُ ناقِلي التَّوراةِ والإنجيلِ؛ لأنَّ بعضَهم كانوا مُنافِقين، ك
أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ -رضي اللَّهُ عنهم- وبعضُهم كانوا مداهِنين في الدِّينِ، كعوامِّ الصَّحابةِ الذين تَبِعوا رؤساءَهم طمعًا في الدَّنيا؛ فقد ارتدُّوا عن الإسلامِ إلَّا أربعةً أو ستةً
! فغيَّروا خطابَ اللَّهِ تعالى، فجعلوا مثلًا مكانَ
إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] : (من المرافِقِ). ومكان
أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [النحل: 92] : (أئِمَّةٌ هي أزكى)
.
هكذا يزعُمُ غُلاةُ الشِّيعةِ، ويقولون: كما أنَّ التَّوراةَ والإنجيلَ لا يُعمَلُ بهما أصلًا فكذلك هذا القُرآنُ!
ثانيًا: الخَبَرُوسيأتي ذِكْرُ أقسامِه الأربعةِ عِندَهم.
وناقِلُ الخبرِ إمَّا أن يكونَ من الشِّيعةِ أو من غيرِهم، ولا اعتبارَ لديهم بروايةِ غيرِ الشِّيعةِ أصلًا؛ لأنَّ الصَّحابةَ الذين هم منتهى الأسانيدِ كانوا بزعمِهم مرتدِّين ومحَرِّفين لكتابِ اللَّهِ تعالى، ومعادين لأهلِ بيتِ النُّبوَّةِ، فلا بدَّ أن يكونَ الرَّاوي من الشِّيعةِ، وأن ينتهيَ إسنادُه إلى أحَدِ أهلِ البيتِ أو أحَدِ الصَّحابةِ الذين لم يرتدُّوا، وهم قِلَّةٌ، وبينَ الشِّيعةِ اختلافٌ كثيرٌ في أصلِ الإمامةِ، وتعيينِ الأئِمَّةِ وعَدَدِهم، فهم اثنا عَشَرَ عِندَ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، وهم عِندَ الزَّيديَّةِ كُلُّ مَن شَهَر سَيفَه، ودعا إلى نفسِه، سواءٌ كان مِن نَسلِ الحَسَنِ أو الحُسَينِ.
ثالثًا: الإجماعُوهو باطِلٌ عِندَ الشِّيعةِ إلَّا إذا كان قولُ الإمامِ المعصومِ في ضِمنِه؛ فمدارُ حُجِّيَّتِه على قولِ المعصومِ لا على نفسِ الإجماعِ، وثُبوتُ عِصمةِ الإمامِ وتعيينُه يكونُ إمَّا بخبَرِه أو بخبرِ معصومٍ آخَرَ.
وأيضًا إجماعُ الصَّدرِ الأوَّلِ والثَّاني قبلَ حدوثِ الاختلافِ في الأمَّةِ غيرُ مُعتَبَرٍ؛ لأنَّهم أجمعوا على خلافةِ
أبي بَكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما، وحُرمةِ المتعةِ، وتحريفِ الكِتابِ، ومنعِ تقسيمِ مِيراثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وغَصْبِ فَدَكٍ من
فاطمةَ رضي اللَّهُ عنها، وبعدَ حُدوثِ الاختلافِ في الأمَّةِ وتفرُّقِهم بفِرَقٍ مختلفةٍ كيف يُتصَوَّرُ الإجماعُ؟ لا سيَّما في المسائِلِ الخلافيَّةِ المحتاجةِ إلى الاستدلالِ وإقامةِ الحُجَّةِ القاطعةِ.
رابعًا: العَقلُوالاستدلالُ به باطلٌ أيضًا عِندَ الشِّيعةِ الاثْنَي عَشْريَّةِ؛ لأنَّ التَّمسُّكَ به إمَّا في الشَّرعيَّاتِ أو غيرِها، فإن كان في الشَّرعيَّاتِ فلا يصِحُّ التَّمسُّكُ به أصلًا؛ لأنَّهم يُنكِرون أصلَ القياسِ ولا يقولون بحجِّيَّتِه، وأمَّا في غيرِ الشَّرعيَّاتِ فيتوقَّفُ العقلُ على تجريدِه عن شوائبِ الوَهمِ والإلفِ والعادةِ، والاحترازِ عن الخطأِ في التَّرتيبِ والفِكرِ في صورةِ الأشكالِ، وهذه الأمورُ لا تحصُلُ إلَّا بإرشادِ إمامٍ؛ لأن كُلَّ فِرقةٍ من طوائفِ بني آدَمَ يُثبِتون بعقولِهم أشياءَ ويُنكِرون أشياءَ أُخَرَ، وهم متخالِفون فيما بَيْنَهم في الأصولِ والفُروعِ، ولا يمكِنُ التَّرجيحُ بالعقلِ فقط؛ فالتَّمسُّكُ إذن بقولِ الإمامِ، ومع ذلك لا يمكِنُ إثباتُ الأمورِ الدِّينيَّةِ بالعَقلِ الصِّرفِ؛ لأنَّه عاجِزٌ عن معرفتِها تفصيلًا، لكِنْ يمكِنُه معرفتُها إذا كان مستمَدًّا من الشَّريعةِ.
وبهذا يتبيَّنُ أنَّ الشِّيعةَ مخالِفون لكتابِ اللَّهِ تعالى وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وللإجماعِ والعقلِ، بل إنهم مخالِفون لآلِ البيتِ كذلك، ولم يعمَلوا بقولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنِّي تارِكٌ فيكم الثَّقلَينِ، أحَدُهما أكبَرُ من الآخَرِ: كتابُ اللَّهِ حَبلٌ ممدودٌ من السَّماءِ إلى الأرضِ، وعِترتي أهلُ بيتي))
، فهذا الحديثُ ثابتٌ عِندَ أهلِ السُّنَّةِ والشِّيعةِ؛ فقد أمَر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهذينِ الأمرينِ العَظيمَي القَدرِ، والرُّجوعِ إليهما في كُلِّ أمرٍ؛ فمَن كان مَذهَبُه مخالِفًا لهما فهو ضالٌّ، ومن جحَد بهما فقد غوى، وليس المتمَسِّكُ بهذين الحبلينِ المتينينِ إلَّا أهلَ السُّنَّةِ؛ لأنَّ كتابَ اللَّهِ ساقِطٌ عِندَ الشِّيعةِ عن درجةِ الاعتبارِ كما سبق بيانُه. ويتبيَّنُ ذلك أكثَرَ بذِكرِ بعضِ الرِّواياتِ الواردةِ في أشهَرِ كُتُبِهم؛ منها:
1- عن هِشامِ بنِ سالمٍ عن
أبي عبدِ اللَّهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ قال: (إنَّ القرآنَ الذي جاء به جبريلُ إلى مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سبعةَ عَشَرَ ألفَ آيةٍ)
.
ومعلومٌ أنَّ القرآنَ الكريمَ الموجودَ في مصاحِفِ المُسلِمين اليومَ سِتَّةُ آلافٍ ومائتانِ وسِتٌّ وثلاثون آيةً (6236).
2- عن سالِمِ بنِ سَلمةَ قال: قرأ رجلٌ على
أبي عبدِ اللَّهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ وأنا أسمعُه حروفًا من القرآنِ ليس ممَّا يقرَؤُه النَّاسُ، فقال أبو عبدِ اللَّهِ: (مَهْ، اكفُفْ عن هذه القراءةِ، واقرأْ كما يقرأُ النَّاسُ حتَّى يقومَ القائِمُ، فإذا قام القائِمُ اقرأ كتابَ اللَّهِ على حدِّه)
.
3- عن أحمدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ أبي نصرٍ قال: (دفَعَ إليَّ
أبو الحَسَنِ موسى الرِّضا عليه السَّلامُ مُصحفًا، وقال: لا تنظُرْ فيه، ففتحْتُه وقرأتُ فيه: لم يكُنِ الذين كفروا -يعني سورةَ البَيِّنةَ-، فوجَدْتُ فيها اسمَ سبعين رجلًا من قريشٍ بأسمائِهم وأسماءِ آبائِهم)
!
4- عن الحَكَمِ بنِ عُتَيبةَ قال: قرأ عَليُّ بنُ الحُسَين: (وما أرسَلْنا قَبلَك من رسولٍ ولا نبيٍّ ولا مُحدَّثٍ) قال: وكان عَليُّ بنُ أبي طالبٍ محدَّثًا، وكلُّ إمامٍ منَّا أهلَ البيتِ فهو محدَّثٌ
.
5- عن مُحمَّدِ بنِ الجَهمِ وغَيرِه عن أبي عبدِ اللَّهِ أنَّ
أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ [النحل: 92] ليس كلامَ اللَّهِ، بل محرَّفٌ عن موضِعِه، والمُنـزَّلُ: (أئِمَّةٌ هي أزكى من أئِمَّتِكم)
!
ويقرِّرُ غُلاةُ الشِّيعةِ المثبِتين لتحريفِ كتابِ اللَّهِ أنَّ سورةَ (الولاية) سقطَت
، وأنَّ (سورة الأحزاب) أُسقط منها فضائِلُ أهلِ البيتِ وأحكامُ إمامتِهم، وأنَّه أُسقِط لفظُ (وَيْلَك) قبلَ قَولِه تعالى:
لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وأنَّه أُسقِط لفظُ (بعَليِّ بنِ أبي طالبٍ) بعدَ قَولِه تعالى:
وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25] ، وكذا لفظُ (آلَ مُحمَّدٍ) بعد (ظلموا) من قَولِه تعالى:
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]
!
وأمَّا العِترةُ الشَّريفةُ فهي بإجماعِ أهلِ اللُّغةِ أقارِبُ الرَّجُلِ، والشِّيعةُ يُنكِرون نسبةَ بعضِ العترةِ، ك
زينبَ و
رُقيَّةَ و
أمِّ كلثومٍ بناتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ولا يَعُدُّون في العِترةِ العبَّاسَ عَمَّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأولادَه، ويُبغِضون زيدَ بنَ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، وبعضُهم يُكَفِّرُه؛ لكونِه ادَّعى الإمامةَ، وليس إمامًا عِندَهم، وكذا يحيى بنُ زيدِ بنِ عَليٍّ، وكذا إبراهيمُ وجَعفَرٌ ابنَا موسى الكاظِمِ.
ويعتَقِدون أنَّ الحَسَنَ بنَ الحَسَنِ وابنَه عبدَ اللَّهِ بنَ الحَسَنِ، وابنَه مُحمَّدًا الملقَّبَ بالنَّفسِ الزَّكيَّةِ، ارتدُّوا! ولقَّبوا جَعفَرَ بنَ عَليٍّ أخا الإمامِ الحَسَنِ العَسكريِّ بجَعفَرٍ الكذَّابِ. واللَّهُ المستعانُ على ما يَصِفون به فُضَلاءَ أهلِ البَيتِ
.