الموسوعة الفقهية

الفَصْلُ السَّادِسُ: انْتِقالُ حَقِّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوَرَثةِ


اخْتَلَفَ العُلَماءُ في انْتِقالِ حَقِّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوَرَثةِ، على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: يَنْتَقِلُ حَقُّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوَرَثةِ بَعْدَ مَوْتِ الشَّفيعِ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ ، والشَّافِعِيَّةِ ، واخْتارَه بعضُ الحَنابِلةِ ، وهو اخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه خِيارٌ ثابِتٌ لدَفْعِ الضَّرَرِ عن المالِ، فيُورَثُ كخِيارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ .
ثانِيًا: لأنَّ الأجَلَ يُورَثُ بمَوْتِ صاحِبِه، فكذلك الشُّفْعةُ .
ثالثًا: لأنَّه حَقٌّ ثابِتٌ فيُورَثُ عن المَيِّتِ كما تُورَثُ بَقيَّةُ الحُقوقِ .
القَوْلُ الثَّاني: إن ماتَ الشَّفيعُ قَبْلَ المُطالَبةِ سَقَطَ حَقُّ الشُّفْعةِ، وإن ماتَ بَعْدَ المُطالَبةِ لم يَسقُطْ حَقُّه، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ ، واخْتارَه ابنُ حَزْمٍ ، وهو قَوْلُ مُحمَّدِ بنِ سيرينَ .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه لا حَقَّ للوَرَثةِ في الأخْذِ بالشُّفْعةِ أصْلًا؛ لأنَّ اللهَ تَعالى إنَّما جَعَلَ الحَقَّ للشَّفيعِ لا لغَيْرِه، والخِيارُ لا يُورَثُ .
ثانِيًا: لا يَنْتقِلُ إلى الوَرَثةِ ما يُشَكُّ في ثُبوتِه؛ لأنَّا لا نَعلَمُ بَقاءَ الشَّفيعِ على الشُّفْعةِ لاحْتِمالِ رَغْبتِه عنها .
ثالِثًا: تَثبُتُ للوَرَثةِ إذا طَلَبَها قَبْلَ مَوْتِه؛ لأنَّ الحَقَّ قد تَقَرَّرَ بالطَّلَبِ؛ ولذلك لا تَسقُطُ بتَأخيرِ الأخْذِ بَعْدَه .

انظر أيضا:

  1. (1) ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (20/134)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد الحفيد (2/263).
  2. (2) ((فتح العزيز)) للرافعي (11/451)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/302).
  3. (3) ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152).
  4. (4) قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (يَنْتقِلُ حَقُّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوارِثِ؛ لأنَّ هذا تابِعٌ للمِلْكِ، فإذا ماتَ الشَّفيعُ ولم يَطالِبْ فلِلوارِثِ أن يُطالِبَ؛ لأنَّ هذا مِن حُقوقِ المِلْكِ، وإذا كانَ مِن حُقوقِ المِلْكِ فإنَّ المِلْكَ يَنْتقِلُ بحُقوقِه؛ ولِهذا نَجِدُ في وَثائِقِ البَيْعِ قَوْلَهم: فصارَ المَبيعُ مِلْكًا للمُشْتَري بجَميعِ حُقوقِه وحُدودِه، ومِنها الأخْذُ بالشُّفْعةِ، وهذا هو الصَّوابُ؛ لأنَّه حَقٌّ ثابِتٌ، فيُورَثُ عن المَيِّتِ كما يُورَثُ المالِ، وكما تُورَثُ بَقيَّةُ الحُقوقِ). ((الشرح الممتع)) (10/275)، ويُنظَرُ: ((التعليق على الكافي)) لابن عُثَيْمينَ (6/536).
  5. (5) ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/279).
  6. (6) ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152).
  7. (7) ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيْمينَ (10/275).
  8. (8) نَصَّ الحَنابِلةُ على أنَّه إن ماتَ الشَّفيعُ قَبْلَ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ معَ القُدْرةِ أو الإشْهادِ معَ العُذْرِ، بَطَلَتْ شُفْعتُه. ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152)، ((الإنصاف)) للمرداوي (6/ 217)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/158).
  9. (9) قالَ ابنُ حَزْمٍ: (وإن ماتَ الشَّفيعُ قَبْلَ أن يَقولَ: أنا آخُذُ شُفْعَتي، فقدْ بَطَلَ حَقُّه ولا حَقَّ لوَرَثتِه في الأخْذِ بالشُّفْعةِ أصْلًا؛ لأنَّ اللهَ تَعالى إنَّما جَعَلَ الحَقَّ له لا لغَيْرِه، والخِيارُ لا يُورَثُ، وهذا قَوْلُ مُحمَّدِ بنِ سيرينَ). ((المحلى)) (8/24).
  10. (10) ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (8/24).
  11. (11) ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (8/24).
  12. (12) ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152).
  13. (13) ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152).