الموسوعة الفقهية

الفَصْلُ الثَّاني: إذا بِيعَ بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فهلْ يَأخُذُه الشَّفيعُ بثَمَنٍ حالٍّ أم مُؤَجَّلٍ؟


اخْتَلَفَ العُلَماءُ إذا بِيعَ المَبيعُ بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فهل يَأخُذُه الشَّفيعُ بثَمَنٍ حالٍّ أم مُؤَجَّلٍ، على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: يُخَيَّرُ الشَّفيعُ بَيْنَ أن يَأخُذَ المَبيعَ بالثَّمَنِ مُعَجَّلًا، أو يَنْتظِرَ إلى حُلولِ الأجَلِ، وليس له أن يَأخُذَه في الحالِ بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وهو مَذهَبُ الحَنَفِيَّةِ [291] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/249)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/153). ، والشَّافِعِيَّةِ [292] ((فتح العزيز)) للرافعي (11/450)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/87، 88). ، وذلك لأنَّ الأجَلَ ليس مِن لوازِمِ العَقْدِ، ولا يَثبُتُ إلَّا بالشَّرْطِ، فاشْتِراطُه في حَقِّ المُشْتَري لا يكونُ اشْتِراطًا في حَقِّ الشَّفيعِ؛ لتَفاوُتِ النَّاسِ فيه [293] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/153). .
القَوْلُ الثَّاني: يَأخُذُه بثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إن كانَ الشَّفيعُ قادِرًا أو كَفَلَه شَخْصٌ قادِرٌ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ [294] ((التاج والإكليل)) للمواق (5/316)، ((منح الجليل)) لعليش (7/196). ، والحَنابِلةِ [295] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/138). ، وزُفَرَ مِن الحَنَفِيَّةِ [296] ولا يُشتَرَطُ عنْدَ زُفَرَ أن يكونَ مَليئًا أو يَكفُلَه مَلِيءٌ. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/249)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/153). ، وهو القَوْلُ القَديمُ للشَّافِعيِّ [297] ((فتح العزيز)) للرافعي (11/450). ويُنظَرُ: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/253). ، وهو اخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ [298] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (قَوْلُه: «والمُؤَجَّلُ» صِفةٌ لمَوْصوفٍ مَحْذوفٍ، والتَّقْديرُ: الثَّمَنُ المُؤَجَّلُ. قَوْلُه: «يَأخُذُه» الفاعِلُ يَعودُ على الشَّفيعِ، وهو الشَّريكُ. قَوْلُه: «المَلِيءُ به» المَلِيءُ هو القادِرُ على الوَفاءِ بمالِه وقَوْلِه وبَدَنِه. القادِرُ بمالِه: بمَعْنى أن يكونُ عنْدَه مِقْدارُ الثَّمَنِ، والقادِرُ بقَوْلِه: ألَّا يكونَ مُمَاطِلًا، والقادِرُ ببَدَنِه: أن يُمكِنَ إحْضارُه لمَجلِسِ الحُكْمِ إذا دَعَتِ الحاجةُ إلى المُحاكَمةِ. فمَثَلًا: إذا قُدِّرَ أنَّ الشَّفيعَ فَقيرٌ والثَّمَنَ مُؤَجَّلٌ، بأن يكونَ الشَّريكُ باعَ هذا الشِّقْصَ بألْفِ رِيالٍ إلى سَنَةٍ، فأرادَ الشَّريكُ أن يَأخُذَ الشِّقْصَ المَبيعَ، نقولُ: إذا كانَ مَليئًا يَأخُذُه بثَمَنِه المُؤَجَّلِ، فإذا كانَ يَحِلُّ بَعْدَ سَنَةٍ أخَذَه المَلِيءُ مُدَّةَ سَنَةٍ، فإذا كانَ الشَّفيعُ فَقيرًا وقالَ: الثَّمَنُ لم يَحِلَّ، وسوف يَرزُقُني اللهُ عَزَّ وجَلَّ في هذه المُدَّةِ وأُوفي، نقولُ: نَعمْ، إنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قَديرٌ، لكن هاتِ كَفيلًا يَضمَنُ). ((الشرح الممتع)) (10/277). وقالَ: (الشَّفيعُ يَأخُذُ بالثَّمَنِ الَّذي اسْتَقَرَّ عليه العَقْدُ قَليلًا كانَ أو كَثيرًا، وسواءٌ كانَ أَكثَرَ مِن قيمةِ المِثلِ أو أقَلَّ أو مُساوِيًا له، وكذلك إذا كانَ مُؤَجَّلًا يَأخُذُه بأجَلِه). ((التعليق على الكافي)) (6/520). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ للشَّفيعِ حَقَّ الأخْذِ بالثَّمَنِ الَّذي يَملِكُ به المُشْتَري بصِفتِه، والتَّأجيلُ مِن صِفاتِه [299] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/249). .
ثانِيًا: لأنَّ البائِعَ يَنْتَفي عنه الضَّرَرُ بكَوْنِ الشَّفيعِ مَليئًا (قادِرًا)، أو أنَّ كَفيلَه مِليءٌ [300] ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/138). .
ثالِثًا: لأنَّ تَعْجيلَ المُؤَجَّلِ زِيادةٌ في القَدْرِ بتَفاضُلِ الأثْمانِ، وليس للمُشْتَري أن يَسْتَزيدَ [301] ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/253). .

انظر أيضا: