الموسوعة الفقهية

الفَصْلُ السَّادِسُ: انْتِقالُ حَقِّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوَرَثةِ


اخْتَلَفَ العُلَماءُ في انْتِقالِ حَقِّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوَرَثةِ، على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: يَنْتَقِلُ حَقُّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوَرَثةِ بَعْدَ مَوْتِ الشَّفيعِ، وهو مَذهَبُ المالِكِيَّةِ [345] ((الجامع لمسائل المدونة)) لابن يونس (20/134)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد الحفيد (2/263). ، والشَّافِعِيَّةِ [346] ((فتح العزيز)) للرافعي (11/451)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/302). ، واخْتارَه بعضُ الحَنابِلةِ [347] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152). ، وهو اخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ [348] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (يَنْتقِلُ حَقُّ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ إلى الوارِثِ؛ لأنَّ هذا تابِعٌ للمِلْكِ، فإذا ماتَ الشَّفيعُ ولم يَطالِبْ فلِلوارِثِ أن يُطالِبَ؛ لأنَّ هذا مِن حُقوقِ المِلْكِ، وإذا كانَ مِن حُقوقِ المِلْكِ فإنَّ المِلْكَ يَنْتقِلُ بحُقوقِه؛ ولِهذا نَجِدُ في وَثائِقِ البَيْعِ قَوْلَهم: فصارَ المَبيعُ مِلْكًا للمُشْتَري بجَميعِ حُقوقِه وحُدودِه، ومِنها الأخْذُ بالشُّفْعةِ، وهذا هو الصَّوابُ؛ لأنَّه حَقٌّ ثابِتٌ، فيُورَثُ عن المَيِّتِ كما يُورَثُ المالِ، وكما تُورَثُ بَقيَّةُ الحُقوقِ). ((الشرح الممتع)) (10/275)، ويُنظَرُ: ((التعليق على الكافي)) لابن عُثَيْمينَ (6/536). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه خِيارٌ ثابِتٌ لدَفْعِ الضَّرَرِ عن المالِ، فيُورَثُ كخِيارِ الرَّدِّ بالعَيْبِ [349] ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/279). .
ثانِيًا: لأنَّ الأجَلَ يُورَثُ بمَوْتِ صاحِبِه، فكذلك الشُّفْعةُ [350] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152). .
ثالثًا: لأنَّه حَقٌّ ثابِتٌ فيُورَثُ عن المَيِّتِ كما تُورَثُ بَقيَّةُ الحُقوقِ [351] ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيْمينَ (10/275). .
القَوْلُ الثَّاني: إن ماتَ الشَّفيعُ قَبْلَ المُطالَبةِ سَقَطَ حَقُّ الشُّفْعةِ، وإن ماتَ بَعْدَ المُطالَبةِ لم يَسقُطْ حَقُّه، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [352] نَصَّ الحَنابِلةُ على أنَّه إن ماتَ الشَّفيعُ قَبْلَ المُطالَبةِ بالشُّفْعةِ معَ القُدْرةِ أو الإشْهادِ معَ العُذْرِ، بَطَلَتْ شُفْعتُه. ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152)، ((الإنصاف)) للمرداوي (6/ 217)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/158). ، واخْتارَه ابنُ حَزْمٍ [353] قالَ ابنُ حَزْمٍ: (وإن ماتَ الشَّفيعُ قَبْلَ أن يَقولَ: أنا آخُذُ شُفْعَتي، فقدْ بَطَلَ حَقُّه ولا حَقَّ لوَرَثتِه في الأخْذِ بالشُّفْعةِ أصْلًا؛ لأنَّ اللهَ تَعالى إنَّما جَعَلَ الحَقَّ له لا لغَيْرِه، والخِيارُ لا يُورَثُ، وهذا قَوْلُ مُحمَّدِ بنِ سيرينَ). ((المحلى)) (8/24). ، وهو قَوْلُ مُحمَّدِ بنِ سيرينَ [354] ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (8/24). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه لا حَقَّ للوَرَثةِ في الأخْذِ بالشُّفْعةِ أصْلًا؛ لأنَّ اللهَ تَعالى إنَّما جَعَلَ الحَقَّ للشَّفيعِ لا لغَيْرِه، والخِيارُ لا يُورَثُ [355] ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (8/24). .
ثانِيًا: لا يَنْتقِلُ إلى الوَرَثةِ ما يُشَكُّ في ثُبوتِه؛ لأنَّا لا نَعلَمُ بَقاءَ الشَّفيعِ على الشُّفْعةِ لاحْتِمالِ رَغْبتِه عنها [356] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152). .
ثالِثًا: تَثبُتُ للوَرَثةِ إذا طَلَبَها قَبْلَ مَوْتِه؛ لأنَّ الحَقَّ قد تَقَرَّرَ بالطَّلَبِ؛ ولذلك لا تَسقُطُ بتَأخيرِ الأخْذِ بَعْدَه [357] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/152). .

انظر أيضا: