الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّل: وقتُ صلاةِ الفَجرِ


المسألة الأولى: بداية وقت صلاة الفجر
إذا طلَعَ الفجرُ الثَّاني [1015] الفجر الثاني: هو المستطير - وهو الفجرُ الصادق - وسُمِّي مستطيرًا لانتشاره في الأُفق. يُنظر: ((المطلع على ألفاظ المقنع)) للبعلي (ص: 77)، ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للأزهري (ص: 51)، ((البناية)) للعيني (4/103). ، فقدْ دخَلَ أوَّلُ وقتِ صلاةِ الصُّبحِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
1- عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتاه سائلٌ يَسألُه عن مواقيتِ الصَّلاةِ، فلم يَرُدَّ عليه شيئًا، قال: فأقامَ الفجرَ حين انشقَّ الفجرُ، والناس لا يَكادُ يَعرِف بعضُهم بعضًا... ثم أخَّرَ الفجرَ من الغدِ حتى انصرفَ منها والقائلُ يقول: قد طلعتِ الشمسُ، أو كادتْ... ثم أصبح فدعَا السائلَ، فقال: ((الوقتُ بين هَذينِ )) [1016] رواه مسلم (614).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: سُئِلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن وقتِ الصلواتِ، فقال: ((وقتُ صلاةِ الفجرِ ما لم يَطلُعْ قرنُ الشمسِ الأوَّلُ )) [1017] رواه مسلم (612).
ثانيًا: من الإجماع
نقَلَ الإجماعَ على أنَّ وقتَ الصبحِ ما بين طلوعِ الفجرِ إلى طلوعِ الشَّمسِ: ابنُ المنذر [1018] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ وقت صلاة الصبح: طلوعُ الفجر). ((الإجماع)) (ص: 38). وقال أيضًا: (وأجمَعوا على أنَّ مَن صلَّى الصبح بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس؛ أنه يُصلِّيها في وقتها). ((الإجماع)) (ص: 38). ، والطحاويُّ [1019] قال الطحاويُّ: (فأمَّا ما رُوي عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذه الآثار في صلاة الفجر، فلم يختلفوا عنه فيه أنه صلَّاها في اليوم الأول حين طلع الفجر، وهو أوَّلُ وقتها، وصلَّاها في اليوم التالي حين كادتِ الشمس أن تطلُع، وهذا اتِّفاق المسلمين أنَّ أول وقت الفجر حين يطلُع الفجر، وآخر وقتها حين تطلُع الشمس). ((شرح معاني الآثار)) (1/148). ، وابنُ حزم [1020] قال ابنُ حزمٍ: (اتَّفقوا على أنَّ طلوع الفجر المذكور إلى طلوع قُرص الشمس وقتٌ للدخول في صلاة الصبح). ((مراتب الإجماع)) (ص: 26). ، ونقل الإجماعَ على دُخول وقتِها بطلوعِ الفَجرِ: ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (لا خلافَ بين علماء المسلمين في أنَّ أوَّل وقت صلاة الصبح طلوعُ الفجر على ما في هذا الحديث، وظهوره للعين، والفجر هو أوَّل بياض النَّهار الظاهر في الأفق الشرقي المستطير المنير المنتشر، تُسمِّيه العربُ الخيطَ الأبيض). ((الاستذكار)) (1/35). ، والنوويُّ [1022] قال النوويُّ: (أجمعت الأمَّة على أنَّ أول وقت الصبح طلوعُ الفجر الصادق، وهو الفجر الثاني). ((المجموع)) (3/43). وحَكَى ابنُ عبد البرِّ الإجماعَ على أنَّ آخِرَ وقتِها حين تطلُعُ الشمسُ [1023] قال ابنُ عبد البَرِّ: (عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه قال: «ليس التفريط في النومِ، إنَّما التفريط في اليقظةِ على من لم يُصلِّ الصلاة حتى يدخُلَ وقت الأخرى»، وهذا عندهم فيما عدا صلاةَ الصبح؛ للإجماع في الصبح أنَّها تفوت ويخرج وقتها بطلوع الشمس). ((التمهيد)) (8/74).
المسألة الثانية: صَلاةُ الفَجرِ قَبلَ وقتِها
لا يَجوزُ أن تُصلَّى صلاةُ الفجرِ قَبل وقتِها.
الدَّليل من الإجماع:
نقَل الإجماعَ على ذلك: النوويُّ قال النوويُّ: (وصلَّى الفجرَ يومئذٍ قَبل ميقاتها المعتاد، ولكن بعد تحقُّق طلوع الفجر؛ فقوله: «قبل وقتها» المراد قبلَ وقتها المعتاد، لا قبلَ طلوع الفجر؛ لأنَّ ذلك ليس بجائزٍ بإجماعِ المسلمين). ((شرح النووي على مسلم)) (9/37).
المسألة الثالثة: التَّغليسُ في صلاةِ الفَجرِ
الأفضلُ تَعجيلُ الصُّبحِ في أوَّلِ وقتِها إذا تَحقَّق طُلوعُ الفَجرِ، وهو التغليسُ التَّغليس: أداءُ صلاةِ الفَجْرِ في الغَلَس، والغَلَسُ: ظلامُ آخِر الليل. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (6/156)، ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (1/401). ، وهو مذهبُ الجمهور: المالكيَّة [1026] ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/244)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/180). ، والشافعيَّة [1027] ((المجموع)) للنووي (3/51)، وينظر: ((الحاوي)) للماوردي (2/63). ، والحنابلة [1028] ((منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/152)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/286)، ((حاشية الروض المربع)) لابن قاسم (1/479). ، والظاهريَّة [1029] قال ابنُ حزمٍ: (تعجيلُ جميع الصَّلوات في أوَّل أوقاتها أفضلُ على كلِّ حال؛ حاشا العَتَمَة؛ فإنَّ تأخيرَها إلى آخِر وقتها في كلِّ حال وكل زمان أفضَلُ؛ إلَّا أنْ يشُقَّ ذلك على الناس؛ فالرِّفقُ بهم أَوْلى، وحاشا الظهر للجماعة خاصَّةً، في شدَّة الحَرِّ خاصَّة، فالإبراد بها إلى آخِر وقتها أفضَلُ). ((المحلى)) (2/214). ونسب النوويُّ هذا القول لداود الظاهري، يُنظر: ((المجموع)) (3/51). ، وهو قولُ طائفةٍ من السَّلَف قال النوويُّ: (الأفضلُ تعجيل الصبح في أوَّل وقتها، وهو إذا تحقق طلوع الفجر؛ هذا مذهبنا ومذهب عمر، وعثمان، وابن الزبير، وأنس، وأبي موسى، وأبي هريرة رضي الله عنهم، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وداود، وجمهور العلماء). ((المجموع)) (3/51). وقال الشوكانيُّ: (ذهبت العِترةُ، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والأوزاعي، وداود بن علي، وأبو جعفر الطبري، وهو المرويُّ عن عمر، وعثمان، وابن الزبير، وأنس، وأبي موسى، وأبي هريرة إلى أنَّ التغليس أفضلُ، وأنَّ الإسفار غير مندوب. وحكى هذا القول الحازميُّ عن بقيَّة الخلفاء الأربعة، وابنِ مسعود، وأبي مسعود الأنصاريِّ، وأهلِ الحجاز...). ((نيل الأوطار)) (2/23).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
1- قول الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة: 238]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
 أنَّ من المحافظةِ عليها تَقديمَها في أوَّلِ الوقتِ؛ لأنَّه إذا أَخَّرَها عرَّضَها للفواتِ [1031] ((المجموع)) للنووي (3/51).
2- قول الله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 133]
3- قول الله تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ المسارعةَ إلى الخيرِ والمسابقةَ إليه أفضلُ بنصِّ القرآنِ [1032] قال ابنُ عبد البَرِّ: (أصحُّ دليل على تفضيل أوَّل الوقت ممَّا قد نزع به ابنُ خويز منداد وغيره: قوله عزَّ وجلَّ: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ؛ فوجبت المسابقة إليها وتعجيلُها وجوبَ ندب وفضل؛ للدلائل القائمة على جواز تأخيرها). ((التمهيد)) (4/341) 342)، ويُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/215).
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: ((كُنَّ نِساءُ المؤمناتِ يَشهدْنَ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ الفجرِ متلفِّعاتٍ بمُروطِهنَّ، ثم يَنقلِبْنَ إلى بيوتهنَّ حين يَقضِينَ الصَّلاةَ، لا يعرفهنَّ أحدٌ من الغَلَسِ )) [1033] رواه البخاري (578)، ومسلم (645).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
قولها في الحديث: ((كنَّ نساءُ المؤمناتِ يشهدنَ مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلاةَ الفجر، فينصرِفْنَ متلفِّعاتٍ... لا يعرفهنَّ أحدٌ من الغَلَسِ))، هذا إخبارٌ عن أنه كان يُداومُ على ذلك، أو أنَّه أكثر فِعله، ولا تَحصُلُ المداومةُ إلَّا على الأفضلِ [1034] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/201).
2- عن محمَّدِ بنِ عَمرٍو، هو ابنُ الحَسنِ بنِ عليٍّ، قال: سألْنا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ عن صلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (كان يُصلِّي الظهرَ بالهاجرةِ، والعصرَ والشمسُ حيَّةٌ، والمغربَ إذا وجبَتْ، والعشاءَ؛ إذا كثُر الناسُ عَجَّلَ، وإذا قلُّوا أخَّر، والصبحَ بَغلَسٍ ) [1035] رواه البخاري (565)، ومسلم (646).
المسألة الرابعة: آخِرُ وقتِ الفَجرِ
يَمتدُّ وقتُ صلاةِ الفجرِ اختيارًا إلى طلوعِ الشَّمسِ، وهذا مذهب الحنفيَّة [1036] ((المبسوط)) للسرخسي (1/258)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/122). ، والحنابلة [1037] ((الإنصاف)) للمرداوي (1/310)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/256). قال المرداوي: (الصَّحيح من المذهب: أنه ليس لها وقتُ ضرورة، بل وقت فضيلة وجواز، كما في المغرِب والظُّهر). ، والصحيح من قول ِمالكٍ [1038] قال ابنُ بطَّال: (واختلفوا في آخِر وقت الفجر؛ فذهب الجمهورُ إلى «أنَّ» آخره أوَّل طلوع جِرم الشمس، وهو مشهورُ مذهب مالك، ورَوى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم: أنَّ آخر وقتها الإسفارُ الأعلى). ((شرح صحيح البخاري)) (5/73). وقال ابنُ العربيِّ: (الصَّحيح عن مالك: أنَّ وقتها يمتدُّ إلى طلوع الشمس، ولا وقت ضرورة لها، وما رُوي عنه خلافه لا يصحُّ). ((عارضة الأحوذي)) (9/175). وقال القرافيُّ: (ثم يمتدُّ وقتُها الاختياري إلى الإسفار، وهو في الكتاب، وقيل: إلى طلوع الشمس؛ قال القاضي أبو بكر: وهو الصحيح، ولا يصحُّ عن مالك غيرُه). ((الذخيرة)) (2/19) ، وهو قولُ جمهورِ العلماء من السَّلف والخلف [1039] قال ابنُ رجب: (وأمَّا آخِر وقت الفجر: فطلوع الشمس، هذا قولُ جمهور العلماء من السلف والخلف، ولا يُعرف فيه خلاف، إلَّا عن الإصطخري من الشافعيَّة). ((فتح الباري)) (3/227). وأجمَعوا على أنه لا يمتدُّ إلى صلاة الظهر؛ قال الشوكاني: (حديث أبي قَتادةَ عند مسلِم، وفيه: ((ليس في النوم تفريطٌ، إنَّما التفريطُ على مَن لم يُصلِّ الصلاةَ حتَّى يجيءَ وقتُ الصَّلاةِ الأخرى))، فإنَّه ظاهر في امتدادِ وقت كلِّ صلاة إلى دخول وقت الصَّلاة الأخرى، إلا صلاة الفجر؛ فإنَّها مخصوصةٌ من هذا العموم بالإجماع). ((نيل الأوطار)) (2/16). واختارَه ابنُ تيميَّة [1040] قال ابنُ تيميَّة: (ويمتدُّ وقتها في حال الاختيار والاضطرار إلى طلوع الشمس، فإذا بدَا حاجبُ الشمس خرج وقتها). ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) (1/184). ، والصنعانيُّ [1041] قال الصنعانيُّ: (فإنَّه دليلٌ على امتداد وقت كلِّ صلاة إلى دخول وقت الأخرى؛ إلا أنه مخصوصٌ بالفجر؛ فإنَّ آخر وقتها طلوع الشمس). ((سبل السلام)) (1/159). ، وابنُ باز [1042] قال ابن باز: (ويجوز تأخيرُها إلى آخر الوقت قبل طلوع الشمس؛ لقول النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم «وقتُ الفجرِ من طلوعِ الفجرِ ما لم تطلُعِ الشَّمْسُ»). ((تحفة الأخوان)) (ص: 61)، ويُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/393). ، وابنُ عُثَيمين [1043] قال ابنُ عُثَيمين: (ووقتُ الفجر من طلوع الفجر الثَّاني إلى طلوع الشَّمس). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/286).
الأدلَّة من السُّنَّة:
1- عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أَدركَ من الصُّبحِ ركعةً قبل أن تَطلُعَ الشمسُ، فقدْ أَدركَ الصُّبحَ، ومَن أَدركَ ركعةً من العصرِ قبل أنْ تَغرُبَ الشمسُ، فقد أَدْرَكَ العصرَ )) [1044] رواه البخاري (579)، ومسلم (608).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
هذا الحديثُ نصٌّ في أنَّ مَن صلَّى الفجرَ قبلَ طلوعِ الشمسِ فإنَّه مدركٌ لوقتِها؛ فإنَّه إذا كان مدركًا لها بإدراكِه منها ركعةً قبلَ طلوعِ الشمسِ؛ فكيف إذا أَدركَها كلَّها قبلَ الطلوعِ؟! [1045] ((فتح الباري)) لابن رجب (3/241).
2- عن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((كنَّا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فنَظَرَ إلى القمرِ ليلةً - يعني: البدرَ - فقال: إنَّكم ستَرَوْنَ ربَّكم كما تَرَوْنَ هذا القمرَ، لا تُضامُونَ في رُؤيتِه؛ فإنِ استطعتُم أنْ لا تُغلَبوا على صلاةٍ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ، وقبلَ غُروبها فافْعلوا، ثم قرأ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق: 39] )) رواه البخاري (554)، ومسلم (633)
3- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((... ووقتُ صلاةِ الصبحِ مِن طُلوعِ الفجرِ، ما لم تَطلُعِ الشمسُ... )) أخرجه مسلم (612).

انظر أيضا: