الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: إجارةُ بُيوتِ ودُورِ مَكَّةَ 


تَجوزُ إجارةُ بُيوتِ ودُورِ مَكَّةَ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، وهو قَوْلُ أبي يوسُفَ ومُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ، وإحدى الرِّوايتَينِ عن أبي حَنيفةَ في غَيْرِ مَوسِمِ الحَجِّ ، وقَوْلٌ للمالِكيَّةِ ، ورِوايةٌ عن أحْمَدَ اسْتَظْهرَها ابنُ قُدامةَ ، وهو قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ ، واخْتِيارُ ابنِ بازٍ ، وابنِ عُثَيْمينَ .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الكِتابِ
قَوْلُه سبحانه تَعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ [الحشر: 8] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ سُبْحانَه وتَعالى أضافَها إليهم إضافةَ المِلْكِ إلى مالِكِه، ومَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ إجارتَه .
ثانِيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((مَن دَخَلَ دارَ أبي سُفْيانَ فهو آمِنٌ... ومَن أَغلَقَ بابَه فهو آمِنٌ)) .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أضافَ الدُّورَ إلى أهْلِها ، والإضافةُ تَقْتَضي التَّمَلُّكَ.
2- عن أُسامةَ بنِ زَيدٍ قالَ: قُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ، أين تَنزِلُ غدًا -في حَجَّتِه؟ قالَ: ((وهلْ تَرَكَ لنا عَقيلٌ مَنزِلًا؟ ثُمَّ قالَ: نحن نازِلونَ غدًا بخَيْفِ بَني كِنانةَ المُحَصَّبِ حيثُ قاسَمَتْ قُرَيشٌ على الكُفْرِ)) .
أوَجْهُ الدَّلالةِ:
 1- أنَّ عَقيلًا وَرِثَ أبا طالِبٍ، ولا يُورَثُ إلَّا ما كانَ المَيِّتُ مالِكًا له، وما كانَ مَمْلوكًا تَجوزُ إجارتُه .
2- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَمْضى بَيْعَ عَقيلٍ، وكانَ قد باعَ الدُّورَ كلَّها، وجَوازُ البَيْعِ يَدُلُّ على جَوازِ الإجارةِ؛ لأنَّ ما جازَ بَيْعُه مِن الدُّورِ جازَتْ إجارتُه .
ثالِثًا: لأنَّه لم يَزَلْ أهْلُ مَكَّةَ يَتَصرَّفونَ في دُورِهم تَصرُّفَ المُلَّاكِ بالبَيْعِ والإجارةِ، ولم يُنكِرْه مُنكِرٌ؛ فكانَ إجْماعًا .

انظر أيضا:

  1. (1) ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/264)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/236).
  2. (2) ((البناية)) للعيني (12/225)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/393).
  3. (3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/546، 547)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/ 223، 224)، ((منح الجليل)) لعليش (3/180، 181). ويُنظَرُ: ((القوانين الفقهية)) لابن جزي (ص: 183)، ((تهذيب الفروق)) لمحمد بن علي (4/10).
  4. (4) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/197).
  5. (5) قالَ ابنُ قُدامةَ: (الرِّوايةُ الثَّانِيةُ: أنَّه يَجوزُ بَيْعُ رِباعِها، وإجارةُ بُيوتِها، ورُوِيَ ذلك عن طاوُسٍ وعَمْرِو بنِ دينارٍ). ((المغني)) (4/197).
  6. (6) وَرَدَ سُؤالٌ على ابنِ بازٍ يقولُ فيه السَّائِلُ: أُفيدُكم أنَّ لي عِمارةً داخِلَ حُدودِ الحَرَمِ أَقومُ بإيجارِها، وقدْ سَمِعْتُ أنَّ إيجارَ دُورِ الحَرَمِ أو مَكَّةَ فيه شُبْهةٌ، وبعضُ العُلَماءِ قالَ: إنَّه حَرامٌ، وحيثُ إنَّ هذا المالَ أُنفِقُه على أهْلي، وأُريدُ الحَلالَ، فماذا عن جَوابِكم، وإن كانَ حَرامًا ماذا أَفعَلُ في الإيجاراتِ السَّابِقةِ الَّتي أَنفَقْتُ أَكثَرَها على أهْلي ونفْسي؟ أَرْجو التَّكرُّمَ بالإجابةِ؟ وجَزاكم اللهُ خَيْرًا. فأجابَ: (وعليكم السَّلامُ ورَحْمةُ اللهِ وبَرَكاتُه: لا حَرَجَ عليكم في ذلك إن شاءَ اللهُ، وَفَّقَ اللهُ الجَميعَ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (19/336).
  7. (7) قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (القَوْلُ الثَّالِثُ في المَسْألةِ: أنَّ مَكَّةَ كغَيْرِها تُملَكُ بالإحْياءِ وبالبَيْعِ، ويَجوزُ بَيْعُها وإجارتُها، والعَمَلُ الآنَ على هذا القَوْلِ، وهذا هو الَّذي لا يُمكِنُ العَمَلُ بسِواه في الوَقْتِ الحاضِرِ؛ لأنَّنا إن قُلْنا بالمَذهَبِ فهو قَوْلٌ ضَعيفٌ لا يُمكِنُ العَمَلُ به، وإن قُلْنا باخْتِيارِ شَيْخِ الإسْلامِ صارَ هناك خُصوماتٌ وعَداواتٌ وبَغْضاءُ، فإذا قَدِمَ الحاجُّ ووَقَفَ عِنْدَ البَيْتِ وقالَ لصاحِبِ البَيْتِ: البَيْتُ يوجَدُ فيه حُجَرٌ فارِغةٌ، فقالَ صاحِبُ البَيْتِ: لا يوجَدُ، فهنا يَحصُلُ نِزاعٌ وخِصامٌ، ثُمَّ هلْ يُمكِنُ أن نقولَ لِلَّذي جاءَ ليَسْتأجِرَ: لك الحَقُّ أن تَسألَ صاحِبَ البَيْتِ: كم عائِلتُك؟ وكم في البَيْتِ مِن حُجْرةٍ؟ والزَّائِدُ لا بُدَّ أن تُفرِغَه لنا! هذا فيه صُعوبةٌ؛ ولِهذا مَشى القُضاةُ الآنَ على أنَّها تُملَكُ بَيْعًا وشِراءً، ويُملَكُ تَأجيرُها واسْتِئْجارُها). ((الشرح الممتع)) (10/327).
  8. (8) ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/106)، ويُنظَرُ: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/444).
  9. (9) أخرجه مُسلِمٌ (1780) مُطَوَّلًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
  10. (10) ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/378).
  11. (11) أخرجه البُخارِيُّ (3058) واللَّفْظُ له، ومسلم (1351).
  12. (12) ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/236).
  13. (13) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (7/444).
  14. (14) ((المغني)) لابن قُدامةَ (4/197)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/236).