الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّلُ: حُكمُ إجابةِ المؤذِّنِ


يُستحَبُّ إجابةُ المؤذِّن بمثل ما يقولُ، وذلك باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة والمالكيَّة ، والشافعيَّة ، والحنابلة ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الدليل من السُّنَّة:
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا سَمِعتُم المؤذِّنَ فقُولوا مثلَ ما يقولُ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الأمرَ في الحديثِ للاستحبابِ، وقد صَرَفه عن الوجوبِ الآتي:
أ- عن ثَعلبةَ بن أبي مالكٍ القُرَظيِّ، أنَّه أخبره أنَّهم كانوا في زمانِ عُمرَ بن الخطَّاب، يصلُّون يومَ الجُمُعة، حتى يخرُجَ عُمَر، فإذا خرَج عُمَرُ، وجلس على المِنْبَر، وأذَّن المؤذِّنونَ - قال ثعلبةُ - جلَسْنا نتحدَّث، فإذا سكَت المؤذِّنون وقام عمرُ يخطُب، أنصَتْنا، فلم يتكلَّم منَّا أحدٌ فلو كانتْ إجابةُ المؤذِّن واجبةً، لَمَا جلس الصحابةُ يتحدَّثون
ب- عن أنس بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُغِيرُ إذا طَلَع الفجرُ، وكان يَسْتَمِعُ الأذانَ، فإن سَمِعَ أذانًا أَمْسَك، وإلا أَغارَ، فسَمِعَ رجلًا يقولُ: الله أكبرُ الله أكبرُ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: على الفِطْرَةِ، ثم قال: أشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله أشهدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خرَجْتَ مِن النارِ. فنظروا فإذا هو راعي مِعْزًى ))
فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ بخلافِ ما يقولُ المؤذِّنُ، فعُلم أنَّ الأمرَ بذلك على النَّدب لا على الإيجابِ

انظر أيضا:

  1. (1) فائدةٌ في إجابة الأذان عبرَ الوسائلِ الحديثةِ: قال ابنُ عُثيمين: (الأذانُ لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن يكونَ على الهواء، أي: إنَّ الأذان كان لوقتِ الصَّلاةِ من المؤذِّن، فهذا يُجاب لعمومِ أمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا سمعتُم المؤذِّن فقولوا مثلَ ما يقول المؤذِّن». إلَّا أنَّ الفقهاءَ رحمهم الله، قالوا: إذا كان قد أدَّى الصلاةَ التي يُؤذَّن لها فلا يُجيبُ. الحال الثانية: إذا كان الأذان مسجَّلًا، وليس أذانًا على الوَقتِ، فإنَّه لا يُجيبُه؛ لأنَّ هذا ليس أذانًا حقيقيًّا، أي: إنَّ الرجل لم يرفعْها حين أُمِرَ برَفْعِه، وإنَّما هو شيءٌ مسموعٌ لأذانٍ سابِقٍ). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/196).
  2. (2) ((حاشية ابن عابدين)) (1/399) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 135)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/116).
  3. (3) ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/98،97)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/233).
  4. (4) ((المجموع)) للنووي (3/117)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/140).
  5. (5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/245)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/309).
  6. (6) قال ابنُ قدامة: (ويُستحَبُّ لِمَن سمِع المؤذِّن أن يقول كما يقولُ، لا أعلم خلافًا بين أهل العِلم في استحبابِ ذلك). ((المغني)) (1/309).
  7. (7) رواه مسلم (384).
  8. (8) أخرجه مالك (1/ 103) (7)، والشافعي في ((الأم)) (1/227)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2174)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3229)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (5684) صححه النووي في ((الخلاصة)) (2/808)، وقال الذهبي في ((المهذب)) (3/1123): فيه ثعلبة احتج به البخاري. وصحَّح إسناده العيني في ((نخب الأفكار)) (6/48)، وقال الألباني في ((تمام المنة)) (ص 399): له متابِع، إسنادُه صحيح
  9. (9) قال الألبانيُّ: (في هذا الأثر دليلٌ على عدم وجوبِ إجابةِ المؤذِّن؛ لجريانِ العمل في عهد عُمرَ على التحدُّث في أثناء الأذان وسكوتِ عُمرَ عليهـ). ((تمام المنة)) (ص 340).
  10. (10) رواه مسلم (382).
  11. (11) قال ابنُ العربي: (في هذا نكتةٌ بديعةٌ، فقالوا: هذا رسولُ الله يقول بخلافِ ما يقول المؤذِّنُ، فأين قوله: "فقولوا مِثْلَ ما يقولُ المؤذِّن" فيخرج من هذا أنَّه على النَّدْبِ لا على الإيجابِ). ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (2/316). وقال الطَّحاويُّ: (فهذا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد سَمِعَ المنادي ينادي، فقال غيرَ ما قال، فدلَّ ذلك على أنَّ قولَه: إذا سَمِعْتُم المناديَ فقولوا مثل الذي يقول؛ أنَّ ذلك ليس على الإيجابِ وأنَّه على الاستحبابِ والنُّدْبة إلى الخير وإصابة الفضل , كما عَلَّم النَّاس من الدعاء الذي أمَرَهم أن يقولوه في دُبُرِ الصَّلاةِ وما أشبه ذلك). ((شرح معاني الآثار)) (1/146)