الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّالِثُ: شُروطُ بَيْعِ المُرابَحةِ


الفَرْعُ الأوَّلُ: مِن شُروطِ بَيْعِ المُرابَحةِ العِلمُ بالثَّمَنِ الأوَّلِ للمُشتَري الثَّاني
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ المُرابَحةِ العِلمُ بالثَّمَنِ الأوَّلِ للمُشتَري الثَّاني، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/75)، ((العناية)) للبابرتي (6/500)، ((الفتاوى الهندية)) (3/3). ، والمالِكيَّةِ ((الكافي)) لابن عبد البر (2/705)، ((منح الجليل)) لعليش (5/262). ، والشَّافِعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرافعي (9/8)، ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/531). ، والحَنابِلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (6/258)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/321)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/229). وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/136). ، وذلك لأنَّ عَدَمَ العِلمِ بالثَّمَنِ يُبطِلُ البَيْعَ، فمَعرِفةُ الثَّمَنِ شَرطٌ، فمتى فات لم يَصِحَّ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/531) ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/229).
الفَرْعُ الثَّاني: من شُروطِ بَيْعِ المُرابَحةِ العِلمُ بالرِّبحِ
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ المُرابَحةِ العِلمُ بالرِّبحِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزَّيلعي (4/75)، ((العناية)) للبابرتي (6/500)، ((الفتاوى الهندية)) (3/3). ، والمالِكيَّةِ ((الكافي)) لابن عبد البر (2/705)، ((منح الجليل)) لعليش (5/262). ، والشَّافِعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرافعي (9/8) ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/531)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/476). ، والحَنابِلةِ ((الفروع)) لابن مفلح (6/258)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/321)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/230). وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/136). ، وذلك لأنَّ الرِّبحَ جُزءٌ مِنَ الثَّمَنِ، والعِلمُ بالثَّمَنِ شَرطٌ لصِحَّةِ البُيوعِ ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/221).
الفَرْعُ الثَّالثُ: اشتِراطُ كَونِ رأسِ المالِ مِثْلِيًّا
لا يُشْتَرَطُ في بَيْعِ المُرابَحةِ كَونُ رأسِ المالِ مِثْلِيًّا المِثليُّ: هوَ كُلُّ ما يُوجَدُ لَه مِثلٌ في السُّوقِ بِلا تَفاوُتٍ يُعتَدُّ بِه؛ كالمَكيلِ، والمَوزونِ، والمَعدودِ، والنُّقودِ. والقِيَميُّ: هوَ ما لا يوجَدُ لَه مِثلٌ في السُّوقِ، أو يوجَدُ لَكِن مَعَ التَّفاوُتِ المُعتَدِّ بِه في القيمةِ، كالمِثليِّ المَخلوطِ بِغَيرِه، وهوَ مِثلُ الحِنطةِ المَخلوطةِ بِشَعيرٍ أو ذُرَةٍ، والخَيلِ والحَميرِ والغَنمِ والبَقرِ، والبِطّيِخِ، وما أشبَه ذلك مِنَ الأشياءِ الَّتي يوجَدُ تَفاوُتٌ بينَ أفرادِها بِحَيثُ تَتَفاوَتُ في الأثمانِ تَفاوُتًا بعيدًا. يُنظر: ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/185)، ((درر الحكام شرح مجلة الأحكام)) لعلي حيدر (1/121). ، ويَجوزُ أن يكونَ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ إذا اشتَرَى بِعَرضٍ وأرادَ أن يَبيعَه مُرابَحةً فإنَّ البَيعَ صَحيحٌ إذا استُخدِمَ لَفظُ: بعتُ بِما اشتَرَيتُ، أو بِعْتُ بِما قامَ عَليَّ، وهُنا يَجِبُ إخبارُ المُشتَري أنَّه اشتَراهٌ بِعَرضٍ قيمَتُه كذا، ولا يَنبَغي لَه الِاقتِصارُ على ذِكرِ القيمةِ. ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/532، 533)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (2/277). ، والحَنابِلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/232، 233)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/131، 132). ، والمالِكيَّةِ في بَعْضِ الصُّوَرِ عِندَ المالِكيَّةِ: يَجوزُ بيعُ المُرابَحةِ لِلقيَميِّ بِشُروطٍ. ولَه عِندَهم عِدَّةُ صوَرٍ: الصُّورةُ الأولَى: أن يَكونَ الثَّمنُ مَوصوفًا في مِلْكِ المُشتَري، وهذه الصُّورةُ جائِزةٌ عِندَهمُ اتِّفاقًا. الصُّورةُ الثَّانيةُ: أن يَكونَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا، وهوَ في مِلكِ المُشتَري، وهذه الصُّورةُ أيضًا جائِزةٌ عِندَهمُ اتِّفاقًا. الصُّورةُ الثَّالِثةُ: أن يَكونَ الثَّمَنُ مُعَيَّنًا في مِلْكِ الغَيرِ، وهذه الصُّورةُ مَمنوعةٌ عِندَهمُ اتِّفاقًا. الصُّورةُ الرَّابِعةُ: أن يَكونَ الثَّمنُ مَوصوفًا لَيسَ في مِلكِ المُشتَري، ولا يَقْدِرُ على تَحصيلِه، وهذه الصُّورةُ مَمنوعةٌ عِندَهمُ اتِّفاقًا. الصُّورةُ الخامِسةُ: أن يَكونَ الثَّمنُ مَضمونًا في مِلكِ المُشتَري، ولَكِن يَقْدِرُ على تَحصيلِه، فهذه الصُّورةُ وقَعَ فيها عِندَهم خِلافٌ، فأشهَبُ يَقولُ بِالمَنعِ؛ لِأنَّها عَينُ السَّلَمِ الحالِّ، وهوَ لا يَجوزُ في المَذهَبِ، وأجازَها ابنُ القاسِمِ. ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/160)، ((منح الجليل)) لعليش (5/263، 264). ، وهو اختيارُ الشَّوكانيِّ قال الشَّوكانيُّ: (أضعَفُ مِن هَذا الِاشتِراطِ اشتِراطُ كونِ الثَّمنِ مِثليًّا أو قيَميًّا قَد صارَ إلى المُشتَري ورابَحَ بِه، فإنَّه لا اعتِبارَ بِشَيءٍ مِن ذلك، بل إذا ذُكِرَ لَه رَأسُ مالِه ورِبحُه كانَ ذلك كافيًا وإن تَفاوَتَ بِاختِلافِ الأزمِنةِ والأمكِنةِ؛ لِأنَّ الِاعتِبارَ بِوَقتِ الشِّراءِ الَّذي شَرَى بِه البائِعُ لَه الآنَ، فإذا ذَكَرَه فقَدَ خَلصَ عَن عُهدَة التَّغريرِ والتَّدليسِ) ((السيل الجرار)) (ص: 546).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الثَّمَنَ يَكونُ مُعَيَّنًا مَوصوفًا في مِلْكِ المُشتَري، فلا يَضُرُّ كَونُهُ قِيَميًّا؛ لزَوالِ الجَهالةِ عنهُ بذلك ((حاشية الدسوقي)) (3/160).
ثانيًا: لأنَّ القِيَميَّ تَذكُرُ قيمَتَه عِندَ البَيعِ، فلا يَضُرُّ كَونُه قيَميًّا، لزَوالِ الجَهالةِ عنه بذلك ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/115، 116).
الفَرْعُ الرَّابعُ: من شُروطِ بَيْعِ المُرابَحةِ كَونُ العَقْدِ الأوَّلِ صَحيحًا
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ المرابَحةِ كَونُ العَقدِ الأوَّلِ صَحيحًا، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/61)، ((العناية)) للبابرتي (6/459). وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/222). ، والمالِكيَّةِ العَقْدُ الفاسِدُ عِندَ المالِكيَّةِ لا تَتَرَتَّبُ عليه آثارُه، ومِن آثارِه التَّصَرُّفُ في المَبيعِ بِالبَيعِ والهِبةِ وغَيرِه. ((منح الجليل)) لعُلَيش (5/25). ، والشَّافِعيَّةِ ((فتح العزيز)) للرَّافعي (8/214)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/107)، وينظر: ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (2/427). ، والحَنابِلةِ ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/28)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/455). ، وذلك لأنَّ المُرابَحةَ بَيْعٌ بالثَّمَنِ الأوَّلِ مع زيادةِ رِبحٍ، والبَيْعُ الفاسِدُ لا يُفيدُ المِلْكَ بل يجِبُ رَدُّه.

انظر أيضا: