الموسوعة الفقهية

المَبْحَثُ السَّادِسُ: تعَدُّدُ الشُّروطِ الصَّحيحةِ في البَيْعِ


يَصِحُّ في البَيْعِ وُجودُ شَرْطٍ أو أكثَرَ ولو كان ممَّا يتعَلَّقُ بمَنفعةِ أحَدِ المُتبايِعَينِ ، وهو رِوايةٌ عن أحمَدَ ، واختاره ابنُ تَيمِيَّةَ ، وابنُ القَيِّمِ ، وابنُ عُثَيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الأصلَ في العُقودِ والشُّروطِ الجَوازُ والصِّحَّةُ، ولا يَحرُمُ ويَبطُلُ مِنها إلَّا ما دَلَّ على تَحريمِه وإبطالِه نَصٌّ أو قياسٌ
ثانيًا: لأنَّ الشَّرطَ الصَّحيحَ لا يُؤَثِّرُ في البَيعِ وإنْ كَثُر، والفاسِدُ يُؤَثِّرُ فيه وإنِ اتَّحَدَ

انظر أيضا:

  1. (1) هُناكَ فُروقٌ بينَ الشُّروطِ في البَيعِ وشُروطِ البَيعِ مِن وُجوهٍ أربَعةٍ: الأوَّلُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ مِن وَضْعِ الشَّارِعِ، والشُّروطَ في البَيعِ مِن وضعِ المُتَعاقِدَينِ الثَّاني: شُروطُ البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها صِحَّةُ البَيعِ، والشُّروطُ في البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها لُزومُ البَيعِ، فهوَ صَحيحٌ، لَكِن لَيسَ بِلازمٍ؛ لِأنَّ مَن لَه الشَّرطُ إذا لَم يُوفِ لَه بِه فله الخِيارُ الثَّالِثُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ لا يُمكِنُ إسقاطُها، والشُّروطُ في البَيعِ يُمكِنُ إسقاطُها مِمَّن لَه الشَّرطُ الرَّابِعُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ كُلَّها صَحيحةٌ مُعتَبَرةٌ؛ لِأنَّها مِن وَضْعِ الشَّرعِ، والشُّروطُ في البَيعِ مِنها ما هوَ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، ومِنها ما [هوَ] لَيسَ بِصَحيحٍ ولا مُعتَبَرٍ؛ لِأنَّه مِن وَضْعِ البَشَرِ، والبَشَرُ قَد يُخطِئُ وقَد يُصيبُ يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/223)
  2. (2) قال ابنُ عُثَيمين: (الشُّروطُ الصَّحيحةُ تَنقَسِمُ إلَى ثَلاثةِ أقسامٍ: الأوَّلُ: قِسمٌ ثابِتٌ، سَواءٌ شُرِطَ أم لَم يُشتَرَط؛ لِأنَّه مِن مُقتَضَى العَقْدِ، مِثلُ تَسليمِ البائِعِ المَبيعَ والمُشتَري الثَّمنَ، وكَونِ الثَّمَن حالًّا، وما أشبَه ذلك مِمَّا لا يَحتاجُ إلَى شَرطٍ، فهَذا إذا شُرِطَ فهوَ تَوكيدٌ، ولَو جَمعَ ألفَ شَرطٍ مِن هَذا النَّوعِ فإنَّه يَصِحُّ الثَّاني: ما يَتَعَلَّقُ بِمَصلَحةِ العَقْدِ ولَيسَ نَفعًا مُستَقِلًّا، أي: لَيسَ نَفعًا يَنتَفِعُ بِه البائِعُ أوِ المُشتَري، ولَكِنَّه مِن مَصلَحةِ العَقْدِ، مِثلُ: الرَّهنِ، وكَونِ العَبدِ كاتِبًا، والأمَةِ بِكْرًا، والدَّابَّةِ هملاجةً وما أشبَهَ ذلك الثَّالِثُ: شَرطُ نَفعٍ إمَّا لِلبائِعِ وإمَّا لِلمُشتَري، والَّذي لِلبائِعِ، مِثلُ أن يَشتَرِطَ إذا باعَ دارَه سُكْناها شَهرًا، والَّذي لِلمُشتَري، مِثلُ أن يَشتَرِطَ على البائِعِ أن يَحمِلَ الحَطبَ وما أشبَهَ ذلك) ((الشرح الممتع)) (8/236)
  3. (3) إذا كانَ الشَّرطُ مِمَّا يَقتَضيه العَقْدُ، كتَسليمِ الثَّمنِ أوِ المَبيعِ، أوِ الرَّدِّ بِالعَيبِ، أو مِن مَصلَحَتِه، كتَأجيلِ الثَّمَنِ، أوِ الرَّهنِ أوِ الكَفيلِ، فكُلُّ هَذا لا إشكالَ أصلًا في تَعَدُّدِه. مَحَلُّ الخِلافِ في تَعَدُّدِ الشُّروطِ هوَ في اشتِراطِ المَنفَعةِ لِأحَدِ المُتَبايِعَينِ في مِثلِ اشتِراطِ تَكسيرِ الحَطبِ المُشتَرَى وحَملِه؛ لِأنَّهم اختَلَفوا أوَّلًا في جَوازِه، فجَوَّزه المالِكيَّةُ والحَنابِلةُ، ثُمَّ اختَلَفوا في تَعَدُّدِه.
  4. (4) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/251).
  5. (5) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (29/160)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّةَ (4/79).
  6. (6) قال ابنُ القَيِّمِ: (إنْ شَرَطَ ما يَقتَضيه العَقدُ أو ما هوَ مِن مَصلَحَتِه، كالرَّهنِ والتَّأجيلِ والضَّمينِ ونَقِد كذا، جائِزٌ بِلا خِلافٍ، تَعَدَّدَتِ الشُّروطُ أوِ اتَّحَدَت) ((تهذيب سنن أبي داود)) (9/295)، وينظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/401).
  7. (7) قال ابنُ عُثَيمين: (قَولُه: «ولا شَرطانِ في بَيعٍ»، وإذا شَرَطَ المُشتَري حَملَ الحَطبِ وتَكسيرَه، فهما شَرطانِ في بيعٍ، أو شَرَطَ البائِعُ سُكنَى الدَّارِ والدُّكَّانِ لِمُدَّةِ شَهرٍ، فإنَّه لا يَصِحُّ، ولَكِنَّ هَذا الِاستِدلالَ بِهَذا الدَّليلِ غَيرُ صَحيحٍ. والصَّحيحُ جَوازُ الجَمعِ بينَ شَرطَينِ، بل بينَ ثَلاثةِ شُروطٍ وأربَعةِ شُروطٍ حَسَبَ ما يَتَّفِقانِ عليه) ((الشرح الممتع)) (8/235).
  8. (8) ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيميَّةَ (4/79، 80).
  9. (9) ((المغني)) لابن قدامة (4/170).
  10. (10) مِثلُ اشتِراطِ تَسليمِ البائِعِ المَبيعَ والمُشتَري الثَّمنَ، أوِ اشتِراطِ خيارِ المَجْلِسِ أوِ الرَّدِّ بِالعَيبِ، وما أشبَه ذلك مِمَّا لا يَحتاجُ إلَى شَرطٍ
  11. (11) كأن يَبيعَ شَخصٌ سَيَّارَتَه ويَشتَرِطَ رُكوبَها إلَى مَكانٍ مُعَيَّنٍ، أو يَبيعَ شَخصٌ بيتَه ويَشتَرِطَ سُكناه مُدَّةً مَعلومةً، أو يَكونَ الِاشتِراطُ مِن قِبَلِ المُشتَري كأن يَشتَريَ حَطَبًا ويَشتَرِطَ على البائِعِ حَملَه إلَى بيتِه، أو يَشتَرِطَ تَكسيرَه