الموسوعة الفقهية

المَبْحَثُ الخامِسُ: اشتِراطُ عَقدٍ غَيرِ القَرْضِ في عَقدِ البَيْعِ


يَجوزُ اشتِراطُ عَقدٍ غَيرِ القَرْضِ في عَقدِ البَيْعِ، وهو قَوْلُ أشهَبَ مِنَ المالِكيَّةِ ، واختيارُ ابنِ تَيمِيَّةَ ، وابنِ القَيِّمِ ، وابنِ عُثَيمين
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تعالى أمرَ بالوَفاءِ بالعُقودِ، وهو عامٌّ لا يُستَثنى مِنهُ إلَّا ما دَلَّ عليه الدَّليلُ
ثانيًا: لأنَّهُ إذا كانَ جِنسُ الوَفاءِ ورِعايةُ العَهدِ مَأمورًا به، عُلِمَ أنَّ الأصلَ صِحَّةُ العُقودِ والشُّروطِ؛ إذ لا مَعنى للتَّصحيحِ إلَّا ما تَرَتَّبَ عليه أثَرُه وحَصَلَ به مَقصودُه. ومَقصودُ العَقدِ هو الوَفاءُ به
ثالِثًا: أنَّ العُقودَ والشُّروطَ مِن بابِ الأفعالِ العاديَّةِ، والأصلُ فيها عَدَمُ التَّحريمِ، فيُستَصحَبُ عَدَمُ التَّحريمِ فيها حَتَّى يَدُلَّ دَليلٌ على التَّحريمِ، ولا يَحرُمُ مِنها ويَبطُلُ إلَّا ما دَلَّ الشَّرعُ على تَحريمِه وإبطالِه نَصًّا أو قياسًا عِندَ مَن يَقولُ به
رابعًا: أنَّ العَقدَ قدِ احتَوى على أمرَينِ (عَقْدَينِ) كُلٌّ مِنهُما جائِزٌ على انفِرادِه

انظر أيضا:

  1. (1) هُناكَ فُروقٌ بينَ الشُّروطِ في البَيعِ وشُروطِ البَيعِ مِن وُجوهٍ أربَعةٍ: الأوَّلُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ مِن وَضْعِ الشَّارِعِ، والشُّروطَ في البَيعِ مِن وضعِ المُتَعاقِدَينِ الثَّاني: شُروطُ البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها صِحَّةُ البَيعِ، والشُّروطُ في البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها لُزومُ البَيعِ، فهوَ صَحيحٌ، لَكِن لَيسَ بِلازمٍ؛ لِأنَّ مَن لَه الشَّرطُ إذا لَم يُوفِ لَه بِه فله الخِيارُ الثَّالِثُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ لا يُمكِنُ إسقاطُها، والشُّروطُ في البَيعِ يُمكِنُ إسقاطُها مِمَّن لَه الشَّرطُ الرَّابِعُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ كُلَّها صَحيحةٌ مُعتَبَرةٌ؛ لِأنَّها مِن وَضْعِ الشَّرعِ، والشُّروطُ في البَيعِ مِنها ما هوَ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، ومِنها ما [هوَ] لَيسَ بِصَحيحٍ ولا مُعتَبَرٍ؛ لِأنَّه مِن وَضْعِ البَشَرِ، والبَشَرُ قَد يُخطِئُ وقَد يُصيبُ يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/223)
  2. (2) قال ابنُ عُثَيمين: (الشُّروطُ الصَّحيحةُ تَنقَسِمُ إلَى ثَلاثةِ أقسامٍ: الأوَّلُ: قِسمٌ ثابِتٌ، سَواءٌ شُرِطَ أم لَم يُشتَرَط؛ لِأنَّه مِن مُقتَضَى العَقْدِ، مِثلُ تَسليمِ البائِعِ المَبيعَ والمُشتَري الثَّمنَ، وكَونِ الثَّمَن حالًّا، وما أشبَه ذلك مِمَّا لا يَحتاجُ إلَى شَرطٍ، فهَذا إذا شُرِطَ فهوَ تَوكيدٌ، ولَو جَمعَ ألفَ شَرطٍ مِن هَذا النَّوعِ فإنَّه يَصِحُّ الثَّاني: ما يَتَعَلَّقُ بِمَصلَحةِ العَقْدِ ولَيسَ نَفعًا مُستَقِلًّا، أي: لَيسَ نَفعًا يَنتَفِعُ بِه البائِعُ أوِ المُشتَري، ولَكِنَّه مِن مَصلَحةِ العَقْدِ، مِثلُ: الرَّهنِ، وكَونِ العَبدِ كاتِبًا، والأمَةِ بِكْرًا، والدَّابَّةِ هملاجةً وما أشبَهَ ذلك الثَّالِثُ: شَرطُ نَفعٍ إمَّا لِلبائِعِ وإمَّا لِلمُشتَري، والَّذي لِلبائِعِ، مِثلُ أن يَشتَرِطَ إذا باعَ دارَه سُكْناها شَهرًا، والَّذي لِلمُشتَري، مِثلُ أن يَشتَرِطَ على البائِعِ أن يَحمِلَ الحَطبَ وما أشبَهَ ذلك) ((الشرح الممتع)) (8/236)
  3. (3) مِثلُ أن يَبيعَه بِشَرطِ أن يَبيعَه عَينًا أخرَى؛ كأن يَقولَ البائِعُ: أبيعُكَ سَيَّارتي بِشَرطِ أن تَبيعَ لَي سَيَّارَتَك، أوِ الجَمعِ بينَ البَيعِ والإجارةِ، كأن يَقولَ البائِعُ: أبيعُ عليكَ هَذا البَيتَ بِشَرطِ أن أسكُنَ فيه -أو أن تُسكِنَني بيتَك- لِمُدَّةِ شَهرٍ أو مُدَّةِ سَنةٍ
  4. (4) مِثلُ أن يَبيعَه بِشَرطِ أن يَبيعَه عَينًا أخرَى؛ كأن يَقولَ البائِعُ: أبيعُكَ سَيَّارتي بِشَرطِ أن تَبيعَ لَي سَيَّارَتَك، أوِ الجَمعِ بينَ البَيعِ والإجارةِ، كأن يَقولَ البائِعُ: أبيعُ عليكَ هَذا البَيتَ بِشَرطِ أن أسكُنَ فيه -أو أن تُسكِنَني بيتَك- لِمُدَّةِ شَهرٍ أو مُدَّةِ سَنةٍ
  5. (5) أمَّا إذا كانَ قَرضًا فهوَ مُحرَّمٌ بِالإجماعِ، وسَيَأتي بحثُها في الشُّروطِ الفاسِدةِ.
  6. (6) ((القوانين الفقهية)) لابن جُزَيٍّ (ص: 172)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/313)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/32).
  7. (7) قال ابنُ تيميَّةَ: (قَولُ القائِلِ: بِعْتُكَ ثوبي بِمِائةٍ على أن تَبيعَني ثوبَك بِمِائةٍ، إن أرادَ بِه أن يَبيعَ كُلُّ واحِدٍ مِنهما انعَقَدَ بِهَذا الكَلامِ، فهَذا نَظيرُ نِكاحِ الشِّغارِ، ولَكِن ما الدَّليلُ على فسادِ هَذا؟ وهوَ كما لَو قال: آجَرْتُكَ داري بِمِائةٍ على أنَّ داركَ تَصيرُ مُؤَجَّرةً لي بِمِائةٍ، فعِوَضُ كُلٍّ مِنَ الإجارَتَينِ مِائةٌ واستِئجارُ الأخرَى كما أنَّه في البَيعِ عِوَضُ كُلٍّ مِنهما وبَيعُ الآخَرِ. وتَحريمُ هَذا يَحتاجُ فيه إلَى نَصٍّ أو إجماعٍ ليَصِحَّ القياسُ) ((العقود)) (ص 189) وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (29/150).
  8. (8) قال ابنُ القَيِّمِ: (فإنْ قيلَ: لَكِن في العَقْدِ على هَذا الوَجهِ مَحذورانِ؛ أحَدُهما: تَضمُّنُه لِلجَمعِ بينَ البَيعِ والإجارةِ، والثَّاني: أنَّ مورِدَ عَقْدِ الإجارةِ يَذهَبُ عَينُه أو بعضُه بِالإشغالِ. قيلَ: لا مَحذورَ في الجَمعِ بينَ عَقدَينِ كُلٌّ مِنهما جائِزٌ بِمُفرَدِه، كما لَو باعَه سِلعةً وأجَرَه دارَه شَهرًا بِمِائةِ دِرْهَمٍ) ((إعلام الموقعين)) (3/265).
  9. (9) قال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ الثَّاني في المَسألةِ: أنَّ هَذا صَحيحٌ: أنْ أبيعَ عليكَ هَذا البَيتَ بِشَرطِ أن تُسكِنَني بيتَك لِمُدَّةِ شَهرٍ أو مُدَّةِ سَنةٍ حَسَبَ ما نَتَّفِقُ عليه، وقالوا: إنَّ أقصَى ما في ذلك أنَّه عَقْدٌ جَمعَ بينَ بيعٍ وإجارةٍ، ولا دَليلَ على المَنعِ مِنَ الجَمعِ بينَ عَقدَينِ؛ ولِهَذا يَجوزُ أن أقولَ: بِعْتُكَ بيتي على أن تَبيعَني بيتَك بِثَمَنٍ مَعلومٍ، ولَيسَ هُناكَ دَليلٌ على المَنعِ) ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (3/491).
  10. (10) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (29/138).
  11. (11) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (29/135).
  12. (12) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (29/146،132).
  13. (13) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/32).
  14. (14) مِثلُ اشتِراطِ تَسليمِ البائِعِ المَبيعَ والمُشتَري الثَّمنَ، أوِ اشتِراطِ خيارِ المَجْلِسِ أوِ الرَّدِّ بِالعَيبِ، وما أشبَه ذلك مِمَّا لا يَحتاجُ إلَى شَرطٍ
  15. (15) كأن يَبيعَ شَخصٌ سَيَّارَتَه ويَشتَرِطَ رُكوبَها إلَى مَكانٍ مُعَيَّنٍ، أو يَبيعَ شَخصٌ بيتَه ويَشتَرِطَ سُكناه مُدَّةً مَعلومةً، أو يَكونَ الِاشتِراطُ مِن قِبَلِ المُشتَري كأن يَشتَريَ حَطَبًا ويَشتَرِطَ على البائِعِ حَملَه إلَى بيتِه، أو يَشتَرِطَ تَكسيرَه