الموسوعة الفقهية

المبحثُ الأوَّلُ: حُكمُ هِبةِ المُشاعِ


يَجوزُ هِبةُ المُشاعِ فيما يَحتمِلُ القِسمةَ وفيما لا يَحتمِلُ [488] هِبةُ المُشاعِ: هي أنْ يَهَبَ أحدُ الشريكَينِ نصيبَه مِن المالِ، أو أنْ يهَبَ الشخصُ حصَّةً مُعيَّنةً لاثنينِ أو أكثرَ، والأشياءُ التي تَحتمِلُ القِسمةَ؛ كالأرضِ، والمكيلاتِ، والموزوناتِ، والمعدوداتِ، والمذروعاتِ، والذي لا يَنقسِمُ؛ كالسَّيفِ، واللؤلؤةِ، والثَّوبِ. ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ [489] الحنفيَّةُ يُوافقون الجمهورَ في جوازِ هِبةِ المُشاعِ فيما لا يَحتمِلُ القِسمةَ، ونقَلوا الإجماعَ على ذلك. يُنظر: ((تحفة الفقهاء)) للسمرقندي (3/163)، ((البناية)) للعَيْني (10/169). : المالِكيَّةِ [490] ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (2/1001)، ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/60). ، والشَّافعيَّةِ [491] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/373). ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (7/534)، ((النجم الوهاج)) لأبي البقاء الدَّمِيري (5/547). ، والحَنابِلةِ [492] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/433)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/388). ، وهو قولُ بَعضِ السَّلفِ [493] قال ابنُ حزمٍ: (وهو قولُ عثمانَ البَتِّيِّ، ومَعمَرٍ، ومالكٍ، والشافعيِّ، وأحمدَ، وإسحاقَ، وأبي ثورٍ، وأبي سُليمانَ، وجميعِ أصحابِهم، وهو قولُ إبراهيمَ النَّخَعيِّ). ((المحلى)) (8/106).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
1- عن عَمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه رضِيَ اللهُ عنه، قالَ: ((كُنَّا عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذ أتَتْه وَفْدُ هَوازِنَ، فقالوا: يا مُحمَّدُ، إنَّا أصْلٌ وعَشيرةٌ، وقدْ نَزَل بنا مِن البَلاءِ ما لا يَخفَى عليك، فامنُنْ علينا مَنَّ اللهُ عليك، فقال: اختَارُوا مِن أموالِكُم، أو مِن نِسائكُم وأبنائِكُم، فقالُوا: قد خيَّرْتَنا بيْن أحْسابِنا وأموالِنا، بلْ نَختارُ نِساءَنا وأبناءَنا، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا ما كان لي ولبَنِي عبدِ المُطَّلِبِ فهو لَكُم...)) [494] أخرجه أبو داود (2694)، والنسائي (3688) واللفظُ له، وأحمد (6729). قال البيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (9/75): (صحيحٌ ثابتٌ). وقال ابنُ عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (20/49): (متصلٌ جيِّدُ الإسنادِ). وصحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/97)، وقال محمد ابن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (3/91): (ثابتٌ مشهورٌ). وصحَّحه ابنُ القيِّمِ في ((أعلام الموقعين)) (1/347)، وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في ((تخريج مسند أحمد)) (11/18)، وحسَّن الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (3688)، وشعيبٌ الأرناؤوط في ((تخريج مسند أحمد)) (6729).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((أمَّا ما كان لي ولبَنِي عبدِ المُطَّلِبِ فهو لَكُم))؛ فهذه هِبةُ مُشاعٍ [495] ((المغني)) لابن قُدامة (6/45)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/388).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ قُرْطٍ رضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ أعظَمَ الأيَّامِ عندَ اللهِ تَبارَك وتَعالى يومُ النَّحرِ، ثمَّ يومُ القَرِّ. قال عيسى: قال ثَورٌ: وهو اليَومُ الثَّاني. وقالَ: وقُرِّبَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَدَناتٌ خَمسٌ أو سِتٌّ، فطَفِقْنَ يَزدَلِفْنَ إليهِ بأيَّتِهِنَّ يَبدأُ، فلمَّا وَجَبت جُنوبُها، قال: فتكلَّم بكَلِمةٍ خَفِيَّةٍ لم أفْهَمْها، فقُلتُ: ما قالَ؟ قالَ: مَن شاءَ اقتَطَعَ )) [496] أخرجه أبو داود (1765) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4098) مختصرًا، وأحمدُ (19075) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابنُ حِبَّانَ في ((صحيحه)) (2811)، والألبانيُّ في ((صحيح أبي داود)) (1765)، وصحَّح إسنادَه الحاكمُ في ((المستدرك)) (7522)، وشعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1765)، وحسَّن إسنادَه البيهقيُّ في ((السنن الكبرى)) (7/288)، وجوَّدَه ابنُ كثيرٍ في ((إرشاد الفقيه)) (2/180)، وحسَّن الحديثَ الذهبيُّ في ((تاريخ الإسلام)) (2/706)، والوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (921).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((مَن شاءَ اقتَطَع)) دَليلٌ على جَوازِ هِبةِ المُشاعِ [497] ((معالم السنن)) للخطابي (2/157).
ثانيًا: لأنَّه كالبَيعِ يَجوزُ في المُشاعِ [498] ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (7/534)، ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/280)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/433).
ثالثًا: لأنَّه عقْدُ تَمليكٍ، والمَحَلُّ يَقبَلُه؛ فأشبَهَ البَيعَ [499] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (5/93).
رابعًا: لأنَّه تَبرُّعٌ؛ فأشبَهَ القَرْضَ والوَصيَّةَ في المُشاعِ [500] ((تبيين الحقائق)) للزَّيْلَعي (5/93).

انظر أيضا: