الموسوعة الفقهية

المطلبُ الثاني: الوصيَّةُ للوارثِ إذا لم يُجِزْها الورَثةُ


لا تَصِحُّ الوصيَّةُ للوارِثِ إذا لم يُجِزْها الورَثةُ.
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رضِيَ اللهُ عنه، قال: ((سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ في خُطبتِه عامَ حجَّةِ الوَداعِ: إنَّ اللهَ قد أعطَى كلَّ ذي حَقٍّ حقَّه؛ فلا وَصيَّةَ لوارِثٍ )) [248] أخرجه أبو داود (2870)، والترمذيُّ (2120)، وابن ماجه (2713)، وأحمد (22294). حسَّنه الإمامُ أحمد، كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (286)، وقال الترمذي: (حسن صحيح). وحسَّنه ابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/439)، وابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (7/263)، وابن حجر في ((موافقة الخُبْرِ الخَبَرَ)) (2/315)، وصحَّحه الذهبيُّ في ((تنقيح التحقيق)) (2/157)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2713).
ثانيًا: مِن الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: الإمامُ مالكٌ [249] قال ابنُ عبد البَرِّ: (قال مالكٌ: السُّنةُ التي لا اختلافَ فيها عندَنا: «أنها لا تجوزُ وَصيَّةٌ لوارثٍ»، وهذا كما قال مالكٌ رحِمَه اللهُ، وهي سُنَّةٌ مُجتمَعٌ عليها، لم يَختلِفِ العُلماءُ فيها إذا لم يُجِزْها الورثةُ). ((التمهيد)) (24/438). ، وابنُ المنذِرِ [250] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ كلُّ مَن نَحفَظُ عنه مِن عُلماءِ الأمصارِ؛ مِن أهلِ المدينةِ، وأهلِ مكَّةَ، وأهلِ الكوفةِ، والبصرةِ، وأهلِ الشامِ، ومِصرَ، وسائرِ العُلماء مِن أهلِ الحديثِ، وأهلِ الرأْيِ؛ على أنْ لا وَصيَّةَ لوارثٍ إلَّا أنْ يُجِيزَ ذلك الورَثةُ). ((الأوسط)) (8/22، 93). ، وابنُ رُشدٍ [251] قال ابنُ رُشدٍ: (أمَّا الموصَى له فإنَّهم اتَّفَقوا على أنَّ الوصِيَّةَ لا تَجوزُ لوارثٍ... وأجْمَعوا -كما قُلنا- أنَّها لا تَجوزُ لوارثٍ إذا لم يُجِزْها الورَثةُ). ((بداية المجتهد)) (4/119). ، وابنُ قُدامةَ [252] قال ابنُ قُدامةَ: (إذا وصَّى لوارِثِه بوَصِيَّةٍ فلمْ يُجِزْها سائِرُ الوَرَثةِ، لم تَصحَّ بغيرِ خِلافٍ بيْنَ العُلماءِ). ((المغني)) (6/141). ، وابنُ تَيميَّةَ [253] قال ابنُ تَيميَّةَ: (الوَصيَّةُ للوارِثِ لا تَلزَمُ بدونِ إجازةِ الورَثةِ باتِّفاقِ المسلمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (35/424). وقال: (لو أَوصى لوارثٍ أو لأجنبيٍّ بزائدٍ على الثلُثِ، فأجاز الورثةُ الوَصيَّةَ بعدَ مَوتِ الموصِي؛ صحَّت الإجازةُ بلا نِزاعٍ). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (4/117).
ثالثًا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم منَعَ مِن عطيَّةِ الإنسانِ بَعضَ ولَدِه، وتَفضيلِ بَعضِهم على بَعضٍ، في حالِ الصِّحَّةِ، وقُوَّةِ المِلكِ، وإمكانِ تَلافي العَدلِ بيْنَهم بإعطاءِ الذي لم يُعْطِه فيما بعْدَ ذلك؛ لِما فيه مِن إيقاعِ العَداوةِ والحَسَدِ بيْنهم؛ ففي حال مَوتِه أو مَرَضِه، وضَعفِ مِلكِه، وتعَلُّقِ الحُقوقِ به، وتعَذُّرِ تَلافي العَدلِ بيْنَهم؛ أَوْلى وأَحرى [254] ((المغني)) لابن قُدامة (6/141).
رابعًا: أنَّ الوصِيَّةَ للورَثةِ بَيعٌ لحَقِّ الورَثةِ، فإذا أجازوا الوصِيَّةَ فقدْ أجازوا حَقَّهم [255] ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/119).

انظر أيضا: