الموسوعة الفقهية

الفرعُ الأولُ: الوقْفُ المعلَّقُ على شرْطٍ [119] المعلَّقُ على شرطٍ: هو الَّذي لا يَثبتُ إلَّا إذا ثبَت شرْطُه الذي عُلِّق عليه الوقفُ؛ كأن يقولَ: إنْ قَدِمَ زَيدٌ، فأَرْضِي هذه وقْفٌ


يَصِحُّ الوَقْفُ المُعَلَّقُ على شَرْطٍ، ولا يُشْتَرَطُ التَّنجيزُ، وهو مذهبُ المالكيَّةِ [120] ((منح الجليل)) لعُلَيْش (8/144). ، ووجْهٌ للحنابلةِ [121] ((الإنصاف)) للمَرْداوي (7/20). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [122] قال ابن تيميَّةَ: (ولهذا قال الفُقهاءُ: يُرجَعُ إلى لفظِ الواقفِ في الإطلاقِ والتَّقييدِ. ولهذا لو كان أوَّلُ الكلامِ مُطْلقًا أو عامًّا، ووَصَله المتكلِّمُ بما يَخُصُّه أو يُقيِّدُه؛ كان الاعتِبارُ بذلك التَّقييدِ والتَّخصيصِ؛ فإذا قال: وقفْتُ على أولادي، كان عامًّا. فلو قال: الفقراءِ، أو العُدولِ، أو الذُّكورِ؛ اختصَّ الوقفُ بهم، وإن كان أوَّلُ كلامِه عامًّا. وليس لقائلٍ أن يقولَ: لفظُ الأولادِ عامٌّ، وتخصيصُ أحدِ النَّوعَينِ بالذِّكرِ لا يَنْفي الحُكمَ عن النَّوعِ الآخَرِ؛ بل العقلاءُ كلُّهم مُجْمِعون على أنَّه قصَر الحُكمَ على أولئك المَخصوصينَ في آخِرِ الكلامِ... وكذلك لو قيَّدَ المُطْلقَ، مِثلُ أن يقولَ: وقفْتُ على أولادي على أنَّهم يُعطَون إن كانوا فقراءَ، أو على أنَّهم يَستحِقُّون إذا كانوا فقراءَ، أو وقفْتُ على أولادي على أنَّه يُصرَفُ مِن الوقفِ إلى الموجودينَ منهم إذا كانوا فُقراءَ، ووقفْتُ على أنَّه مَن كان فقيرًا كان مِن أهلِ الوقفِ؛ فإنَّ هذا مِثلُ قولِه: وقفتُ على أولادي على الفقراءِ منهم، أو بشرْطِ أن يَكونوا فُقراءَ، أو إنْ كان فقيرًا). ((مجموع الفتاوى)) (31/101). وقال المَرْداوي: (قيل: يَصِحُّ، واختارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ رحمه الله، وصاحبُ الفائق، والحارثيُّ وقال: الصِّحَّةُ أظهَرُ، ونَصَرَه). ((الإنصاف)) (7/20). ، وابنِ القيِّمِ [123] قال ابنُ القيِّمِ: (وكذلك الصَّحيحُ: صحَّةُ تعليقِ الوقفِ بالشَّرطِ؛ نصَّ عليه في روايةِ المَيمونيِّ في تعليقِه بالموتِ، وسائرُ التعليقِ في معناه، ولا فرْقَ ألبتَّةَ؛ ولهذا طَرَدَه أبو الخطَّابِ، وقال: لا يصِحُّ تعليقُه بالموتِ. والصَّوابُ طرْدُ النصِّ، وأنَّه يصِحُّ تعليقُه بالموتِ وغيرِه. وهو أحدُ الوجهينِ في مذهبِ أحمدَ، وهو مذهبُ مالكٍ). ((إغاثة اللهفان)) (2/17). ، والشَّوكانيِّ [124] قال الشوكانيُّ: (وأما قولُه: «ويتقيَّدُ بالشَّرطِ» فمعناهُ: أنه إذا قُيِّد إيقاعُ الوقفِ منه بشرْطٍ تقيَّدَ؛ كأن يقولَ: إنْ شفى اللهُ مَريضي فقد وقفْتُ كذا، وهكذا يتقيَّدُ بالاستِثناءِ؛ لأنَّه مِلكُه فيَخرجُ منه بالاستِثناءِ ما شاء). ((السيل الجرَّار)) (ص: 641). ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ [125] جاء في فتوى اللجنة الدائمة: (إذا كان هذا الوقفُ مُنجَزًا في حال الحياةِ فلا يجوزُ لك بيعُه ولا نقْلُ المِلكِ فيه، وأمَّا الوقفُ المُعَلَّقُ ممَّا بعْدَ الموتِ فله حُكمُ الوصيَّةِ؛ لا بأسَ بالرُّجوعِ فيه ونقْلِه مِن مكانٍ إلى مكانٍ في مدَّةِ حياةِ الموصِي، وأمَّا اشتِراطُ النظَرِ للواقفِ مدَّةَ حياتِه فلا بأسَ بذلك). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/108). وجاء أيضًا -في أرضٍ وقَفَها صاحبُها بشرطِ أنَّه إذا امتلأَتِ المقبرةُ الحاليةُ يُقبَرُ في الأرضِ المذكورةِ-: (أنَّ الأصلَ في الوقفِ أنَّه يجِبُ فيه تَنفيذُ شرْطِ الواقفِ كما اشتَرَطه، ولا يجوزُ التصرُّفُ فيه بخِلافِ ما شرَطَه الواقفُ أو المتعرِّضُ له بما يَتنافَى مع المنافعِ والأهدافِ التي يَرجوها الواقفُ مِن وقْفِه، وحيث إنَّ الواقفَ وقَف هذه الأرضَ وسبَّلَها على لَبِنِ المقبرةِ، وشرَط أنَّه إذا امتلأتِ المقبرةُ العامَّةُ فإنه يُقبَرُ فيها، وأنَّ هذه الأرضَ لا يُستفادُ مِن تُربتها الآنَ لعمَلِ اللَّبِنِ؛ فإنها تَبقى حتى تمتلئَ المقبرةُ الحاليةُ، فتكونَ مَقبرةً عندَ الاحتياجِ إليها، وبذلك يَحصُلُ تنفيذُ شرْطِ الواقفِ، ويتحقَّقُ غرَضُه الأكبرُ المعلَّقُ على هذه الأرضِ، وهو جعْلُها مقبرةً عامَّةً يُقبَرُ فيها، فيَتعدَّى له نفْعُها، ويُؤجَرُ على ذلك إن شاء اللهُ تعالى). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (16/102).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ تَعليقَ العُقودِ والفُسوخِ، والتبرُّعاتِ والالتزاماتِ، وغيرِها بالشُّروطِ؛ أمْرٌ قد تَدْعو إليه الضَّرورةُ، أو الحاجةُ، أو المصلحةُ؛ فلا يَستغني عنه المكلَّفُ، وقد صحَّ تَعليقُ النظَرِ بالشَّرطِ بالإجماعِ ونصِّ الكتابِ، وتَعليقُ الضَّمانِ بالشرْطِ بنصِّ القرآنِ، وتَعليقُ النِّكاحِ بالشرْطِ في تَزويجِ مُوسى عليه السَّلامُ بابنةِ صاحِبِ مَدْينَ [126] ((إعلام الموقعين)) لابن القيِّم (3/387).
ثانيًا: لأنَّ الوقْفَ في الأصلِ مِلْكُه، فيُخرِجُ منه بالاستِثناءِ ما شاءَ [127] ((السيل الجرَّار)) للشوكاني (ص: 641).

انظر أيضا: