الموسوعة الفقهية

المطلَبُ الأولُ: الوقْفُ المؤبَّدُ (التَّأبيدُ)


اختَلَف العُلماءُ في حكْمِ اشتِراطِ التَّأبيدِ في الوقْفِ؛ على قولَينِ:
القولُ الأولُ: يُشترَطُ لصِحَّةِ الوقْفِ أنْ تُفيدَ صِيغتُه التَّأبيدَ [105] كالوقفِ على مَن لم يَنقرِضْ؛ كالفُقراءِ والمساجِدِ، وكذلك لو وقَف على أولادِه وأنسالِهم أبدًا، بخِلافِ قَولِه: «وقفتُ الدَّارَ أو البُستانَ ونحوَه سَنةً» مثلًا؛ فهذا ليس فيه تأبيدٌ، ولا يصِحُّ. ، وهو مَذهبُ الجُمهورِ: الحنفيَّةِ [106] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/213، 214)، ((الفتاوى الهندية)) (2/356). ، والشافعيَّةِ [107] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/325)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/383). ، والحنابلةِ [108] ((المبدِع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/247)، ((كشاف القِناع)) للبُهُوتي (4/254).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنة
عن ابنِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((أصاب عُمرُ بخَيبرَ أرْضًا، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أصبْتُ أرضًا لم أُصِبْ مالًا قطُّ أنفَسَ منه، فكيفَ تأْمُرني به؟ قال: إنْ شِئتَ حَبَّسْتَ أصْلَها، وتصدَّقْتَ بها. فتَصدَّقَ عُمرُ أنَّه لا يُباعُ أصْلُها ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ، في الفقراءِ والقُربى والرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللهِ والضَّيفِ وابنِ السَّبيلِ، ولا جُناحَ على مَن وَلِيَها أنْ يَأكُلَ منها بالمعروفِ، أو يُطعِمَ صَديقًا غيرَ مُتموِّلٍ فيه )) [109] أخرجه البخاري (2772) واللفظُ له، ومسلم (1632). وفي روايةٍ: ((حبْسٌ ما دامتِ السَّمواتُ والأرضُ)) [110]أخرجه الطُّوسيُّ في ((المستخرج على الترمذي)) (1289)، والدارَقُطْنيُّ في ((السنن)) (5/341). قال الطُّوسيُّ: (يُقالُ: هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ)، وذكَر الشَّوكانيُّ في ((الفتح الرباني)) (8/4024) ثُبوتَه مرفوعًا.
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قولِه: ((حبْسٌ ما دامتِ السَّمواتُ والأرضُ)) دليلٌ على اشتِراطِ التَّأبيدِ في الوقْفِ [111] ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) للعيني (14/68). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/403).
ثانيًا: لأنَّ معنى الوقْفِ حبْسُ العَينِ وتَسبيلُ المنفعةِ، ومُقتضى ذلك التَّأبيدُ [112] ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (5/214)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/252).
ثالثًا: قياسًا على العِتقِ والهِبَاتِ، فليس فيهما رُجوعٌ؛ لزَوالِ الملْكِ [113] ((الحاوي الكبير)) للماوَرْدي (7/521).
رابعًا: لأنَّه إخراجُ مالٍ على وَجْهِ القُربةِ، فلم يَجُزْ إلى مُدَّةٍ، كالعِتقِ والصَّدقةِ [114] ((المهذب في فقه الإمام الشافعي)) للشِّيرازي (2/324).
القولُ الثاني: لا يُشترطُ التَّأبيدُ في الوقْفِ، ويصِحُّ أنْ يكونَ الوقْفُ مُؤقَّتًا، وهو مَذهبُ المالكيَّةِ [115] ((التاج والإكليل)) للمَوَّاق (6/32)، ((منح الجليل)) لعُلَيْش (8/145). ، وقولٌ عندَ الشافعيَّةِ [116] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/325). ، ووجْهٌ عندَ الحنابلةِ [117] ((المبدِع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/247). ؛ وذلك لأنَّه مُنقطِعُ الانتِهاءِ، ووقْفُ مُنقطِعِ الانتِهاءِ صحيحٌ [118]((المبدِع)) لبرهان الدِّين ابن مُفلِح (5/247).

انظر أيضا: