الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: نَفَقةُ الطَّعامِ والشَّرابِ والكِسوةِ للزَّوجةِ


تجِبُ نَفَقةُ المَطعَمِ والمَشرَبِ والكِسوةِ للزَّوجةِ على زَوجِها في الجُملةِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا الطَّلاق: 7.
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه تعالى: لِيُنْفِقْ أمرٌ مِنَ اللهِ تعالى بالإنفاقِ على الزَّوجاتِ على قَدرِ طاقةِ الزَّوجِ ويَسارِه
2- قال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ الطلاق: 6.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الأمرَ بالإسكانِ هو أمرٌ بالإنفاقِ عليها
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثِ الحَجِّ بطُولِه، قال في ذِكرِ النِّساءِ: ((ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوَتُهنَّ بالمعروفِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحَديثَ نَصٌّ في وجوبِ النَّفَقةِ للزَّوجاتِ
2- عن عائِشةَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ هِندَ بِنتَ عُتبةَ قالت: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أبا سُفيانَ رَجُلٌ شَحيحٌ، وليس لي إلَّا ما يَدخُلُ بَيتي، فقال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: خُذي ما يَكفيكِ ووَلَدَكِ بالمعروفِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه وجوبُ نفقةِ الزَّوج على زوجتِه، ومنه المأكَلُ، فيُقَدَّرُ على قَدْرِ يَسارِ الزَّوجِ وعَدَمِه
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ ، وابنُ حَزمٍ ، والكَاسَاني ، وابنُ رُشدٍ ، وابنُ قُدامةَ ، والنَّوويُّ ، وابنُ تَيميَّةَ ، وابنُ حَجَر

انظر أيضا:

  1. (1)      الأصلُ في النَّفَقةِ على الزَّوجةِ تَلبيةُ حاجتِها بالمعروفِ فيما تحتاجُ إليه من أدواتِ التَّنظيفِ، والأثاثِ، وأدواتِ الزِّينةِ، وغَيرِها، وحاجةُ الزَّوجةِ تختَلِفُ مِن عَصرٍ لآخَرَ، ومِن بِيئةٍ لأخرى، ومِن رَجُلٍ لآخَرَ قال ابنُ عادل في بيانِ أنَّ نَفَقةَ الزَّوجةِ غَيرُ مُقَدَّرةٍ، وأنَّ المرجِعَ فيها هو العُرفُ: (الكفايةَ بالمعروفِ تتنَوَّعُ بحالِ الزَّوجةِ في حاجتِها، وبتنَوُّعِ الزَّمانِ والمكانِ، وبتنَوُّعِ حالِ الزَّوج في يَسارِه وإعسارِه؛ فليست كِسوةُ القصيرةِ الضَّئيلةِ ككِسوةِ الطَّويلةِ الجَسيمةِ، ولا كِسوةُ الشِّتاءِ ككِسوةِ الصَّيفِ، ولا كفايةُ طَعامِ الشِّتاءِ مِثلَ طَعامِ الصَّيفِ، ولا طعامُ البلادِ الحارَّةِ كالباردةِ، ولا المعروفُ في بلادِ التَّمرِ والشَّعيرِ كالمعروفِ في بلادِ الفاكِهةِ والخُبزِ) ((اللباب في علوم الكتاب)) (19/175) وقال القَنُّوجي: (هذا -أي: العُرفُ- يختلِفُ باختلافِ الأزمِنةِ والأمكِنةِ، والأحوالِ والأشخاصِ؛ فنَفَقةُ زمنِ الخِصبِ المعروفُ فيها غيرُ المعروفِ في زمنِ الجَدبِ، ونَفَقةُ أهلِ البوادي المعروفُ فيها ما هو الغالِبُ عندهم، وهو غيرُ المعروفِ مِن نَفَقةِ أهلِ المدُنِ، وكذلك المعروفُ من نَفَقةِ الأغنياءِ على اختلافِ طبقاتِهم غيرُ المعروفِ مِن نَفَقةِ الفُقراءِ، والمعروفُ مِن نَفَقةِ أهلِ الرِّياساتِ والشَّرَفِ غيرُ المعروفِ مِن نَفَقةِ أهلِ الوَضاعاتِ؛ فليس المعروفُ المشارُ إليه في الحديثِ هو شيءٌ متَّحِدٌ، بل مختلِفٌ باختلافِ الاعتبارِ) ((الروضة الندية)) (2/76) وقال السعدي في قول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطَّلاق: 7]، (فأمر الله تعالى بالإنفاق على الزَّوجات على قدر طاقة الزَّوج ويساره) ((تفسير السعدي)) (ص: 872) وقال ابنُ عثيمين: (الحقوقُ المُطْلَقةُ الموكولةُ إلى العُرفِ: هذه تَختَلِفُ باختِلافِ الأعرافِ) ((فتاوى نور على الدرب)) (10/279)
  2. (2)      أوجبَ بَعضُ العُلَماءِ نَفَقةَ العِلاجِ على الزَّوجِ، ومنهم مَن أوجَبَها حَسَب العُرف. قال الشوكاني: (أمَّا إيجابُ الدَّواءِ فوَجهُه أنَّ وُجوبَ النَّفَقةِ عليه: هو لحِفظِ صِحَّتِها، والدَّواءُ مِن جُملةِ ما يُحفَظُ به صِحَّتُها). ((السيل الجرار)) (ص: 460). وقال ابنُ عثيمين: (الدواءُ للزَّوجِ على زَوجتِه: على المَذهَبِ لا يجِبُ؛ لأنَّه أمرٌ طارئٌ خارجٌ عن النَّفَقةِ، والصَّحيحُ في هذا أن نتَّبِعَ العُرفَ: إنْ جرت العادةُ أن الزَّوجَ يداوي زوجتَه وجب عليه، وإنْ لم تجرِ العادةُ في ذلك لم يجِبْ، وأظنُّ العُرفَ عندنا يختَلِفُ؛ النَّفَقاتُ الباهِظةُ، مثلًا لو تحتاجُ إلى عمليةٍ في الخارجِ لا تلزَمُ الزَّوجَ، والشَّيءُ اليسيرُ يلزَمُ الزَّوجَ، والميزانُ عندك اجعَلْه دائمًا بين يديك، وهو قَولُ الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] ، وقَولُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ»، فاتَّبِعوا العُرفَ في هذا). ((لقاء الباب المفتوح)) اللقاء رقْم (184). وسُئِل: هل يُعتَبَرُ عِلاجُ الرجُلِ لامرأتِه مِنَ النَّفَقةِ، أم أنَّه ليس بواجِبٍ عليه العلاجُ؟ فأجاب: (يُرجَعُ في هذا إلى العُرفِ؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فما جرت العادةُ به من الدَّواءِ أن يكونَ على الزَّوجِ فهو على الزَّوجِ، وما لم تجرِ العادةُ به فليس على الزَّوجِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (10/562).
  3. (3)      ((تفسير السعدي)) (ص: 872).
  4. (4)      ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/15).
  5. (5)      أخرجه مسلم (1218).
  6. (6)      ((إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (4/277)، ((شرح النووي على مسلم)) (8/184)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/322).
  7. (7)      أخرجه البخاري (5364) واللفظ له، ومسلم (1714).
  8. (8)      ((شرح المشكاة)) للطِّيبي (7/2377)، ((إرشاد الساري)) للقَسْطَلَّاني (10/247).
  9. (9)      قال ابنُ المنذِرِ: ( أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ للزَّوجةِ نَفقَتَها وكِسوَتَها بالمعروفِ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/157).
  10. (10)      قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ الحُرَّ الذي يَقدِرُ على المالِ، البالِغَ العاقِلَ غَيرَ المحجورِ عليه: فعليه نَفَقةُ زَوجتِه التي تزوَّجَها زَواجًا صَحيحًا إذا دخل بها وهي ممَّن تُوطَأُ، وهي غيرُ ناشزٍ، وسواءٌ كان لها مالٌ أو لم يكُنْ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 79).
  11. (11)      قال الكاساني: (النَّفَقةُ... وجوبُها... دلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ والمعقولُ... وأمَّا الإجماعُ فلأنَّ الأمَّةَ أجمَعَت على هذا). ((بدائع الصنائع)) (4/15).
  12. (12)      قال ابنُ رشد: (اتَّفقوا على أنَّ مِن حُقوقِ الزَّوجةِ على الزَّوجِ النَّفَقةَ والكِسوةَ). ((بداية المجتهد)) (2/54).
  13. (13)      قال ابنُ قدامة: (نَفَقةُ الزَّوجةِ واجِبةٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ). ((المغني)) (8/195).
  14. (14)      قال النووي -في قوله صلى الله عليه وسلم-: («ولهُنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ» فيه وجوبُ نَفَقةِ الزَّوجةِ وكِسْوتِها، وذلك ثابتٌ بالإجماعِ). ((شرح صحيح مسلم)) (8/184).
  15. (15)      قال ابنُ تَيميَّةَ: (يجِبُ على الرَّجُلِ أن يُنفِقَ على ولَدِه وبهائِمِه وزَوجتِه، بإجماعِ المسلِمينَ). ((مجموع الفتاوى)) (8/535).
  16. (16)      قال ابنُ حجرٍ في بابِ وُجوبِ النَّفَقةِ على الأهلِ والعيالِ: (انعقدَ الإجماعُ على الوُجوبِ). ((فتح الباري)) (9/500).