الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ السَّابعُ: عدم اشتراط العَدالة في الحاضن


لا يُشتَرَطُ في الحاضِنِ العَدالةُ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [761]     اشترط الحَنَفيَّةُ ألَّا يكونَ فِسقًا يَلزَمُ منه ضَياعُ الولَدِ. ((حاشية ابن عابدين)) (3/556). ، واختاره ابنُ القَيِّمِ [762]     قال ابنُ القيم: (لم يقَعْ في الإسلامِ انتزاعُ الطِّفلِ مِن أبَوَيه أو أحَدِهما بفِسقِه، وذلك بمنزلةِ اشتراطِ العدالةِ في ولايةِ النِّكاحِ، فإنَّه دائِمُ الوُقوعِ في الأمصارِ والأعصارِ والقُرى والبوادي، مع أنَّ أكثَرَ الأولياءِ الذين يَلُونَ ذلك فُسَّاقٌ، ولم يَزَلِ الفِسقُ في النَّاسِ). ((زاد المعاد)) (5/412). وقال: (الصَّوابُ أنَّه لا تُشتَرَطُ العدالةُ في الحاضِنِ قَطعًا، وإن شَرَطَها أصحابُ أحمدَ والشَّافعي وغَيرِهم، واشتراطُها في غايةِ البُعدِ). ((زاد المعاد)) (5/411). ، والصَّنعانيُّ [763]     قال الصنعاني: (اشترط الجمهورُ -وهم الهادوية، وأصحابُ أحمد والشَّافعي- عدالةَ الحاضنةِ، وأنَّه لا حَقَّ للفاسِقةِ فيها، وإنْ كان شَرطًا في غايةٍ مِنَ البُعدِ، ولو كان شَرطًا في الحاضِنةِ لضاع أطفالُ العالَمِ، ومعلومٌ أنَّه لم يَزَلْ منذُ بعَث اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أن تقومَ السَّاعةُ أطفالُ الفُسَّاقِ بينهم يُرَبُّونَهم لا يتعَرَّضُ لهم أحدٌ مِن أهلِ الدُّنيا، مع أنَّهم الأكثرونَ، ولا يُعلَمُ أنَّه انتُزِعَ طِفلٌ من أبوَيه أو أحَدِهما لفِسْقِه، فهذا الشَّرطُ باطِلٌ؛ لعَدَمِ العَمَلِ به). ((سبل السلام)) (2/333). ، والشَّوكانيُّ [764]     قال الشوكانيُّ: (قولُه: «تنتَقِلُ مِن كُلٍّ إلى مَن يليه بالفِسقِ» أقول: ليس على هذا دليلٌ؛ فإنَّ العدالةَ مُعتَبَرةٌ فيما اعتبره الشَّرعُ لا في كلِّ أمرٍ مِن الأمورِ، واعتبارُها في هذا الموضِعِ حَرَجٌ عَظيمٌ وتعسيرٌ شَديدٌ؛ فإنَّ الغالِبَ على النساءِ التَّساهُلُ في كثيرٍ مِن الأمورِ الدِّينيةِ، ولو كانت العدالةُ مُعتبرةً فيهنَّ ومُسَوِّغةً لِنَزعِ أولادِهنَّ مِن أيديهنَّ، لم يَبْقَ صَبيٌّ بيَدِ أمِّه إلَّا في أندَرِ الأحوالِ وأقَلِّها، فيكونُ في ذلك أعظَمُ جنايةٍ على الصِّبيانِ بنَزعِهم عمَّن يَرعى مصالحَهم ويَدفَعُ مفاسِدَهم، وجنايةٌ أيضًا على الأمِّ بِتَوْلِيهِها بوَلَدِها والتَّفريقِ بينها وبينه، ومُخالفةٌ لِما عليه أهلُ الإسلامِ سابِقُهم ولاحِقُهم). ((السيل الجرار)) (ص: 455). ، وابنُ عُثيمين [765]     ابن عثيمين فصَّل في ذلك، فقال: (إذا كان فاسِقًا مَعروفًا بالفِسقِ والمجونِ، فإنَّها تنتَقِلُ إلى مَن بَعدَه... والصَّوابُ أن يقالَ: إن كان فِسقُه يؤدِّي إلى عدَمِ قيامِه بالحَضانةِ فإنَّه يُشتَرَطُ أن يكونَ عَدلًا، وإن كان لا يُؤدِّي إلى ذلك فإنَّه ليس بشَرطِ، فإذا كان هذا الرَّجُلُ الذي له حَقُّ الحَضانةِ يَحلِقُ لِحيتَه، فحَلقُ اللِّحيةِ فُسوقٌ، لكِنَّه على أولادِه أو أولادِ أخيه أو قريبِه: مِن أشَدِّ النَّاسِ حِرصًا على رعايتِهم وتربيتِهم، فهل نَسلُبُ هذا الرَّجُلَ حَقَّه؟ لا، أمَّا إن كان فِسقُه يؤدِّي إلى الإخلالِ بالحَضانةِ، كما لو كان فِسقُه مِن جهةِ الأخلاقِ والآدابِ، فهذا نَشتَرِطُ أن يكونَ عَدلًا، لكِنَّه شَرطٌ على المَذهَبِ). ((الشرح الممتع)) (13/537).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه لو اشتُرِطَ في الحاضِنِ العَدالةُ لضاع أطفالُ المُسلِمينَ، ولعَظُمَت المشقَّةُ على الأمَّةِ، واشتَدَّ العَنَتُ [766]     ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/412)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/333).
ثانيًا: أنَّه لم يقَعْ في الإسلامِ انتِزاعُ الطِّفلِ مِن أبَوَيه أو أحَدِهما بفِسقٍ، ولم يَزَلِ الفِسقُ في النَّاسِ [767]     ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/412)، ((السيل الجرار)) للشوكاني (ص: 455).
ثالثًا: لو كان الفاسِقُ مَسلوبَ الحَضانةِ لكان بيانُ هذا للأمَّةِ مِن أهَمِّ الأُمورِ [768]     ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/412).
رابعًا: لو كان الفِسقُ يُنافي الحَضانةَ لكان مَن زنا أو شَرِبَ خَمرًا أو أتى كبيرةً فُرِّقَ بينه وبين أولادِه الصِّغارِ والتُمِسَ لهم غَيرُه [769]     ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/412).




 


انظر أيضا: