الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الأوَّلُ: الشَّهادةُ على الرَّضاعِ


يَثبُتُ الرَّضاعُ بشَهادةِ رَجُلٍ واحدٍ أو امرأةٍ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلة [626]     ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/456)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/612 ). ، وقَولٌ للمالِكيَّةِ [627]     قالوا: تُقبَلُ شَهادةُ المرأةِ الواحِدةِ إذا كان قد فَشا وعُلِمَ في صِغَرِهما. ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (5/367)، ((مناهج التحصيل)) للرجراجي (3/504). ، وقَولُ بَعضِ السَّلَفِ [628]     قال ابنُ حجر: (هو قَولُ الأوزاعيِّ، ونُقِلَ عن عثمان، وابن عباس، والزهري، والحسن، وإسحاق، وروى عبدُ الرزاق عن ابنِ جُرَيجٍ عن ابنِ شِهابٍ قال: فرَّق عُثمانُ بين ناسٍ تناكَحوا، بقَولِ امرأةٍ سَوداءَ أنَّها أرضعَتْهم. قال ابنُ شهابٍ: الناسُ يأخذون بذلك مِن قَولِ عثمانَ اليومَ). ((فتح الباري)) (5/268). ، وهو قَولُ الظَّاهريَّةِ [629]     قال ابنُ حزم: (يُقبَلُ في الرَّضاعِ وَحْدَه امرأةٌ واحِدةٌ عَدْلةٌ، أو رجلٌ واحِدٌ عَدلٌ). ((المحلى)) (8/476). وقال: (عن... أبي سليمانَ وأصحابِه... أنَّهم قالوا: تُقبَلُ في الرَّضاعِ امرأةٌ واحِدةٌ). ((المحلى)) (8/482). ، واختيارُ ابنِ القَيِّمِ [630]     قال ابنُ القيِّم: (قَبِلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شهادةَ المرأةِ الواحِدةِ في الرَّضاعِ، وقد شَهِدَت على فِعلِ نَفسِها؛ ففي الصَّحيحَينِ عن عُقبةَ بنِ الحارِثِ: أنَّه تزوَّجَ أمَّ يحيى بنتَ أبي إهابٍ، فجاءت أَمَةٌ سوداءُ فقالت: قد أرضَعْتُكما. فذكَرْتُ ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعرَضَ عني، قال: فتنَحَّيْتُ فذكَرْتُ ذلك له قال: فكيفَ، وقد زَعَمت أنْ قد أرضعَتْكما؟!) ). ((الطرق الحكمية)) (ص: 70). ، والصَّنعانيِّ [631]     قال الصنعاني: (الحديثُ دَليلٌ على أنَّ شَهادةَ المُرضِعةِ وَحدَها تُقبَلُ). ((سبل السلام)) (2/317). ، والشَّوكانيِّ [632]     قال الشوكاني: (الحَقُّ وُجوبُ العَمَلِ بقَولِ المرأةِ المُرضِعةِ حُرَّةً كانت أو أَمَةً، حصَلَ الظَّنُّ بقَولِها أو لم يحصُلْ). ((نيل الأوطار)) (6/379). ، وابنِ باز [633]     قال ابنُ باز: (خمسٌ مَعلوماتٌ ثابتةٌ بشَهادةِ الرَّجُلِ العَدلِ أو المرأةِ العَدْلِ أو أكثَرَ، فإن كانت المرضِعةُ عَدلًا واعترفت بخَمسِ رَضَعاتٍ في الحولَينِ، قُبِلَ منها، فلا بُدَّ مِن كَونِها خَمسًا، ولا بدَّ أن تكونَ في الحولَينِ، ولا بدَّ أن تكونَ المدَّعِيةُ لذلك امرأةً عدلًا أو ثقةً، أو رجلًا يشهَدُ على أنَّ المرأةَ عَدلٌ وثِقةٌ، أو أكثرَ مِن ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (22/240). ، وابنِ عُثيمين [634]     قال ابنُ عثيمين: (إنْ شَهِدَ رجلٌ فمِن بابِ أَولى؛ لأنَّ الرَّجُلَ أثبتُ شهادةً مِن المرأةِ، فإذا كانت السُّنَّةُ النبويةُ أثبتت الرَّضاعَ بشَهادةِ امرأةٍ واحدةٍ، فإثباتُه بشهادةِ رجُلٍ واحدٍ مِن بابِ أَولى). ((الشرح الممتع)) (13/456). ، وبه أفتَت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [635]     جاء في فتاوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (الرَّضاعُ مِن الأمورِ التي يطَّلِعُ عليها النِّساءُ غالِبًا، ويَثبُتُ بشَهادةِ امرأةٍ عَدلٍ، وعلى ذلك فإنَّ شهادةَ أُختَيْ تلك المرأةِ بأنَّ أختَهما أرضَعَت شَخصًا خَمسَ رَضَعاتٍ فأكثَرَ في الحولينِ: يَثبُتُ بها الرَّضاعُ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (21/56).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ أبي مُلَيكةَ: ((أنَّ عُقبةَ بنَ الحارِثِ تزوَّجَ ابنةَ أبي إهابٍ التَّميميِّ، فجاءت امرأةٌ سَوداءُ فأخبَرَتْه أنَّها أرضعَتْهما جميعًا. فأتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخبَرَه بذلك، فقال له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كيف وقد قيلَ؟! )) [636]     أخرجه البخاري (88).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحَديثَ نَصٌّ في قَبولِ خَبَرِ المرأةِ وَحدَها في الرَّضاعِ [637]     ((سبل السلام)) للصنعاني (2/317). ، ومِن بابِ أَولى قَبولُ شَهادةِ الرَّجُلِ الواحِدِ [638]     ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/456).
ثانيًا: لأنَّها شَهادةٌ على عَورةٍ، فتُقبَلُ شَهادةُ النِّساءِ عليها مُنفَرِداتٍ [639]     ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/969)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/612).
ثالثًا: لأنَّه ممَّا لا يطَّلِعُ عليه الرِّجالُ في الغالِبِ ولا يَحضُرونَه كالوِلادةِ والاستهلالِ، فجاز أن يُقبَلْنَ فيها مُنفَرِداتٍ [640]     ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/969).

انظر أيضا: