الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الطَّلاقُ بالصِّيغةِ المُنجَزةِ


يقَعُ الطَّلاقُ بالصِّيغةِ المُنجَزةِ ولو لم يَنْوِه، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [1766]   ((الهداية)) للمرغيناني (1/230)، ((العناية)) للبابرتي (4/3-5). ، والمالِكيَّةِ [1767]   ((التاج والإكليل)) للمواق (4/53)، ((منح الجليل)) لعليش (4/74). ، والشَّافِعيَّةِ [1768]   ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 230)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/279). ، والحَنابِلةِ [1769]   ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/249)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/260)، ((مطالب أولي النهي)) للرحيباني (5/359). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [1770]   قال ابنُ قُدامة: (صريحُ الطَّلاقِ لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ، بل يقَعُ مِن غيرِ قَصدٍ، ولا خِلافَ في ذلك). ((المغني)) (7/397). وقال برهان الدين ابن مفلح: (فمتى أتى بصريحِ الطَّلاقِ وقع، نواه أو لم يَنْوِه، بغيرِ خلافٍ). ((المبدع)) (7/249). وقال الهيتمي: («ولو خاطَبَها بطَلاقٍ»... «هازِلًا أو لاعِبًا» بأنْ قَصَد اللَّفظَ دونَ المعنى: وقع ظاهِرًا وباطِنًا إجماعًا). ((تحفة المحتاج)) (8/29). وقال الرملي: («ولو خاطَبَها بطلاقٍ»... «هازِلًا أو لاعبًا» بأنْ قَصَد اللَّفظَ دون المعنى: وقَعَ ظاهِرًا وباطِنًا؛ للإجماعِ). ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (6/443). لكن ذهَبَ أحمدُ في روايةٍ عنه، وداودُ الظَّاهريُّ: إلى أنَّه لا يقَعُ إلا بنيَّةٍ، قال المرداوي: ( قولُه: «فمتى أتى بصريحِ الطَّلاقِ وقع، نواه أو لم ينوِه»، أمَّا إذا نواه فلا نزاعَ في الوقوعِ، وأمَّا إذا لم ينوه فالصَّحيحُ مِن المذهَبِ، ونَصَّ عليه الإمامُ أحمدُ -رحمه الله- وعليه الأصحابُ: أنَه يقَعُ مُطلقًا. وعنه: لا يقَعُ إلا بنيَّةٍ، أو قرينةِ غَضَبٍ، أو سؤالِها، ونحوِه). ((الإنصاف)) (8/342). وقال العيني: (قال داود: يفتَقِرُ الصَّريحُ إلى النيَّةِ؛ لاحتِمالِ غيرِ الطَّلاقِ). ((البناية شرح الهداية)) (5/306).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُه تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: 1]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الله سُبحانَه وتعالى شَرَع الطَّلاقَ مِن غَيرِ شَرطِ النيَّةِ [1771]   ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/101).
2- قَولُه سُبحانَه: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ  [البقرة: 230]
وَجهُ الدَّلالةِ:
حكَمَ اللهُ -سُبحانَه وتعالى- إن طلَّق، بزوالِ الحِلِّ مُطلَقًا عن شَرطِ النيَّةِ [1772]   ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/101).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه: ((أنَّه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائِضٌ، في عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأل عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، فقال له رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مُرْه فلْيُراجِعْها، ثمَّ لِيَترُكْها حتى تَطهُرَ، ثمَّ تحيضَ، ثمَّ تَطهُرَ، ثمَّ إن شاء أمسَكَ بَعدُ، وإن شاء طَلَّقَ قَبلَ أن يمَسَّ؛ فتلك العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أن يُطَلَّقَ لها النِّساءُ )) [1773]   أخرجه البخاري (5251) واللفظ له، ومسلم (1471).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَه أن يُراجِعَها ولم يَسأَلْه: هل نوى الطَّلاقَ أو لم ينوِ؟ ولو كانت النيَّةُ شَرطًا لَسألَه، ولا مُراجعةَ إلَّا بعدَ وُقوعِ الطَّلاقِ؛ فدَلَّ على وُقوعِ الطَّلاقِ مِن غَيرِ نيَّةٍ [1774]   ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/101).
ثالثًا: أنَّ القَصدَ مِن النيَّةِ هو تعيينُ المُبهَمِ، ولا إبهامَ إذا أتى بلَفظِ الطَّلاقِ الصَّريحِ [1775]   ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/101).
رابعًا: لأنَّ ما يُعتَبَرُ له القَولُ يُكتفى فيه به مِن غيرِ نيَّةٍ، إذا كان صريحًا فيه، كالبيعِ [1776]   ((المغني)) لابن قدامة (7/397).

انظر أيضا: