الموسوعة الفقهية

المطلب الأول: مسُّ المرأةِ


مسُّ المرأةِ لا ينقُض الوضوء مطلقًا، ولو بشهوةٍ, إلَّا إنْ خرَجَ مِن المتوضِّئ شيءٌ، وهو مذهَبُ الحنفيَّة ، وروايةٌ عند الحنابلة ، وبه قالت طائفةٌ مِن السَّلف , واختاره الصَّنعاني ، وابن باز ، والألبانيُّ ، وابن عثيمين
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عُروة، عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبَّل امرأةً من نسائِه، ثمَّ خرج إلى الصَّلاةِ ولم يتوضَّأ. قال عروة: فقلتُ لها: مَن هي إلَّا أنتِ؟! فضَحِكَت ))
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الحديثَ يدلُّ على عدَم ِنَقْضِ الوضوءِ مِن لَمْسِ المرأة، ولو كان بشهوةٍ؛ لأنَّ الأصلَ في تقبيلِ الزَّوجةِ أن يكونَ بشهوةٍ
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها قالت: ((كنتُ أنام بين يَدَي رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورِجلاي في قِبلَتِه، فإذا سجَد غمَزَني، فقبضتُ رِجلي، فإذا قام بسطتُهما، قالت: والبيوتُ يومئذٍ ليس فيها مصابيحُ ))
وجهُ الدَّلالة:
 أنَّه لو كان مسُّ المرأةِ ناقضًا للوضوءِ، لَمَا مسَّ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زوجتَه عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، وهو في الصَّلاةِ.
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فقدتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةً مِن الفِراشِ، فالتمستُه فوقَعَتْ يدي على بَطنِ قَدَمَيه وهو في المسجدِ، وهما منصوبتانِ، وهو يقول: اللَّهمَّ أعوذُ برِضاك مِن سَخطِك، وبمعافاتِك من عُقوبَتِك، وأعوذُ بك منك؛ لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسِك ))
وجه الدَّلالة:
 أنَّه لو كان مسُّ المرأةِ ناقضًا للوضوءِ، لأَنكر الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عائشةَ لَمْسَ يدِها بطْنَ قَدَمِه.
ثانيًا: أنَّ الطَّهارةَ ثبتت بمقتضى دليلٍ شرعيٍّ، وما ثبَت بمقتضى دليلٍ شرعيٍّ، فإنَّه لا يُمكِنُ رفْعُه إلَّا بدليلٍ شرعيٍّ، ولا دليلَ على ذلك
ثالثًا: أنَّ مسَّ بدَنِ المرأة لا يُمكِنُ أن يكونَ حدَثًا؛ لِمَا في ذلك من الحرَجِ، ولو تُصوِّرَ أن يكون حدثًا، لرُفِع الحُكمُ لعُمومِ البلوى، ولرَفْعِ الحرَجِ عن هذه الأمَّة؛ قال الله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78]

انظر أيضا:

  1. (1) ((المبسوط)) للسرخسي (1/ 65)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/30)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/54).
  2. (2) ((المغني)) لابن قدامة (1/142)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/156).
  3. (3) قال ابن المُنذِر: (وبه قال ابن عبَّاس، وطاوس، والحسَن، ومسروق، وعطاء بن أبي رباح) ((الإشراف)) (1/62).
  4. (4) قال الصَّنعاني: (الحديثُ دليلٌ على أنَّ لَمْسَ المرأةِ وتقبيلَها لا ينقُضُ الوضوءَ، وهذا هو الأصلُ، والحديثُ مُقرِّر للأصل، وعليه الهادويَّة جميعًا، ومِن الصَّحابة عليٌّ عليه السَّلام، وذهبت الشافعيَّة: إلى أنَّ لَمْس مَن لا يحرُمُ نكاحُها ناقِضٌ للوضوء، مستدلِّين بقولِه تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ، فلَزِمَ الوضوء من اللَّمس. قالوا: واللَّمسُ حقيقةٌ في اليد، ويؤيِّد بقاءَه على معناه قراءة: أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ؛ فإنَّها ظاهرةٌ في مجرَّد لَمْسِ الرَّجُل من دون أن يكونَ مِن المرأة فِعلٌ، وهذا يحقِّقُ بقاء اللَّفظ على معناه الحقيقي، فقراءة: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاء كذلك؛ إذ الأصلُ اتِّفاقُ معنى القِراءتين، وأُجيبَ عن ذلك: بصرْفِ النَّظر عن معناه الحقيقي للقَرينة، فيُحمَل على المجاز، وهو هنا: حمْلُ الملامسة على الجِماع، واللَّمْسُ كذلك، والقرينةُ حديثُ عائشةَ المذكور، وهو إنْ قُدِحَ فيه بما سمِعْت، فطُرقُه يقوِّي بعضُها بعضًا. وحديث عائشة في البُخاري: "في أنَّها كانت تعترِض في قِبلتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا قام يُصلِّي غَمزَها فقبَضَت رِجلَيها؛ أي: عند سُجودِه، وإذا قام بسطَتْهما"، فإنَّه يؤيِّدُ حديث الكتابِ المذكور، ويؤيِّدُ بقاءَ الأصل، ويدلُّ على أنَّه ليس اللَّمْسُ بناقضٍ. وأمَّا اعتذارُ المصنِّف في فتح الباري عن حديثِها هذا: بأنَّه يحتمل أنَّه كان بحائلٍ أو أنَّه خاصٌّ به، فإنَّه بعيدٌ مخالِفٌ للظَّاهر، وقد فسَّر عليٌّ عليه السَّلام الملامسةَ بالجِماع، وفسَّرها حَبْرُ الأمَّة ابن عبَّاس بذلك، وهو المدعوُّ له بأنْ يعلِّمه اللهُ التأويل؛ فأخرج عنه عبدُ بن حُميد أنَّه فسَّر الملامسةَ بعد أنْ وضع أصبعَيه في أذنيه: ألَا وهو النَّيْكُ، وأخرج عنه الطَّستيُّ أنَّه سأله نافع بن الأزرق عن الملامسة، ففسَّرها بالجِماعِ، مع أنَّ تركيبَ الآية الشريفة وأسلوبَها يقتضي أنَّ المراد بالملامسةِ الجماع؛ فإنَّه تعالى عدَّ من مقتضياتِ التيمُّم المجيءَ من الغائط؛ تنبيهًا على الحدَث الأصغر، وعدَّ الملامسةَ تنبيهًا على الحدَث الأكبر، وهو مقابِلٌ لِقَولِه تعالى: في الأمر بالغَسل بالماء: وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا. ولو حُملت الملامسةُ على اللَّمسِ النَّاقض للوضوء، لفات التنبيهُ على أنَّ الترابَ يقوم مقامَ الماءِ في رفْعِه للحدَث الأكبَر، وخالف صدْرَ الآية). ((سبل السلام)) (1/66).
  5. (5) قال ابن باز: (لا يَنقُض الوضوء مطلقًا، وأنَّ الرَّجلَ إذا مسَّ المرأة أو قبَّلها لا يُنقَض وضوءُه في أصحِّ الأقوال؛ لأنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبَّل بعض نسائه، ثمَّ صلَّى ولم يتوضَّأ، ولأنَّ الأصلَ سلامةُ الوضوءِ وسلامةُ الطَّهارة، فلا يجوز القول بأنَّها مُنتقَضةٌ بشيء إلَّا بحُجَّةٍ قائمةٍ تدلُّ على نقضِ الوُضوءِ بلَمْسِ المرأةِ مطلقًا). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/86).
  6. (6) قال الألباني: (الحقُّ أنَّ لَمْس المرأة، وكذا تَقبيلها، لا ينقُضُ الوضوءَ، سواء كان بشهوةٍ أو بغير شهوةٍ؛ وذلك لعدم قيامِ دليلٍ صحيحٍ على ذلك). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة)) (2/429).
  7. (7) قال ابن عثيمين: (مسُّ المرأةِ لا ينقُض الوضوءَ مطلقًا، سواءٌ بشهوةٍ أو بغيِر شهوةٍ، إلَّا أن يخرُجَ منه شيء). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/202).
  8. (8) رواه أبو داود (179) واللفظ له، والترمذي (86)، وابن ماجه (502)، وأحمد (6/210) (25807). صحَّحه ابن جرير الطبري في ((التفسير)) (8/396)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/515)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
  9. (9) قال ابن عثيمين: (هذا حديثٌ صحيح، وله شواهد متعدِّدة، وهذا دليلٌ إيجابي، وكونُ التَّقبيلِ بغيرِ شَهوةٍ بعيدٌ جدًّا). ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/290).
  10. (10) رواه البخاري (382) واللفظ له، ومسلم (512).
  11. (11) رواه مسلم (486).
  12. (12) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/290).
  13. (13) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/287).