الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّالثُ: جَعْلُ الصَّداقِ مَنفَعةً


يجوزُ جَعلُ الصَّداقِ مَنفعةً، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وقَولٌ لبَعضِ الحَنَفيَّة،ِ منهم: محمَّدُ بنُ الحَسَنِ ، وقَولٌ للمالكيَّةِ ، وهو اختيارُ ابنِ حَزمٍ ، وابنِ تيميَّةَ ، وابنِ القيِّم ، والصنعانيِّ ، والشوكانيِّ ، وابنِ عثيمين ، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قولُ الرَّجُلِ الصَّالِحِ لِموسى -فيما حكاه الله تعالى عنه-: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ [القصص: 27]
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ دلَّ علَى جوازِ جَعلِ المَنفعةِ صَداقًا
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رضي الله عنه قال: ((جاءت امرأةٌ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: إنِّي وهَبْتُ مِن نَفسي، فقامَت طويلًا، فقال رجلٌ: زوِّجْنيها إنْ لم تكُنْ لك بها حاجةٌ، قال: هل عندك من شَيءٍ تُصْدِقُها؟ قال: ما عندي إلَّا إزاري، فقال: إن أعطَيتَها إيَّاه جلَسْتَ لا إزارَ لك، فالتَمِسْ شَيئًا، فقال: ما أجِدُ شَيئًا، فقال: التَمِسْ ولو خاتمًا مِن حديدٍ، فلم يجِدْ! فقال: أمعك مِن القُرآنِ شَيءٌ؟ قال: نعم، سورةُ كذا وسورةُ كذا، لِسُورٍ سَمَّاها، فقال: قد زوَّجْناكها بما معك مِنَ القُرآنِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((قد زوَّجْناكها بما معك مِنَ القُرآنِ)) فيه جوازُ جَعلِ المَنفَعةِ صَداقًا
ثالثًا: لأنَّ المنافِعَ جائِزةٌ في المُعاوَضاتِ؛ فجازت في الصَّداقِ

انظر أيضا:

  1. (1)    ((روضة الطالبين)) للنووي (7/304) و(12/212)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (4/181).
  2. (2)    إلا أنَّ الحنابِلةَ يرون عدمَ صِحَّةِ أن يكونَ الصَّداقُ تعليمَ القرآنِ أو بعضِه، وقالوا: لأنَّه قُربةٌ كالصوم؛ فلا يصِحُّ أن يكونَ صَداقًا. ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/7، 6)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/129، 131).
  3. (3)    ((المبسوط)) للسرخسي (5/96).
  4. (4)    ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (2/309).
  5. (5)    قال ابن حزم: (جائزٌ أن يكون صداقًا كُلُّ ما له نصفٌ قَلَّ أو كثُرَ، ولو أنَّه حبَّةُ بُرٍّ أو حبةُ شعير أو غير ذلك، وكذلك كلُّ عمَلٍ حلالٍ موصوفٍ؛ كتعليم شيءٍ مِن القرآن، أو من العِلمِ، أو البناءِ، أو الخياطةِ، أو غير ذلك، إذا تراضيا بذلك). ((المحلى بالآثار)) (9/91).
  6. (6)    قال ابن تيمية: (لو تزوَّجَها على أن يَخيطَ لها كُلَّ شَهرٍ ثَوبًا صَحَّ أيضًا؛ إذ لا فرق بين الأعيانِ والمنافِعِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/471).
  7. (7)    قال ابن القيم: (المرأةُ إذا رَضِيَت بعِلمِ الزَّوجِ وحِفظِه للقرآنِ أو بعضِه، مِن مَهرِها، جاز ذلك، وكان ما يحصُلُ لها من انتفاعِها بالقرآنِ والعِلمِ هو صَداقَها، كما إذا جعَلَ السيِّدُ عِتْقَها صَداقَها، وكان انتفاعُها بحرِّيَّتِها ومِلكِها لرقبتِها هو صَداقَها، وهذا هو الذي اختارَتْه أمُّ سُليمٍ من انتفاعِها بإسلامِ أبي طلحة، وبَذْلِها نَفْسَها له إن أسلَمَ، وهذا أحَبُّ إليها من المالِ الذي يبذُلُه الزَّوجُ). ((زاد المعاد)) (5/162).
  8. (8)    قال الصنعاني: (يَصِحُّ أن يكونَ الصَّداقُ مَنفعةً، كالتعليمِ فإنَّه مَنفعةٌ، ويُقاسُ عليه غيرُهـ). ((سبل السلام)) (2/170).
  9. (9)    قال الشوكاني: (قولُه: «وإنما يُمهَرُ مالٌ أو منفعةٌ في حُكمِه». أقول: أمَّا المال فظاهِرٌ وإليه ينصرف ما في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأمَّا المنفعةُ فقد دَلَّ على ذلك حديثُ سَهلِ ابن سعد... «قد زوَّجتُكها بما معك من القرآنِ»). ((السيل الجرار)) (ص: 367).
  10. (10)    قال ابن عثيمين: (قولُه: «وكُلُّ ما صَحَّ ثمنًا أو أجرةً صَحَّ مَهرًا»، يعني: كُلُّ ما صَحَّ عقدُ البيعِ عليه أو عَقدُ الإجارةِ عليه، صَحَّ مَهرًا، هذا هو الضابِطُ فيما يصِحُّ مهرًا، وعلى هذا فيَصِحُّ بالنقود، أي: الذَّهَب والفضة؛ لأنَّها تصِحُّ ثمنًا، ويَصِحُّ بالأعيانِ، كما لو أصدَقَها ثيابًا، أو أصدَقَها سيارةً، أو أصدَقَها أرضًا، أو أصدَقَها بيتًا، ويَصِحُّ بالمنافِعِ كما لو أصدَقَها سُكنى بيتٍ). ((الشرح الممتع على زاد المستقنع)) (12/256).
  11. (11)    جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (ليس لصَداقِ المرأةِ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، فكُلُّ ما يجوز تملُّكُه يجوزُ أن يُجعَلَ صَداقًا للمرأةِ، قَلَّ أو كثُرَ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (19/44). وجاء فيها أيضًا: (إذا كان الأمرُ كما ذُكِرَ جاز أن يُجعَلَ مَهرُ المرأةِ العَمَلَ عند والدِها شهرًا، والنِّكاحُ صَحيحٌ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (19/43).
  12. (12)    ((تفسير النيسابوري)) (2/391)، (( تفسير ابن عادل)) (6/316).
  13. (13)    أخرجه البخاري (5135) واللفظ له، ومسلم (1425).
  14. (14)    ((المغني)) لابن قدامة (7/214)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/212)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/108).
  15. (15)    ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/6).