الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: حُكمُ النِّكاحِ


الأصلُ في النِّكاحِ أنَّه مُستحَبٌّ [3]   وقد تعتريه باقي الأحكامِ الخمسةِ، وهي: الوجوب، والإباحة، والكراهة، والتحريم، وزاد الحَنَفيَّةُ الفَرْضَ. فيجِبُ على من خاف على نفسِه الزنا، ويُسَنُّ لِمن له شهوةٌ إن نوى تحصينًا ورجا النَّسلَ، ويحرُمُ على من تيقَّن الجَورَ، ويُكرَهُ لِمن لم يجِدْ أُهبةً، أو كان به عَجزٌ، ويُباحُ لِمن لا شهوةَ له وخشِيَ العَجزَ عن الإيفاءِ. يُنظر: ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (3/6، 7)، ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (2/215)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/287، 288)، ((روضة الطالبين)) للنووي (7/18، 19)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/4، 5)، ((الإقناع)) للحجاوي (3/156، 157)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (12/9). ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنَفيَّةِ [4]   ((المبسوط)) للسرخسي (4/177)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/95). ، والمالِكيَّةِ [5]   ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/215). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/165). ، والشافعية [6]   ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 204)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/183)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/203). ، والحَنابِلةِ [7]   ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/4). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/4). ، وبه قال أكثر أهل العلم [8]   قال العمراني: (النِّكاحُ مُستحَبٌّ غيرُ واجبٍ عندنا، وبه قال مالكٌ، وأبو حنيفةَ، وأكثَرُ أهلِ العِلمِ). ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) (9/109).  
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 3]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه علَّق النِّكاحَ بطِيبِ النَّفسِ، ولو كان واجِبًا لَزِمَ بكُلِّ حالٍ، والواجِبُ لا يَقِفُ على الاستِطابةِ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ الأمرَ للنَّدبِ [9]   ((المغني)) لابن قدامة (7/4).
قَولُه تعالى في الآيةِ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ  [النساء: 3]
وَجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ اللهَ تعالى خيَّر في الآيةِ بين النِّكاحِ ومِلكِ اليَمينِ، والتَّسَرُّرُ غيرُ واجبٍ باتِّفاقٍ، فلو كان النِّكاحُ واجِبًا ما صَحَّ التَّخييرُ بينه وبين مِلكِ اليَمينِ؛ إذ لا يَصِحُّ التَّخييرُ بين واجبٍ وما ليس بواجبٍ [10] ((المُعْلِم بفوائد مسلم)) للمازَري (2/128).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاء ثلاثةُ رَهطٍ إلى بُيوتِ أزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسألونَ عن عِبادةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا أُخبِروا كأنَّهم تقالُّوها [11] تقالُّوها: أي: استقلُّوها، أي: رأى كلٌّ منهم أنَّها قليلةٌ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (9/105). ، فقالوا: وأين نحن مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قد غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه وما تأخَّر، قال أحَدُهم: أمَّا أنا فإنِّي أُصلِّي اللَّيلَ أبدًا، وقال آخَرُ: أنا أصومُ الدَّهرَ ولا أُفطِرُ، وقال آخَرُ: أنا أعتَزِلُ النِّساءَ فلا أتزوَّجُ أبدًا، فجاء رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتُم كذا وكذا، أمَا واللهِ إنِّي لأَخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصلِّي وأرقُدُ، وأتزوَّجُ النِّساءَ، فمن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مني )) [12] أخرجه البخاري (5063) واللفظ له، ومسلم (1401).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((وأتزوَّجُ النِّساءَ)) فيه دَليلٌ على السُّنيَّةِ بالاقتداءِ بالنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِرَدِّه على من أراد مِن أمَّتِه التَّخلِّيَ للعبادةِ [13] يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/86)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/7).
2- عن عبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رَسولُ اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا معشرَ الشَّبابِ، مَن استطاع الباءةَ فلْيتزوَّجْ؛ فإنَّه أغَضُّ للبَصَرِ وأحصَنُ للفَرجِ، ومن لم يَستَطِعْ فعليه بالصَّومِ؛ فإنَّه له وِجاءٌ )) [14] أخرجه البخاري (5066) واللفظ له، ومسلم (1400).
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه: ((فليتزوَّجْ)) الأمرُ فيه للنَّدبِ، وصَرَفَه عن الوجوبِ قولُه تعالى:  فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ؛ إذ الواجِبُ لا يُعَلَّقُ بالاستطابةِ [15] ((منحة الباري بشرح صحيح البخاري)) لزكريا الأنصاري (8/327). ، ولإجماعِ العُلَماءِ على أنَّ مَن صبَرَ ولم يقتَحِمْ مُحرَّمًا، أنَّه غَيرُ مُرتكِبٍ الإثمَ [16] ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (24/187).

انظر أيضا: