الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّلُ: حُكمُ النَّبيذِ المُسْكِرِ


يَحرُمُ كُلُّ نَبيذٍ مُسكِرٍ ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ : الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكتاب
قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90]
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ لَفظَ الخَمرِ عامٌّ في كُلِّ مُسكِر؛ فإخراجُ بَعضِ الأشرِبةِ المُسكِرةِ عن شُمولِ اسمِ الخَمرِ لها: تَقصيرٌ به وهَضمٌ لِعُمومِه
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِن جَيشانَ- وجَيشانُ مِن اليَمَنِ- فسأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عن شَرابٍ يَشرَبونَه بأرضِهم مِنَ الذُّرَةِ، يقالُ له المِزْرُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَمُسكِرٌ هو؟ قال: نعم، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كُلُّ مُسكِرٍ حرامٌ، وإنَّ اللهَ عَهِدَ لِمَن يَشرَبُ المُسكِرَ أن يَسقِيَه مِن طِينةِ الخَبالِ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وما طِينةُ الخبالِ؟ قال: عَرَقُ أهلِ النَّارِ، أو عُصارةُ أهلِ النَّارِ ))
2- عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أفْتِنا في شَرابَينِ كُنَّا نَصنَعُهما باليَمَنِ: البِتْعُ، وهو مِن العَسَلِ يُنبَذُ حتى يشتَدَّ، والمِزْرُ، وهو من الذُّرَةِ والشَّعيرِ يُنبَذُ حتى يشتَدَّ، قال: وكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أُعطِيَ جوامِعَ الكَلِمِ بخواتِمِه، فقال: كلُّ مسُكرٍ حَرامٌ ))
3- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((خطَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكَرَ آيةَ الخَمرِ، فقال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أرأَيتَ المِزْرَ؟ قال: وما المِزْرُ؟ قال: حَبَّةٌ تُصنَعُ باليَمَنِ، قال: تُسكِرُ؟ قال: نعم، قال: كُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ ))
4- عن دَيلَم الحِمْيَريِّ رضي الله عنه قال: سألتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقُلتُ: ((يا رسولَ اللهِ، إنَّا بأرضٍ بارِدةٍ نعالِجُ عَمَلًا شَديدًا، وإنَّا نتَّخِذُ شَرابًا مِن هذا القَمحِ نتَقَوَّى به على أعمالِنا، وعلى بَردِ بلادِنا. قال: هل يُسكِرُ؟ قلتُ: نعم. قال: فاجتَنِبوه. قال: قُلتُ: فإنَّ النَّاسِ غَيرُ تاركِيه. قال: فإنْ لم يَترُكوه فقاتِلوهم ))
5- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أسْكَر كثيرُه فقليلُه حرام ))
وجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أناط الحُكمَ بعِلَّةِ الإسكارِ؛ فكُلُّ شَرابٍ كان جِنسُه مُسكِرًا حَرامٌ، سواءٌ سَكِرَ منه أو لم يَسكَرْ

انظر أيضا:

  1. (1) معنى الانتباذِ هنا: أن يُوضَعَ الزَّبيبُ أو التَّمرُ أو نحوُهما في الماءِ ويُشرَبَ نَقيعُه قبل أن يختَمِرَ ويُصبِحَ مُسكِرًا والنَّبيذُ: هو ما يُعمَلُ مِن الأشربةِ مِن التَّمرِ والزَّبيبِ والعَسَلِ والحِنطةِ والشَّعيرِ وغير ذلك يقالُ: نَبَذْتُ التَّمرَ والعِنَبَ: إذا طَرَحْتَه في وعاءٍ أو سِقاءٍ، وتَرَكْتَ عليه الماءَ لِيَصيرَ نبيذًا، وسواءٌ كان مُسكِرًا أو غيرَ مُسكِرٍ فإنَّه يقالُ له نَبيذٌ يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (3/511)
  2. (2) سواءٌ كان من الذُّرةِ أو القَمحِ، أو الشَّعيرِ أو العِنَبِ، أو الزَّبيبِ أو العَسَلِ، أو غيرِ ذلك.
  3. (3) قال ابن تيمية: (وسواءٌ كان نِيئًا أو مطبوخًا، وسواءٌ ذهب ثُلُثاه أو ثُلُثُه؛ أو نصفُه أو غيرُ ذلك. فمتى كان كثيرُه مُسكِرًا حَرُم قَليلُه بلا نزاعٍ بينهم... مناط التَّحريمِ هو السُّكْرُ باتفاقِ الأئمَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (24/200). وقال: (والأصلُ في ذلك «أنَّ كل ما أسكَرَ، فهو حرامٌ» وهذا مذهَبُ جماهيرِ العُلَماءِ الأئمَّة، كما قال الشافعي وأحمد وغيرُهم). ((مجموع الفتاوى)) (34/198).
  4. (4) على المعتمد في الفتوى. ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/47)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/455، 456).
  5. (5) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/352)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (2/422)، ويُنظر: ((التبصرة)) للَّخمي (4/1614).
  6. (6) ((روضة الطالبين)) للنووي (10/168)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (9/167)، ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/158).
  7. (7) ((الفروع)) لابن مفلح (10/96)، ((الإقناع)) للحجاوي (4/266)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/116).
  8. (8) ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/168).
  9. (9) أخرجه مسلم (2002).
  10. (10) أخرجه البخاري (6124)، ومسلم (1733) واللفظ له.
  11. (11) أخرجه النسائي (5605) واللفظ له، وعبد الرزاق في ((الأمالي في آثار الصحابة)) (171). صَحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5605).
  12. (12) أخرجه أبو داود (3683) واللفظ له، وأحمد (18035). صَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (7/500)، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((قتل مدمن الخمر)) (63)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3683)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيق ((مسند أحمد)) (29/570).
  13. (13) أخرجه أبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393)، وأحمد (14703). قال الترمذي: حسن غريب، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (34/197): (قد صحح ذلك غير واحد من الحفاظ) ووثق رجاله ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (4/1394)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (4/53)، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (3393)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (220).
  14. (14) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (34/194).