الموسوعة الفقهية

الفصل الخامس: شُروطُ السَّعيِ


الشَّرط الأوَّل: استيعابُ ما بين الصَّفا والمروةِ
يُشتَرَط في صحَّةِ كلِّ شوطٍ من أشواطِ السَّعيِ قَطْعُ جميعِ المسافة بين الصَّفا والمروةِ ، فإن لم يقطَعْها كلَّها لم يصِحَّ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ، والمالِكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّ المسافةَ للسعيِ مُحدَّدةٌ مِن قِبَل الشَّرْعِ، والنَّقصُ عن الحدِّ مُبطِلٌ
الشرط الثَّاني: الترتيبُ بأن يبدأَ بالصَّفا وينتهيَ بالمروة
يُشتَرَط أن يبدأَ سَعْيَه بالصَّفا، وينتهيَ بالمروةِ، حتى يختِمَ سَعْيَه بالمروةِ، فإنْ بدأ بالمروةِ، ألغى هذا الشَّوْطَ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة ، والمالِكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة ، وهو قَوْلُ طائِفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن جابِرِ بنِ عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما أنه قال في حديثه الطَّويلِ في صِفَةِ حجَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فبدأ بالصَّفا، فرَقِيَ عليه... ثم نزل إلى المروةِ )) ، وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
2- أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أَبدأُ بما بدأ اللهُ به )) ، وقد بدأ اللهُ عزَّ وجلَّ بالصَّفا، فقال: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158]
الشرط الثَّالث: أن يكونَ سَبْعةَ أشْواطٍ
يُشتَرَطُ في صِحَّةِ السَّعيِ بين الصَّفا والمروةِ، أن يكون سَبعةَ أَشواطٍ، ذَهابُه مِنَ الصَّفا إلى المروةِ شَوْطٌ، ورجوعُه مِنَ المروةِ إلى الصَّفا شَوْطٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمْهورِ : المالِكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة ، وهو مذهَبُ الظاهريَّة
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عمرِو بنِ دينارٍ قال: سألْنَا ابنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما عن رجلٍ طاف بالبيتِ في عُمْرةٍ، ولم يَطُفْ بين الصَّفا والمروةِ، أيأتي امرأتَه؟ فقال: ((قَدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فطاف بالبيت سبعًا، وصلَّى خَلْفَ المقامِ ركعتينِ، فطاف بين الصَّفا والمروةِ سبعًا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب: 21] ))
فهذا فِعْلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّ عددَ أشواطِ السَّعي محدَّدةٌ مِن قِبَل الشَّرعِ، والنَّقْصُ عن الحدِّ مُبطِلٌ، كما أنَّ النَّقصَ عن عددِ كُلِّ صلاةٍ عمدًا مُبطِلٌ لها
ثالثًا: أن عليه عمل النَّاس
الشرط الرابع: أن يكون بعد الطَّوافِ
اختلف أهلُ العِلم ِفي اشتراطِ تَقَدُّمِ الطَّوافِ على السَّعيِ على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأوّل: يُشتَرَطُ في صحَّةِ السَّعيِ أن يقَعَ بعد الطَّوافِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ، والمالِكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا طاف في الحجِّ أو العُمْرة أوَّلَ ما يَقْدَمُ، سعى ثلاثةَ أطوافٍ، ومشى أربعةً، ثم سجد سجدتينِ، ثم يطوف بين الصَّفا والمروةِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُقَدِّم الطَّوافَ على السَّعيِ بدَلالة كلمة (ثمَّ) وقد قال: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم )) ، وفِعْلُه في المناسِكِ يفيدُ الوجوبَ
2- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((حاضت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها، فنَسَكَتِ المناسِكَ كلَّها غيرَ أنَّها لم تَطُفْ بالبيتِ، فلمَّا طَهُرَتْ طافت بالبيت، قالت: يا رسولَ الله، تنطَلِقونَ بحَجَّةٍ وعُمْرةٍ، وأنطلِقُ بحجٍّ؟! فأمَرَ عبدَ الرحمنِ بنَ أبي بكرٍ أن يَخْرُجَ معها إلى التَّنعيمِ، فاعتَمَرت بعد الحجِّ )) ، وفي روايةٍ عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((فقَدِمْتُ مكَّة وأنا حائضٌ، ولم أطُفْ بالبيتِ، ولا بين الصَّفا والمروةِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لولا اشتراطُ تقدُّمِ الطَّوافِ على السَّعي؛ لفعلت في السَّعيِ مِثْلَ ما فعَلَتْ في غيره مِنَ المناسِكِ؛ فإنَّه يجوز لها السَّعيُ مِن غيرِ طهارةٍ
ثانيًا: أنَّ السَّعيَ تابعٌ للطَّوافِ ومُتَمِّمٌ له، وتابعُ الشَّيءِ لا يتقدَّمُ عليه
ثالثًا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْعَ قَطُّ إِلَّا عَقِيبَ طَوَافٍ، ولو جاز السَّعيُ مِن غيرِ أن يتقَدَّمَه طوافٌ لفَعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولو مرَّةً؛ ليدُلَّ به على الجوازِ
القول الثاني: لا يُشتَرَط لصحَّةِ السَّعيِ أن يسبِقَه طوافٌ، وهذا مذهَبُ الظاهريَّة ، وروايةٌ عن أحمَدَ ، وبه قال بعضُ السَّلَف ، واختاره ابنُ باز ، وابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((وقف رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حجَّةِ الوداعِ بمنًى للنَّاسِ يسألونَه، فجاء رجلٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، لم أشعُرْ فحلَقْتُ قبل أن أنحَرَ؟ فقال: اذبَحْ، ولا حَرَجَ، ثم جاءه رجلٌ آخَرُ، فقال: يا رسولَ الله، لم أشعُرْ فنَحَرْتُ قبل أن أرْمِيَ؟ فقال: ارْمِ، ولا حَرَجَ، قال: فما سُئِلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلَّا قال: افعَلْ، ولا حَرَجَ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
عُمومُ قَوْلِه: ((ما سُئِلَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلَّا قال: افعَلْ، ولا حَرَجَ )) ، فيندرج فيه تقديمُ السَّعيِ على الطَّواف
2- عن أسامَةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((خرجتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حاجًّا، فكان النَّاس يأتونَه، فمَن قال: يا رسولَ الله، سعيتُ قبل أن أطوفَ، أو قَدَّمْتُ شيئًا، أو أخَّرْتُ شيئًا، فكان يقول: لا حَرَجَ، لا حَرَجَ، إلَّا على رجلٍ اقتَرَض عِرْضَ رجلٍ مُسْلمٍ وهو ظالمٌ له، فذلك الذي حَرِجَ وهَلَكَ ))
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها حاضت، وهي في طريقِها إلى الحجِّ، فقال لها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((افعَلِي كما يفعَلُ الحاجُّ، غيرَ أنْ لا تَطُوفي بالبيتِ ))
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّه نهاها عن الطَّوافِ بالبَيتِ، وأَمَرَها بأن تَقْضِيَ المناسِكَ كُلَّها، ويدخُلُ في هذا العمومِ السَّعيُ بين الصَّفا والمروةِ
الشرط الخامس: الموالاةُ بينَ أشْواطِ السَّعي
اختلف أهلُ العِلم ِفي اشتراطِ الموالاةِ بين أشواطِ السَّعيِ على قولينِ:
القول الأوّل: لا تُشْتَرَط الموالاةُ بين أشواطِ السَّعيِ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ، والشَّافعيَّة ، وروايةٌ عن أحمَدَ ، واختاره ابنُ قُدامة ، وابنُ باز
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ مُسمَّى السَّعيِ يحصُلُ بالسَّعيِ بين الصَّفا والمروةِ سَبْعَ مرَّاتٍ، سواءٌ كانت الأشواطُ متواليةً أو متفَرِّقةً.
ثانيًا: أنَّه نُسُكٌ لا يتعلَّقُ بالبيتِ، فلم تُشترَط له الموالاةُ، كالرَّمْيِ والحَلْقِ
القول الثاني: تُشترَط الموالاةُ بين أشواطِه، وهو مذهَبُ المالِكيَّة ، والحَنابِلة ، واختاره ابنُ عُثيمين
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سعى سعيًا متواليًا، وقد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لِتَأخُذوا مناسِكَكم ))
ثانيًا: أنَّ السَّعي عبادةٌ واحدة، فاشتُرِط فيه الموالاةُ كالصَّلاة والطَّوافِ
مسألةٌ:
لو أُقيمَتِ الصَّلاةُ أثناءَ السَّعي، قَطَعَ السَّعيَ وصلَّى، ثم أتمَّ الأشواطَ الباقِيَة، وهو مَذهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلة ، وعليه أكثَرُ أهْلِ العلمِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا أقيمَتِ الصَّلاةُ فلا صلاةَ إلَّا المكتوبةُ )) والطَّوافُ صلاةٌ؛ فيدخُلُ تحت عمومِ الخَبَر، وإذا ثبت ذلك في الطَّوافِ بالبيتِ مع تأكُّدِه؛ ففي السَّعيِ بين الصَّفا والمروةِ مِن بابِ أَوْلى
ثانيًا: أنَّ ما سبقَ بُنِيَ على أساسٍ صحيحٍ، وبمقتضى إذنٍ شرعيٍّ، فلا يمكن أن يكون باطلًا إلَّا بدليلٍ شرعيٍّ
ثالثًا: أنَّه فرضٌ يُخافُ فَوْتُه، فأشبه خروجَ المعتكِفِ لصلاة الجُمُعة

انظر أيضا:

  1. (1) قال النووي: (لو كان راكبًا اشتُرِطَ أن يُسَيِّرَ دابَّته، حتى تضَعَ حافِرَها على الجبَلِ أو إليه حتى لا يبقى مِنَ المسافة شيءٌ، ويجب على الماشي أن يُلْصِقَ في الابتداءِ والانتهاء رِجْلَه بالجَبَل، بحيث لا يبقى بينهما فُرجةٌ، فيَلْزَمُه أن يُلْصِقَ العَقِبَ بأصل ما يذهب منه، ويُلْصِقَ رؤوس أصابِعِ رجْلَيْه بما يذهب إليه، هذا كلُّه إذا لم يصعد على الصَّفا وعلى المروة، فإن صَعِدَ فهو الأكمل وقد زاد خيرًا، وهكذا فعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما ذكرناه في الأحاديث الصحيحة السابقة، وهكذا عَمِلَتِ الصحابة فمَن بعدهم، وليس هذا الصعودُ شرطًا واجبًا، بل هو سُنَّة متأكِّدة) ((المجموع)) (8/69)، ويُنْظَر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قُدامة (3/404).
  2. (2) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/133).
  3. (3) ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/368)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/118).
  4. (4) ((المجموع)) للنووي (8/69)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/493).
  5. (5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/487) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/237).
  6. (6) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. قال الجصاص: (فَرْضُ الحجِّ مُجمَلٌ في كتاب الله... وهو مجمَلٌ مفتقِرٌ إلى البيان، فمهما ورد مِن فِعْلِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو بيانٌ للمرادِ بالجملة، وفِعْلُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا ورد مورِدَ البيان فهو على الوجوبِ... ومن جهةٍ أخرى أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خذوا عني مناسِكَكم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجابَ الاقتداء به في سائِرِ أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/119) وقال ابنُ كثير: (قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم )) فكُلُّ ما فَعَلَه في حَجَّتِه تلك واجبٌ لا بدَّ مِن فِعْلِه في الحجِّ إلا ما خرج بدليلٍ) ((تفسير ابن كثير)) (1/471). وقال الشنقيطي: (يُعرَف حُكْمُ فِعْلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوجوبِ أو غيره بالبيان، فإذا بَيَّنَ أمرًا واجبًا- كالصَّلاة والحجِّ وقَطْع السَّارق- بالفِعْل، فهذا الفِعْلُ واجبٌ إجماعًا؛ لوقوعِه بيانًا لواجِبٍ إلَّا ما أخرجه دليلٌ خاصٌّ) ((أضواء البيان)) (4/397).
  7. (7) ((منسك الإمام الشنقيطي)) (1/321).
  8. (8) ((المبسوط)) للسرخسي (4/78)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/134).
  9. (9) ((الكافي)) لابن عَبْدِ البَرِّ (1/368)، ويُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/427).
  10. (10) قال الشافعي: (ولم أعلَمْ مخالِفًا أنَّه إن بدأ بالمروةِ قبل الصَّفا، ألغى طَوافًا حتى يكون بَدْؤُه بالصَّفا) ((الأم)) (1/45)، ويُنْظَر: ((المجموع)) للنووي (8/64)، ((روضة الطالبين)) للنووي (3/90).
  11. (11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/487)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/238).
  12. (12) قال ابنُ المُنْذِر: (وهذا قول الحسن، ومالك، والشافعي، والأوزاعي، وأصحاب الرأي... وعن عطاء روايتان) ((الإشراف)) (3/290).
  13. (13) رواه مسلم (1218).
  14. (14) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. قال الجصاص: (فَرْضُ الحجِّ مُجمَلٌ في كتاب الله... وهو مجمَلٌ مفتقِرٌ إلى البيان، فمهما ورد مِن فِعْلِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو بيانٌ للمرادِ بالجملة، وفِعْلُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا ورد مورِدَ البيان فهو على الوجوبِ... ومن جهةٍ أخرى أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خذوا عني مناسِكَكم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجابَ الاقتداء به في سائِرِ أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/119) وقال ابنُ كثير: (قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم )) فكُلُّ ما فَعَلَه في حَجَّتِه تلك واجبٌ لا بدَّ مِن فِعْلِه في الحجِّ إلا ما خرج بدليلٍ) ((تفسير ابن كثير)) (1/471). وقال الشنقيطي: (يُعرَف حُكْمُ فِعْلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوجوبِ أو غيره بالبيان، فإذا بَيَّنَ أمرًا واجبًا- كالصَّلاة والحجِّ وقَطْع السَّارق- بالفِعْل، فهذا الفِعْلُ واجبٌ إجماعًا؛ لوقوعِه بيانًا لواجِبٍ إلَّا ما أخرجه دليلٌ خاصٌّ) ((أضواء البيان)) (4/397).
  15. (15) رواه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
  16. (16) عَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: ((قال الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ الآية **البقرة: 158**، فبدأ بالصَّفا، وقال: اتَّبِعوا القرآنَ؛ فما بدأ اللهُ به فابدؤوا بهـ)) ذكره ابن المُنْذِر في ((الإشراف)) (3/290) وهو في ابن أبي شيبة (3/790) بلفظ: ((خُذْ ذلك من قِبَلِ القرآنِ؛ فإنَّه أجدر أن يُحفَظ؛ قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ **البقرة: 158** فالصَّفا قبل المروة)).
  17. (17) عامَّة أهل العلم على أنَّ عدد أشواط السَّعي سبعة أشواط: يُحسَبُ مِنَ الصَّفا إلى المروة شَوْطٌ، ومِنَ المروة إلى الصَّفا شوط، ووافق الحنفيةُ الجمهورَ في كون قَدْرِ السَّعي سبعةَ أشواط، وخالفوا في كون ذلك شرطًا، فالشَّرط عندهم أن يأتي بأكثَرِ السَّعي، وهو أربعةُ أشواط، والباقي واجبٌ يُجْبَر تاركُه بفِدْية. قال الكاساني: (وأمَّا قَدْرُه فسبعة أشواط لإجماعِ الأمة) ((بدائع الصنائع)) (2/134). وقال ابنُ عابدين في باب الجنايات في الحج: (لو ترك ثلاثةً منه أو أقلَّ؛ فعليه لكلِّ شوطٍ منه صدقةٌ إلَّا أن يبلغ دمًا فيُخيَّرَ بين الدَّمِ وتنقيص الصدقة) ((حاشية ابن عابدين)) (2/556،557).
  18. (18) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/118)، ويُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/427).
  19. (19) قال النووي: (إكمالُ سبعِ مراتٍ؛ يُحسَب الذهابُ مِنَ الصَّفا إلى المروة مرة، والرُّجوع مِنَ المروة إلى الصَّفا مرة ثانيَّة، والعَوْد إلى المروة ثالثة، والعود إلى الصَّفا رابعة، وإلى المروة خامسة، وإلى الصَّفا سادسة، ومنه إلى المروة سابعة، فيبدأ بالصَّفا ويختم بالمروة، هذا هو المذهبُ الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي، وقَطَع به جماهيرُ الأصحاب المتقدِّمين والمتأخرينَ، وجماهير العُلَماء، وعليه عَمَلُ النَّاس، وبه تظاهرت الأحاديثُ الصحيحة) ((المجموع)) (8/71)، ويُنْظَر: ((الأم)) للشافعي (2/230).
  20. (20) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/485).
  21. (21) ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/95رقم 830).
  22. (22) رواه البخاري (1645) واللفظ له، ومسلم (1234).
  23. (23) رواه مسلم (1297). قال الجصاص: (فَرْضُ الحجِّ مُجمَلٌ في كتاب الله... وهو مجمَلٌ مفتقِرٌ إلى البيان، فمهما ورد مِن فِعْلِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فهو بيانٌ للمرادِ بالجملة، وفِعْلُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا ورد مورِدَ البيان فهو على الوجوبِ... ومن جهةٍ أخرى أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خذوا عني مناسِكَكم)) وذلك أمرٌ يقتضي إيجابَ الاقتداء به في سائِرِ أفعال المناسك) ((أحكام القرآن)) (1/119) وقال ابنُ كثير: (قال: ((لِتَأْخُذوا مناسِكَكم )) فكُلُّ ما فَعَلَه في حَجَّتِه تلك واجبٌ لا بدَّ مِن فِعْلِه في الحجِّ إلا ما خرج بدليلٍ) ((تفسير ابن كثير)) (1/471)، وقال الشنقيطي: (يُعرَف حُكْمُ فِعْلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الوجوبِ أو غيره بالبيان، فإذا بَيَّنَ أمرًا واجبًا- كالصَّلاة والحجِّ وقَطْع السَّارق- بالفِعْل، فهذا الفِعْلُ واجبٌ إجماعًا؛ لوقوعِه بيانًا لواجِبٍ إلَّا ما أخرجه دليلٌ خاصٌّ) ((أضواء البيان)) (4/397).
  24. (24) قال ابنُ المُنْذِر: (فلما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبئُ عن الله عزَّ وجل أنَّ فَرْضَ صلاةِ الظهر أربعُ ركعات، كذلك هو المنبئُ عن الله أنَّ فَرْضَ الطَّوافِ سَبْعٌ، ولا يُجْزِئُ أقلُّ منه؛ لأنَّ الله عز وجل قال: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ الآية، وقال: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الآية، فبَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عددَ ذلك كلِّهـ) ((الإشراف)) (3/280).
  25. (25) قال النووي: (وعليه عمل النَّاس، وبه تظاهرت الأحاديث الصحيحة) ((المجموع)) (8/71).
  26. (26) ((المبسوط)) للسرخسي (4/46)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي و((حاشية الشلبي)) (2/61).
  27. (27) زاد المالكية أنَّ السَّعي لا بد أن يكون بعد طوافٍ واجب، وإنما صحَّ بعد طواف القدوم عندهم لقولهم بوجوبه. ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/118)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/252).
  28. (28) ((المجموع)) للنووي (8/72)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/157).
  29. (29) ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 577)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/352)، ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (3/639).
  30. (30) قال السرخسي: ((إنما عُرِفَ قُربةً بفعل رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنما سعى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد الطَّواف، وهكذا توارثه النَّاس مِن لدُنْ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى يومنا هذا) ((المبسوط)) (4/46).  وقال الماوردي: (فإذا ثبت وجوبُ السَّعي، فمِن شَرْطِ صحَّته- أي السَّعي- أن يتقدَّمَه الطَّواف، وهو إجماعٌ ليس يُعرَف فيه خلافٌ بين الفقهاء) ((الحاوي الكبير)) (4/157). قال البغوي: (أمَّا إذا سعى بين الصَّفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت في الحجِّ، أو في العُمْرة، فلا يُحسَبُ سعيه حتى يُعيدَه بعد الطَّواف بالبيت عند عامَّة أهل العلم، إلَّا ما حُكِيَ عن عطاء أنَّه قال: يُجْزِئُه سعيهـ) ((شرح السنة)) (7/214). وقال النووي: (شذَّ إمامُ الحرمين، فقال في كتاب الأساليب: قال بعضُ أئِمَّتنا: لو قَدَّمَ السَّعيَ على الطَّواف اعتُدَّ بالسَّعي. وهذا النقل غلطٌ ظاهرٌ، مردودٌ بالأحاديث الصحيحة وبالإجماع الذي قدَّمناه عن نقل الماوردي) ((المجموع)) (8/72).
  31. (31) رواه البخاري (1616) واللفظ له، ومسلم (1261).
  32. (32) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
  33. (33) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/157)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/352).
  34. (34) رواه البخاري (1651).
  35. (35) رواه البخاري (1556) واللفظ له، ومسلم (1211).
  36. (36) ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (ص: 328)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (23/355).
  37. (37) ((المبسوط)) للسرخسي (4/46)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 352).
  38. (38) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/157).
  39. (39) ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/183 رقم 845)، وحكاه النووي عن داود في ((المجموع)) (8/78).
  40. (40) ((المغني)) لابن قُدامة (3/352)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/273).
  41. (41) ((المحلى)) لابْن حَزْمٍ (7/181)، ((المغني)) لابن قُدامة (3/352)، ((فتح الباري)) لابن حجر (3/505).
  42. (42) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (16/140، 17/339).
  43. (43) قال ابنُ عثيمين: (الإخلالُ بالترتيبِ في العُمْرة يُخِلُّ بها تمامًا؛ لأنَّ العُمْرةَ ليس فيها إلَّا طوافٌ، وسعي، وحلقٌ أو تقصيرٌ، والإخلالُ بالترتيب في الحجِّ لا يؤثِّرُ فيه شيئًا؛ لأنَّ الحجَّ تُفعَل فيه خمسةُ أنساكٍ في يومٍ واحدٍ، فلا يصِحُّ قياسُ العُمْرةِ على الحج في هذا الباب، ويُذكَر عن عطاءِ بن أبي رباح عالمِ مكَّة رحمه الله أنَّه أجاز تقديمَ السَّعيِ على الطَّواف في العُمْرةِ، وقال به بعض العُلَماء، وذهب بعض أهل العلم إلى أنَّه يجوز مع النِّسيان أو الجهل، لا مع العِلْم والذِّكْر) ((الشرح الممتع)) (7/273،337).
  44. (44) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306) واللفظ له.
  45. (45) رواه البخاري (83)، ومسلم (1306) واللفظ له.
  46. (46) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/339).
  47. (47) اقترض: نال منه، وقطَعه بالغِيبةِ، وهو افتعالٌ مِنَ القَرْضِ: القطع. ((النهاية)) لابن الأثير (4/41).
  48. (48) أخرجه أبو داود (2015) واللفظ له، وأحمد (18477) ذكر الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (90) أنه يلزم على البخاري ومسلم إخراجه، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (7/182)، وصححه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (5/281)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2015)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (16) وقال: على شرط الشيخين.
  49. (49) رواه البخاري (1650) واللفظ له، ومسلم (1211).
  50. (50) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/505).
  51. (51) ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/16)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/497).
  52. (52) ((المجموع)) للنووي (8/73،74). ((روضة الطالبين)) للنووي (3/90).
  53. (53) ((المغني)) لابن قُدامة (3/357).
  54. (54) قال ابنُ قُدامة: (فأما السَّعي بين الصَّفا والمروة فظاهر كلام أحمد أنَّ الموالاة غير مشترطةٍ فيه.. وقال القاضي: تشترط الموالاة فيه.. وحكاه أبو الخطاب روايةً عن أحمد والأول أصح) ((المغني)) (3/198).
  55. (55) قال ابنُ باز: (الموالاةُ بين أشواطِ السَّعي لا تُشترَط على الرَّاجِحِ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (17/232).
  56. (56) ذُكِرَ أنَّ سودةَ بنتَ عبد الله بن عمر امرأةَ عروة بن الزبير، سعت بين الصَّفا والمروة، فقَضَتْ طوافها في ثلاثةِ أيَّامٍ، وكانت ضخمةً. رواه الأثرم. ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 357).
  57. (57) ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/105،166)، ويُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/807).
  58. (58) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/18)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/487).
  59. (59) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/275)، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (22/293). وقال: (لو فُرِضَ أنَّ الإنسانَ اشتدَّ عليه الزحامُ فخَرَجَ ليتنَفَّسَ، أو احتاج إلى بولٍ أو غائطٍ فخرج يقضي حاجَتَه ثم رجع، فهنا نقول: لا حَرَجَ؛ لعموم قولِه تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ **الحج: 78**؛ ولأنَّه رويت آثارٌ عن السَّلَف في هذا؛ ولأنَّ الموالاةَ هنا فاتت للضَّرورة وهو حين ذهابِه قَلْبُه معلَّقٌ بالسَّعي، ففي هذه الحال لو قيل بسقوطِ الموالاةِ لكان له وجْهٌ) ((الشرح الممتع)) (7/276).
  60. (60) رواه مسلم (1297) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
  61. (61) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/276).
  62. (62) ((حاشية ابن عابدين)) (2/497)، ((الفتاوى الهندية)) (1/227).
  63. (63) ((المجموع)) للنووي (8/79).
  64. (64) ((شرح منتهى الإرادات)) (2/234)، ويُنْظَر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 356)، وقال إنه قول ابن عمر رضي الله عنهما، ولا يُعرف له مخالف.
  65. (65) قال ابنُ المُنْذِر: (أجمعوا فيمن طاف بعض سبعةٍ، ثم قطع عليه بالصَّلاة المكتوبة أنه يبتني من حيث قطع عليه إذا فرغ من صلاته، وانفرد الحسن البصري، فقال: يستأنف) ((الإجماع)) (ص: 55)، ويُنْظَر: ((الإشراف)) لابن المُنْذِر (3/282). وقال النووي: (لو أقيمت الصَّلاة المكتوبة وهو في أثناء السَّعي، قطعه وصلاها ثم بنى عليه، هذا مذهبنا وبه قال جمهور العُلَماء منهم ابن عمر وابنه سالم وعطاء وأبو حنيفة وأبو ثور). ((المجموع)) (8/79)، ويُنْظَر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 356)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/497).
  66. (66) رواه مسلم (710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
  67. (67) ((المغني)) لابن قُدامة (3/ 356).
  68. (68) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (22/296).
  69. (69) ((شرح العمدة)) لابن تيميَّة (3/592).