الموسوعة الفقهية

المبحث الأول: ما يُكرَهُ ويحرُمُ على الصَّائِم


المطلب الأول: المُبالغةُ في المضمضةِ والاستنشاقِ
تُكرَهُ المبالغةُ في المضمضةِ والاستنشاقِ للصَّائِمِ قال ابنُ عُثيمين: (المبالغة في المضمضة: أن تُحرِّكَ الماءَ بقوَّةٍ وتَجعَلُه يصلُ كلَّ الفَمِ، والمبالغة في الاستنشاق: أن يجذِبَه بنَفَسٍ قَويٍّ) ((الشرح الممتع)) (1/171).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عن عاصمِ بنِ لقيطِ بنِ صبرةَ عن أبيه قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أخبِرْني عن الوضوءِ، قال: أسبِغِ الوُضوءَ، وبالِغْ في الاستنشاقِ، إلَّا أن تكونَ صائمًا )) رواه أبو داود (2366)، والترمذي (788)، والنسائي (1/66) (87)، وابن ماجه (407)، وأحمد (4/32) (16427)، وابن حبان (3/368) (1087)، والحاكم (1/248).  قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه النووي في ((شرح صحيح مسلم)) (3/105) وابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/592) وابن حجر في ((الإصابة)) (3/329)، والألباني في ((صحيح ابن ماجه)) (333) وغيرهم.
ثانيًا:من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (معنى المبالغةِ في الاستنشاقِ: اجتذابُ الماء بالنَّفَسِ إلى أقصى الأنفِ ولا يجعَلُه سَعُوطًا، وذلك سنَّةٌ مستحَبَّةٌ في الوضوء إلَّا أن يكون صائمًا، فلا يُستَحَبُّ. لا نعلمُ في ذلك خلافًا) ((المغني)) (1/77).
المطلب الثاني: الوِصالُ
يُكرَهُ الوِصالُ الوصالُ هو: أن يواصِلَ الصَّائِم بين يومينِ، فلا يأكُلُ بينهما شيئًا. في الصَّومِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/278)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/350). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (2/213). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/247). ، ووجه عند الشَّافِعيَّة اختلف الشَّافِعيَّة في كراهةِ الوِصالِ: هل هي كراهةُ تحريمٍ أم كراهةُ تنزيهٍ؟ قال النووي: (أمَّا حُكمُ الوصالِ فهو مكروهٌ بلا خلافٍ عندنا، وهل هي كراهةُ تحريمٍ أم تنزيهٍ؟ فيه وجهان اللذان ذكرهما المصنِّفُ، وهما مشهوران، ودليلهما في الكتاب أصحُّهما عند أصحابنا، وهو ظاهِرُ نص الشَّافعي؛ كراهةُ تَحريمٍ) ((المجموع)) (6/374)، وانظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/471). ، وعليه أكثرُ أهلِ العلمِ ((المغني)) لابن قدامة (3/175)، ((تفسير القرطبي)) (2/329).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا تُواصِلوا، فأيُّكم إذا أرادَ أن يُواصِلَ فلْيُواصِلْ حتى السَّحَرِ. قالوا: فإنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله. قال: إنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكم؛ إني أَبِيتُ لي مُطعِمٌ يُطعِمُني وساقٍ يَسقِيني )) رواه البخاري (1963).
وجه الدلالة:
أنَّ النَّهيَ في الحديثِ مَحمولٌ على الكراهةِ؛ لأنَّ النَّهيَ وقع رِفقًا ورحمةً وشَفقةً على الأمَّةِ، كيلا يشُقَّ عليهم، ولهذا واصَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 95، 96).
المطلب الثالث: ذَوْقُ الطَّعامِ بِغَيرِ حاجةٍ
يُكرَهُ ذَوقُ الطَّعامِ بِغَيرِ حاجةٍ قال ابنُ تيمية: (وذَوقُ الطَّعامِ يُكرَهُ لغير حاجةٍ؛ لكِنْ لا يُفَطِّرُه، وأمَّا للحاجة فهو كالمَضمضةِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/266 - 267). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/301)، وينظر: (((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/106). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/517). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/369). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/231).
وذلك لأنَّه ربَّما يَنزِلُ شَيءٌ من هذا الطَّعامِ إلى جَوفِه، من غيرِ أن يشعُرَ به، فيكونُ في ذَوقِه لهذا الطعامِ تَعريضٌ لِفَسادِ الصَّومِ، وأيضًا ربَّما يكونُ مُشتَهِيًا للطَّعام كثيرًا فيتذوَّقُه؛ لأجْلِ أن يتلذَّذَ به، وربما يمتَصُّه بقُوَّةٍ، ثم ينزِلُ إلى جوفه قال ابنُ عُثيمين أيضا: (لا يُبطِلُ الصَّومَ ذَوقُ الطَّعامِ إذا لم يبتلِعْه، ولكِن لا تَفعَلْه إلَّا إذا دعَتِ الحاجةُ إليه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/357).
المطلب الرابع: القُبلةُ
تَحرُمُ القُبلةُ قال البهوتي: ( (وكذا دواعي الوَطءِ كُلُّها ) من اللَّمسِ، وتَكرارِ النَّظَرِ؛ حُكمُها حُكمُ القُبلة) كشاف القناع 2/330 على الصَّائِمِ، إذا لم يأمَن من الجِماعِ أو الإنزالِ فإنْ أمِنَ من الإنزالِ أو الجِماعِ، فتكونُ خِلافَ الأَوْلى عند الشَّافِعيَّة إنْ لم تتحَرَّكْ شَهوَتُه، وعند الحَنابِلة إن تحَّرَكت شَهوتُه كُرِهَ، وإن لم تتحَرَّكْ لم يُكرَه، وهي مكروهةٌ عند المالكيَّة حتى إن عَلِمَ السَّلامةَ مِن الإنزالِ. أمَّا عند الحَنَفيَّة فإن أَمِنَ من الإنزالِ أو الجِماعِ، فلا بأسَ بها، وإن لم يأمَنْ كُرِه. ينظر: ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 324). وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/518)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 244)، ((الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني)) (ص: 310). والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/370). والحَنابِلة ((كشاف القناع)) (2/330). وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البر: (ولا أعلم أحدًا رخَّصَ فيها لِمَن يَعلَمُ أنَّه يتولَّدُ عليه منها ما يُفسِدُ صَومَه). ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)) (5/114).
الأدِلَّة:
أولا مِن السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُ وهو صائِمٌ، ويُباشِرُ وهو صائِمٌ، ولكنَّه أمْلَكُكم لإِرْبِه )) رواه البخاري (1927)، ومسلم (1106).
ثانيًا: لأنَّه إذا لم يأمَنْ أنَّه إذا قبَّلَ أنزَلَ، لم تَحِلَّ له؛ لأنَّها مُفسِدةٌ لِصَومِه، فحَرُمَت، كالأكلِ ((المغني)) لابن قدامة ( 3/127).

انظر أيضا: