الموسوعة الفقهية

المبحث الأول: ما يُكرَهُ ويحرُمُ على الصَّائِم


المطلب الأول: المُبالغةُ في المضمضةِ والاستنشاقِ
تُكرَهُ المبالغةُ في المضمضةِ والاستنشاقِ للصَّائِمِ
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عن عاصمِ بنِ لقيطِ بنِ صبرةَ عن أبيه قال: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أخبِرْني عن الوضوءِ، قال: أسبِغِ الوُضوءَ، وبالِغْ في الاستنشاقِ، إلَّا أن تكونَ صائمًا ))
ثانيًا:من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ قُدامةَ
المطلب الثاني: الوِصالُ
يُكرَهُ الوِصالُ في الصَّومِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ، والمالكيَّة ، والحَنابِلة ، ووجه عند الشَّافِعيَّة ، وعليه أكثرُ أهلِ العلمِ
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه سَمِعَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لا تُواصِلوا، فأيُّكم إذا أرادَ أن يُواصِلَ فلْيُواصِلْ حتى السَّحَرِ. قالوا: فإنَّك تُواصِلُ يا رسولَ الله. قال: إنِّي لَسْتُ كَهَيئَتِكم؛ إني أَبِيتُ لي مُطعِمٌ يُطعِمُني وساقٍ يَسقِيني ))
وجه الدلالة:
أنَّ النَّهيَ في الحديثِ مَحمولٌ على الكراهةِ؛ لأنَّ النَّهيَ وقع رِفقًا ورحمةً وشَفقةً على الأمَّةِ، كيلا يشُقَّ عليهم، ولهذا واصَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
المطلب الثالث: ذَوْقُ الطَّعامِ بِغَيرِ حاجةٍ
يُكرَهُ ذَوقُ الطَّعامِ بِغَيرِ حاجةٍ ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ الحَنَفيَّة ، والمالكيَّة ، والشَّافِعيَّة ، والحَنابِلة
وذلك لأنَّه ربَّما يَنزِلُ شَيءٌ من هذا الطَّعامِ إلى جَوفِه، من غيرِ أن يشعُرَ به، فيكونُ في ذَوقِه لهذا الطعامِ تَعريضٌ لِفَسادِ الصَّومِ، وأيضًا ربَّما يكونُ مُشتَهِيًا للطَّعام كثيرًا فيتذوَّقُه؛ لأجْلِ أن يتلذَّذَ به، وربما يمتَصُّه بقُوَّةٍ، ثم ينزِلُ إلى جوفه
المطلب الرابع: القُبلةُ
تَحرُمُ القُبلةُ على الصَّائِمِ، إذا لم يأمَن من الجِماعِ أو الإنزالِ وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة والشَّافِعيَّة والحَنابِلة وحُكي الإجماعُ على ذلك
الأدِلَّة:
أولا مِن السُّنَّةِ:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقَبِّلُ وهو صائِمٌ، ويُباشِرُ وهو صائِمٌ، ولكنَّه أمْلَكُكم لإِرْبِه ))
ثانيًا: لأنَّه إذا لم يأمَنْ أنَّه إذا قبَّلَ أنزَلَ، لم تَحِلَّ له؛ لأنَّها مُفسِدةٌ لِصَومِه، فحَرُمَت، كالأكلِ

انظر أيضا:

  1. (1) قال ابنُ عُثيمين: (المبالغة في المضمضة: أن تُحرِّكَ الماءَ بقوَّةٍ وتَجعَلُه يصلُ كلَّ الفَمِ، والمبالغة في الاستنشاق: أن يجذِبَه بنَفَسٍ قَويٍّ) ((الشرح الممتع)) (1/171).
  2. (2) رواه أبو داود (2366)، والترمذي (788)، والنسائي (1/66) (87)، وابن ماجه (407)، وأحمد (4/32) (16427)، وابن حبان (3/368) (1087)، والحاكم (1/248).  قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه النووي في ((شرح صحيح مسلم)) (3/105) وابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/592) وابن حجر في ((الإصابة)) (3/329)، والألباني في ((صحيح ابن ماجهـ)) (333) وغيرهم.
  3. (3) قال ابنُ قدامة: (معنى المبالغةِ في الاستنشاقِ: اجتذابُ الماء بالنَّفَسِ إلى أقصى الأنفِ ولا يجعَلُه سَعُوطًا، وذلك سنَّةٌ مستحَبَّةٌ في الوضوء إلَّا أن يكون صائمًا، فلا يُستَحَبُّ. لا نعلمُ في ذلك خلافًا) ((المغني)) (1/77).
  4. (4) الوصالُ هو: أن يواصِلَ الصَّائِم بين يومينِ، فلا يأكُلُ بينهما شيئًا.
  5. (5) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/278)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/350).
  6. (6) ((الشرح الكبير)) للدردير (2/213).
  7. (7) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/247).
  8. (8) اختلف الشَّافِعيَّة في كراهةِ الوِصالِ: هل هي كراهةُ تحريمٍ أم كراهةُ تنزيهٍ؟ قال النووي: (أمَّا حُكمُ الوصالِ فهو مكروهٌ بلا خلافٍ عندنا، وهل هي كراهةُ تحريمٍ أم تنزيهٍ؟ فيه وجهان اللذان ذكرهما المصنِّفُ، وهما مشهوران، ودليلهما في الكتاب أصحُّهما عند أصحابنا، وهو ظاهِرُ نص الشَّافعي؛ كراهةُ تَحريمٍ) ((المجموع)) (6/374)، وانظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/471).
  9. (9) ((المغني)) لابن قدامة (3/175)، ((تفسير القرطبي)) (2/329).
  10. (10) رواه البخاري (1963).
  11. (11) ((الفروع)) لابن مفلح (5/ 95، 96).
  12. (12) قال ابنُ تيمية: (وذَوقُ الطَّعامِ يُكرَهُ لغير حاجةٍ؛ لكِنْ لا يُفَطِّرُه، وأمَّا للحاجة فهو كالمَضمضةِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/266 - 267).
  13. (13) ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/301)، وينظر: (((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/106).
  14. (14) ((الشرح الكبير)) للدردير (1/517).
  15. (15) ((المجموع)) للنووي (6/369).
  16. (16) ((الإنصاف)) للمرداوي (3/231).
  17. (17) قال ابنُ عُثيمين أيضا: (لا يُبطِلُ الصَّومَ ذَوقُ الطَّعامِ إذا لم يبتلِعْه، ولكِن لا تَفعَلْه إلَّا إذا دعَتِ الحاجةُ إليهـ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/357).
  18. (18) قال البهوتي: ( (وكذا دواعي الوَطءِ كُلُّها ) من اللَّمسِ، وتَكرارِ النَّظَرِ؛ حُكمُها حُكمُ القُبلة) كشاف القناع 2/330
  19. (19) فإنْ أمِنَ من الإنزالِ أو الجِماعِ، فتكونُ خِلافَ الأَوْلى عند الشَّافِعيَّة إنْ لم تتحَرَّكْ شَهوَتُه، وعند الحَنابِلة إن تحَّرَكت شَهوتُه كُرِهَ، وإن لم تتحَرَّكْ لم يُكرَه، وهي مكروهةٌ عند المالكيَّة حتى إن عَلِمَ السَّلامةَ مِن الإنزالِ. أمَّا عند الحَنَفيَّة فإن أَمِنَ من الإنزالِ أو الجِماعِ، فلا بأسَ بها، وإن لم يأمَنْ كُرِه. ينظر: ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي)) (1/ 324).
  20. (20) ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/518)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/ 244)، ((الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني)) (ص: 310).
  21. (21) ((المجموع)) للنووي (6/370).
  22. (22) ((كشاف القناع)) (2/330).
  23. (23) قال ابنُ عبد البر: (ولا أعلم أحدًا رخَّصَ فيها لِمَن يَعلَمُ أنَّه يتولَّدُ عليه منها ما يُفسِدُ صَومَهـ). ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)) (5/114).
  24. (24) رواه البخاري (1927)، ومسلم (1106).
  25. (25) ((المغني)) لابن قدامة ( 3/127).