الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: ما يُباحُ للصَّائِمِ


المطلب الأول: تأخيرُ الجُنُبِ والحائضِ إذا طَهُرَت الاغتسالَ إلى طُلوعِ الفَجرِ
الفرع الأول: تأخيرُ الجُنُبِ الاغتسالَ إلى طلوعِ الفَجرِ
يباحُ للجُنُبِ أن يؤخِّرَ الاغتسالَ مِن الجنابةِ إلى طُلوعِ الفَجرِ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ وأمِّ سلَمةَ: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُدرِكُه الفَجرُ وهو جُنُبٌ مِن أهلِه، ثم يغتَسِلُ ويَصومُ )) رواه البخاري (1925، 1926)، ومسلم (1109).
ثانيًا: من الإجماع
 نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ العربيِّ قال ابنُ العربي: (إذا جوَّزْنا له الوطءَ قبل الفجرِ، ففي ذلك دليلٌ على جوازِ طُلوعِ الفَجرِ عليه وهو جنبٌ; وذلك جائزٌ إجماعًا; وقد كان وقع فيه بين الصَّحابة رضوان الله عليهم أجمعين كلامٌ، ثم استقَرَّ الأمرُ على أنَّه من أصبَحَ جُنُبًا، فإنَّ صَومَه صَحيحٌ) ((أحكام القرآن)) (1/134). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (الجنُب له أن يؤخِّرَ الغُسلَ حتى يُصبِحَ ثم يغتَسِل ويُتِم صَومَه في قولِ عامَّةِ أهل العلم؛ منهم علي وابن مسعود، وزيد وأبو الدرداء، وأبو ذر وابن عمر، وابن عباس وعائشة، وأم سلمة رَضِيَ اللهُ عنهم، وبه قال مالك والشَّافعي في أهل الحجاز، وأبو حنيفة والثوري في أهل العراق، والأوزاعي في أهل الشَّام، والليث في أهل مصر، وإسحاق وأبو عبيد في أهل الحديث، وداود في أهل الظاهر، وكان أبو هريرة يقول: لا صَومَ له، ويروي ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم رجع عنه، قال سعيدُ بنُ المسيِّب: رجع أبو هريرة عن فُتْياه. وحكي عن الحسن وسالم بن عبد الله قالا: يُتِمُّ صَومَه ويقضي. وعن النَّخَعي في روايةٍ: يقضي في الفَرضِ دونَ التطوُّعِ. وعن عُروةَ وطاوس: إن عَلِمَ بجَنابَتِه في رمضانَ فلم يغتَسِلء حتى أصبَحَ، فهو مُفطِرٌ، وإن لم يعلَمْ فهو صائمٌ) ((المغني)) (3/148). ، وابنُ حَجرٍ قال ابنُ حجر: (فقد يحتَلِمُ بالنَّهارِ فيجبُ عليه الغُسلُ، ولا يحرم عليه، بل يُتِمُّ صَومَه إجماعًا، فكذلك إذا احتَلَمَ ليلًا، بل هو من بابِ الأَوْلى) ((فتح الباري)) (4/148).
الفرع الثاني: تأخيرُ الحائِضِ الاغتسالَ إلى طلوعِ الفَجرِ
يُباحُ للحائِضِ إذا طهُرَتْ أن تؤخِّرَ الاغتسالَ مِنَ الحيضِ إلى طلوعِ الفَجرِ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (2/253). ، والمالكيَّة ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/339)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/311). ، والشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/368). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/322)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/149). ؛ وذلك قياسًا على الجُنُبِ إذا أخَّرَ اغتسالَه إلى طُلوعِ الفَجرِ ((المغني)) لابن قدامة (3/149).
المطلب الثاني: المضمضةُ والاستنشاقُ
يُباحُ للصَّائِمِ المضمضةُ والاستنشاقُ مِن غَيرِ مُبالغةٍ.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/266).
ثانيًا: وذلك لأنَّ الفَمَ في حُكمِ الظَّاهر، لا يَبطُلُ الصَّومُ بالواصِلِ إليه، كالأنفِ والعَينِ ((المغني)) لابن قدامة (3/ 123).
المطلب الثالث: اغتسالُ الصَّائِم وتبَرُّدُه بالماءِ   
لا بأسَ أن يغتَسِلَ الصَّائِمُ، أو يصُبَّ الماءَ على رأسِه مِن الحَرِّ أو العَطشِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/123). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/426)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/271). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/361)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/461). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/483) وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/124).
الأدِلَّة من السنة:
1- عن عائشةَ وأمِّ سَلمةَ رَضِيَ الله تعالى عنهما قالتا: ((نشهَدُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إن كان لَيُصبِحُ جُنُبًا، من غيرِ احتلامٍ، ثم يغتَسِلُ ثم يصومُ )) رواه البخاري (1931، 1932)، ومسلم (1109).
2- عن بعض أصحابِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لقد رأيتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالْعَرْجِ قال ابنُ حجر: (الْعَرْجُ: بفتح أوله وإسكان ثانيه: قَريةٌ جامِعةٌ قريبةٌ مِن الأبواءِ). ((فتح الباري)) (4/ 56). يصُبُّ الماءَ على رأسِه وهو صائِمٌ، مِن العَطَشِ، أو مِنَ الحَرِّ )) رواه أبو داود (2365)، وأحمد (4/63) (16653)، ومالك في ((الموطأ)) (3/420) (1032) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2/196) (3029).  قال ابنُ عبدِ البَرِّ في ((التمهيد)) (22/47): صحيح، وصحح إسناده ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (3/153)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/210): رجال إسناده رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2365)
المطلب الرابع: ذَوقُ الطَّعامِ عند الحاجةِ
يُباحُ للصَّائِمِ ذَوقُ الطَّعامِ عند الحاجةِ أو المصلحةِ، كمعرفةِ استواءِ الطَّعامِ أو مِقدارِ مُلوحَتِه، أو عند شرائِه لاختِبارِه، بِشَرطِ أن يَمُجَّه بعد ذلك، أو يغسِلَ فَمَه، أو يدلُك لِسانَه، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 448)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/106). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/369). والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/231)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/329).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((لا بأسَ أن يتطَعَّمَ القِدْرَ، أو الشَّيءَ)) أورده البخاري في صحيحه (باب اغتسال الصَّائِم)، معلَّقًا بصيغة الجزم، ووصله ابن أبي شيبة في ((مصنفه)). (9370) بلفظ: (لا بأسَ أن يتطاعَمَ الصَّائِم من القِدْرِ)، وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/354) و حسن إسناده الألباني في: ((إرواء الغليل)) (4/86).
ثانيًا: لِعَدمِ الفِطرِ صُورةً ومَعنًى.
ثالثًا: لأنه لم يدخُلْ إلى حَلْقِه شيءٌ، فأشبَهَ المَضمضةَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/266 - 267).
المطلب الخامس: القُبلةُ والمُباشرةُ لِمَن مَلَكَ نَفسَه
يُباحُ للصَّائِمِ القُبلةُ والمباشَرةُ فيما دون الفَرجِ، بشرْطِ أن يملِكَ نَفسَه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/123). والشَّافِعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (2/362). والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/330).
الدليل من السنة:
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقبِّلُ وهو صائم، ويباشِرُ وهو صائِمٌ، ولكِنَّه أملَكُكم لإرْبِه )) رواه البخاري (1927)، ومسلم (1106).
المطلب السادس: التطيُّبُ وشَمُّ الرَّوائحِ والبَخورِ
الفرع الأول: شَمُّ الطِّيبِ والرَّوائِحِ
يجوزُ للصَّائِمِ التطيُّبُ وشَمُّ الرَّوائِحِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/395،417)، وينظر: ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي(ص: 245). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/349)، وينظر: ((حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي)) (2/249). لكنَّ المالكيَّة يرونَ الكراهةَ للصَّائمِ غيرِ المُعتكِف. ينظر: ((الشرح الصغير مع حاشية الصاوي)) (1/735). ، والشَّافِعيَّة ((أسنى المطالب)) (1/422)، ((حاشية الشرواني على تحفة المحتاج)) (3/434)، لكنَّ الشَّافِعيَّةَ يرون كراهةَ شَمِّ الطِّيبِ للصَّائِمِ. ينظر: ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (2/280). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/330)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (2/203). لم ينصَّ الحنابلةُ على حكمِ مَن استنشَقَ البَخورَ، لكِنْ قالوا: يُكرَهُ للصَّائِمِ شَمُّ ما لا يأمَنُ أن يجذِبَه نَفَسُه إلى حَلْقِه، كبَخورٍ وعُودٍ وعَنبرٍ، وقالوا بفسادِ صَومِ مَن ابتلَعَ الدُّخَانَ قَصدًا.
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الصَّائِمَ لم يَنْهَ عن التطيُّبِ، فدَلَّ على جوازِه ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/242).
ثانيًا: لأنَّه لا يتصاعَدُ إلى جسمِ الصَّائِم منها شيءٌ سوى مجرَّدِ الرَّائحةِ ((فتاوى نور على الدرب)) لابن عُثيمين (ص: 249)
ثالثًا: أنَّ الرَّوائحَ عِبارةٌ عن هواءٍ تطيَّبَ بريحِ المِسكِ وشِبهِه ((حاشية ابن عابدين)) (2/395). والرَّائحةُ لا جِسمَ لها ((حاشية الدسوقي)) (1/525)
الفرع الثاني: حكمُ استنشاقِ البَخورِ
اختلف أهلُ العِلمِ في حُكمِ استنشاقِ البَخورِ للَّصائِمِ: هل يفطِرُ أم لا؛ على قولين:
القول الأول: استنشاقُ البَخورِ أمَّا مجرَّدُ شَمِّه بلا استنشاقٍ ودون تعمُّدٍ، فيجوزُ ولا يُفسِدُ الصَّومَ. ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/266)، ((مجموع فتاوى ابن عُثيمين)) (19/223). يُفسِدُ الصَّومَ لم ينُصَّ الحَنابِلةُ على حكمِ منَ استنشَقَ البَخورَ، لكنْ قالوا: يُكرَهُ للصَّائِمِ شَمُّ ما لا يأمَنُ أن يجذِبَه نَفَسُه إلى حَلْقِه، كبَخورِ عُودٍ وعنبر، وقالوا بفَسادِ صَومِ مَن ابتلَعَ الدُّخانَ قصدًا. ينظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/320-321). وهو مذهَبُ الحَنَفيَّةِ ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 245)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/395،417)، وينظر: ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/202). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/735). وقد اشتَرَطوا وصولَه إلى الحَلْقِ. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 348، 349). ؛ واختاره ابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (شمُّ الصَّائِمِ للطِّيبِ لا بأسَ به، سواءٌ كان دُهنًا أو بَخورًا، لكنْ إذا كان بَخورًا لا يُستنشَق دُخَانُه، لأنَّ الدُّخَانَ له جِرمٌ ينفُذُ إلى الجَوفِ، فهو جِسمٌ يدخُلُ إلى الجوفِ، فيكونُ مفطِّرًا كالماء وشِبْهِه، وأمَّا مجرَّدُ شَمِّه بدون أن يستنشِقَه، حتى يصل إلى جوفِه؛ فلا بأسَ به) ((مجموع فتاوى ابن عُثيمين)) (19/223). ؛ وذلك لأنَّ دُخانَ البَخورِ له جِرْمٌ ينفُذُ إلى الجَوفِ، فيكونُ مُفَطِّرًا كالماءِ يُنظر: (( مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/223).
القول الثاني: استنشاقُ البَخورِ لا يُفسِدُ الصَّومَ، وهو مذهَبُ الشَّافِعيَّة ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (3/ 400)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/ 169). وقولُ ابنِ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (ولا ينقضُ الصَّومَ حِجامةٌ ولا احتلام، ولا استِمناءٌ... ولا حقنةٌ ولا سَعوطٌ ولا تقطيرٌ في أذن، أو في إحليل، أو في أنف، ولا استنشاقٌ وإن بلغ الحلْقَ، ولا مضمضةٌ دخلت الحَلْقَ مِن غير تعمُّدٍ، ولا كُحل- أو إن بلغ إلى الحَلق نهارًا أو ليلًا- بعقاقيرَ أو بغيرها، ولا غبارُ طحنٍ، أو غربلةُ دَقيقٍ، أو حِنَّاء، أو غيرُ ذلك، أو عطرٌ، أو حنظلٌ، أو أيُّ شيءٍ كان). ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (4/ 335، 336). واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (وإذا كانت الأحكامُ التي تعمُّ بها البلوى لا بدَّ أن يبيِّنَها الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيانًا عامًّا، ولا بدَّ أن تنقُلَ الأمةُ ذلك؛ فمعلومٌ أنَّ الكُحلَ ونحوه ممَّا تعُمُّ به البلوى كما تعُمُّ بالدُّهنِ والاغتسالِ والبَخورِ والطِّيبِ. فلو كان هذا ممَّا يفطِّرُ لبَيَّنَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما بيَّنَ الإفطارَ بِغَيرِه، فلمَّا لم يبيِّنْ ذلك عُلِمَ أنَّه من جِنسِ الطِّيب والبَخورِ والدُّهنِ، والبَخورُ قد يتصاعَدُ إلى الأنفِ ويدخُلُ في الدِّماغِ، وينعقِدُ أجسامًا، والدُّهنُ يَشرَبُه البَدَنُ ويدخُلُ إلى داخِلِه، ويتقوَّى به الإنسانُ، وكذلك يتقوَّى بالطِّيبِ قُوَّةً جيِّدةً، فلماَّ لم يُنْهَ الصَّائِمُ عن ذلك دلَّ على جوازِ تَطييبِه وتبخيرِه وادِّهانِه، وكذلك اكتحالُه، وقد كان المسلمونُ في عَهْدِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُجرَحُ أحَدُهم إمَّا في الجهادِ، وإما في غيرِه مأمومةً وجائفةً، فلو كان هذا يُفطِّرُ لَبَيَّنَ لهم ذلك، فلما لم يَنْهَ الصَّائِمَ عن ذلك، عُلِمَ أنه لم يجعَلْه مُفَطِّرًا.) ((مجموع الفتاوى)) (25/ 241).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه لم يَرِدْ دَليلٌ على كَونِه مُفطِّرًا.
ثانيًا: أنَّه لو كان هذا ممَّا يُفطِّرُ، لبَيَّنَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كما بيَّنَ الإفطارَ بغيرِه، فلمَّا لم يُبَيِّنْ ذلك عُلِمَ أنَّه لا يُفطِّرُ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/ 241).
ثالثًا: لأنَّه ليس بأكلٍ ولا شُربٍ، ولا ممَّا يتغَذَّى به البدَنُ ويسْتَحيلُ في المَعِدةِ دمًا ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/247).
المطلب السابع: استعمالُ السِّواكِ ومَعجونِ الأسنانِ ونَحوِهما
الفرع الأول: حكمُ استعمالِ الصَّائِمِ للسِّواكِ
يُباحُ للصَّائِمِ استعمالُ السِّواكِ في أيِّ وقتٍ، سواءٌ كان قبل الزَّوالِ أو بعدَه؛ ذهب إلى ذلك الحَنَفيَّة ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/302). ، والمالكية ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/352)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/259).  وكَرِهَ المالكيَّةُ السِّواكَ بالعُودِ الرَّطْبِ؛ لِمَا يتحَلَّلُ منه. ، وحُكِيَ عن الشافعي قال الترمذي: (ولم يرَ الشَّافعيُّ بالسِّواكِ بأسًا أوَّلَ النَّهارِ ولا آخِرَه) ((سنن الترمذي)) (3/95). ، وهو قولُ بعضِ الشَّافعية ((المجموع)) للنووي (1/276)، ((غاية البيان شرح زبد ابن رسلان)) للرملي (ص: 157). ، ورواية عن أحمد ((المغني)) لابن قدامة (1/72)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/53). ، وهو اختيارُ النووي قال النووي: (وحكى أبو عيسى في جامِعِه في كتابِ الصِّيامِ عن الشافعي رحمه الله، أنَّه لم يَرَ بالسِّواكِ للصَّائِمِ بأسًا أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه، وهذا النقلُ غريبٌ، وإن كان قويًّا من حيثُ الدَّليلُ، وبه قال المُزَني وأكثَرُ العلماءِ، وهو المختارُ). ((المجموع)) (1/276). ، وابنِ تيمية قال ابنُ تيمية: (وأمَّا السِّواكُ فجائِزٌ بلا نزاعٍ، لكن اختلفوا في كراهيتِه بعد الزَّوالِ على قولين مشهورينِ، هما روايتان عن أحمد. ولم يقُمْ على كراهيتِه دليلٌ شرعيٌّ يصلُحُ أن يخُصَّ عُموماتِ نُصوصِ السِّواكِ، وقياسُه على دَمِ الشَّهيدِ ونَحوِه ضعيفٌ من وُجوهِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/266). ، وابن القيِّم قال ابنُ القيم: (ويُستَحبُّ للمُفطِرِ والصَّائِم فى كلِّ وقتٍ؛ لعموم الأحاديث فيه؛ ولحاجةِ الصَّائِم إليه؛ ولأنه مرضاةٌ للرَّبِّ، ومرضاتُه مطلوبةٌ في الصَّومِ أشدَّ من طلبِها في الفِطرِ؛ ولأنه مَطْهَرَةٌ للفَمِ، والطُّهورُ للصَّائِمِ مِن أفضَلِ أعمالِه) ((زاد المعاد)) (4/323). ، والشَّوكاني قال الشوكاني: (فالحقُّ أنَّه يُستحَبُّ السِّواكُ للصَّائِمِ أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه، وهو مذهَبُ جمهورِ الأئمَّةِ) ((نيل الأوطار)) (1/108). ، وابنِ باز قال ابنُ باز: (يُشرَعُ استعمالُ السِّواكِ للصائم في أوَّلِ النَّهارِ وآخِرِه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/261). ، والألباني قال الألباني- في تعليقه على حديث (( كان يستاكُ آخِرَ النَّهارِ وهو صائم))- قال: باطل..... ويُغني عن هذا الحديث في مشروعيَّة السواك للصائم في أي وقتٍ شاءَ؛ أوَّلَ النَّهارِ أو آخِرَه، عمومُ قِولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمَرْتُهم بالسِّواكِ عندَ كُلِّ صَلاةٍ)). ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (1/578). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا التسَوُّكُ، فهو سنَّةٌ للصَّائِمِ كغَيرِه، في أوَّلِ النَّهارِ وآخِرِه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/228). وهو قَولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (اختلف الفُقَهاءُ في السِّواكِ للصَّائِمِ، فرخص فيه مالك وأبو حنيفة وأصحابهما، والثوري والأوزاعي وابن عُلَيَّة، وهو قول إبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين، وعروة بن الزبير، ورُوِيَت الرخصة فيه عن عمر وابن عباس، وليس عن واحدٍ منهم فرقٌ بين أوَّلِ النَّهارِ وآخِرِه، ولا بين السِّواكِ الرَّطْبِ واليابِسِ) ((التمهيد)) (19/58). ، وأكثَرِ العُلماء قال النووي: (وحكى أبو عيسى في جامِعِه في كتابِ الصِّيامِ عن الشافعي رحمه الله: أنَّه لم يَرَ بالسِّواكِ للصَّائِمِ بأسًا، أوَّلَ النَّهارِ وآخِرَه... وبه قال المُزَني وأكثرُ العُلَماءِ) ((المجموع)) (1/276).
وذلك للآتي:
أولًا: لعمومِ الأحاديثِ الواردةِ في استحبابِ السِّواكِ ((المغني)) لابن قدامة (1/72)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/53). ، ولم يُفَرِّق بين الصَّائِم وغيرِه ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/259).
ثانيًا: أنَّه تطهيرٌ للفَمِ، فلا يُكرَهُ للصَّائِمِ، كالمضمضةِ ((المبسوط)) للسرخسي (3/178).
الفرع الثاني: حُكمُ استعمالِ الصَّائِمِ معجونَ الأسنانِ
يجوزُ أن يستعمِلَ الصَّائِمُ معجونَ الأسنانِ، لكنْ ينبغي الحَذَرُ مِن نَفاذِه إلى الحَلْقِ؛ وهو قولُ ابنِ باز قال ابنُ باز: (تنظيفُ الأسنانِ بالمعجونِ لا يُفطِرُ به الصَّائِمُ، كالسِّواكِ، وعليه التحرُّزُ مِن ذَهابِ شَيءٍ منه إلى جَوفِه، فإن غلَبَه شَيءٌ من ذلك بدون قَصدٍ، فلا قضاءَ عليه) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/260). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (استعمالُ المعجونِ للصَّائِمِ، لا بأس به إذا لم يَنزِلْ إلى مَعِدَتِه، ولكِنَّ الأَوْلى عدَمُ استعمالِه؛ لأنَّ له نفوذًا قويًّا، قد ينفُذُ إلى المَعِدَةِ والإنسانُ لا يشعر به؛ ولهذا قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِلَقيط بن صبرة: ((بالِغْ في الاستنشاقِ إلَّا أن تكونَ صائمًا))، فالأَوْلى ألَّا يَستعمِلَ الصَّائِمُ المعجونَ، والأمرُ واسعٌ، فإذا أخَّرَه حتى أفطَرَ، فيكونُ قد توقَّى ما يُخشى أن يكونَ به فَسادُ الصَّومِ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/354). ، وذهب إلى هذا مَجمعُ الفِقهِ الإسلاميِّ ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي)) قرار رقم: 93 (1/10) بشأن المفطرات في مجال التداوي، ونص القرار: (الأمورُ الآتية لا تعتبَرُ من المفطِّرات:.... حَفرُ السِّنِّ، أو قلع الضِّرسِ، أو تنظيفُ الأسنان، أو السِّواكُ وفُرشاة الأسنان، إذا اجتنَبَ ابتلاعَ ما نفذ إلى الحَلْقِ) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (رقم العدد: 10). وانظر: ((موقع المجمع الإلكتروني)). ، وذلك قياسًا على السِّواكِ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/261).
المطلب الثامن: الاكتحالُ 
يُباحُ للصَّائِمِ الاكتحالُ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/63)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/331). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/348). ، وقولُ طائفةٍ مِن السَّلَفِ قال النووي: (وحكاه ابنُ المُنذِر عن عطاءٍ والحَسَنِ البصري والنَّخَعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور، وحكاه غيره عن ابنِ عُمرَ وأنسٍ وابنِ أبي أوفى الصَّحابيَّينِ رضي الله عنهم، وبه قال داود) ((المجموع)) (6/348). ،  وهو قَولُ داودَ قال النووي: (فرعٌ: في مذاهب العلماء في الاكتحال: ذكَرْنا أنَّه جائزٌ عندنا ولا يُكرَه ولا يُفطَرُ به، سواءٌ وَجَد طعمَه في حلقِه أم لا... وبه قال داود) ((المجموع)) (6/348). ، واختيارُ ابنِ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية: (وأما الكُحلُ والحُقنةُ وما يُقطَرُ في إحليلِه، ومُداواةُ المأمومةِ والجائفةِ؛ فهذا مما تنازعَ فيه أهلُ العِلمِ؛ فمنهم من لم يُفَطِّرْ بِشَيءٍ من ذلك، ومنهم من فطَّرَ بالجميع لا بالكُحلِ، ومنهم من فطَّرَ بالجَميعِ لا بالتقطيرِ، ومنهم من لم يُفطِّرْ بالكُحلِ ولا بالتَّقطيرِ ويُفطِّرُ بما سوى ذلك. والأظهَرُ أنه لا يُفطِرُ بِشَيءٍ من ذلك) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (25/234). ، والشَّوكانيِّ قال الشوكاني- بعد أن نقل أنَّ الجُمهورَ على جوازِ الاكتحالِ للصَّائم-: (والظَّاهِرُ ما ذهب إليه الجُمهورُ؛ لأن البراءةَ الأصليَّةَ لا تنتقِلُ عنها إلَّا بدليلٍ، وليس في الباب ما يَصلُح للنَّقلِ) ((نيل الأوطار)) (4/205 - 206). ، وابنِ باز   ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/233 -234)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (4/205 - 206)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/260)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206)، ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) للألباني (3/80). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا قَطرةُ العَينِ ومِثلُها أيضًا الاكتحالُ، وكذلك القطرةُ في الأذنِ- فإنَّها لا تفَطِّرُ الصَّائِم) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206). ، والألبانيِّ قال الألباني: (ومنه يتبيَّنُ أنَّ الصَّوابَ أنَّ الكُحلَ لا يُفطِّرُ الصَّائِم، فهو بالنسبةِ إليه كالسِّواك، يجوز أن يتعاطاه في أيِّ وقتٍ شاء) ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (3/80).
وذلك لأنَّ العَينَ ليست مَنفَذًا للجَوفِ، ولو لطَّخ الإنسانُ قَدَمَيه ووجد طَعمَه في حلْقِه لم يُفَطِّرْه؛ لأنَّ ذلك ليس مَنفذًا، فكذلك إذا اكتحلَ في عينِه ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206).
المطلب التاسع: استعمالُ قطرةِ العَينِ
يُباحُ للصَّائِمِ استعمالُ قَطرةِ العَينِ، وقد ذهب إلى ذلك الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/63)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/93). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/348) (6/320). ، وهو اختيار ابن باز قال ابنُ باز: (وهكذا قَطرةُ العَينِ والأذُنِ، لا يُفطِرُ بهما الصَّائِمُ، في أصحِّ قَولَي العلماءِ، فإن وَجدَ طَعمَ القَطورِ في حَلْقِه، فالقضاءُ أحوَطُ ولا يجِبُ؛ لأنَّهما ليسا مَنفذَينِ للطَّعام والشراب، أمَّا القطرةُ في الأنفِ، فلا تجوزُ؛ لأنَّ الأنفَ مَنفَذٌ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/260 - 261). ، وابن عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا قطرة العينِ ومثلُها أيضًا الاكتحالُ، وكذلك القَطرةُ في الأذُنِ، فإنَّها لا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ جَوفَ العَينِ لا يتَّسِعُ لأكثرَ مِن قطرةٍ واحدةٍ، والقطرةُ الواحدةُ حَجمُها قليلٌ جدًّا، وإذا ثبت ذلك فإنَّه يُعفى عنه، فهو أقلُّ مِن القَدرِ المعفوِّ عنه ممَّا يبقى من المضمضةِ ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (رقم العدد: 10).
ثانيًا: لأنَّ هذه القطرةَ تُمتَصُّ جميعُها أثناء مُرورِها في القناةِ الدَّمعيةِ، ولا تصِلُ إلى البلعومِ، وعندما تُمتصُّ هذه القطرةُ تذهب إلى مناطِقِ التذوُّقِ في اللِّسانِ، فيشعرُ المريضُ بطَعمِها، كما قرَّرَ ذلك بعضُ الأطباء ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (رقم العدد: 10).
ثالثًا: أنَّ القطرةَ في العين لم يُنَصَّ على كونِها من المفطِّرات، وليست بمعنى المنصوصِ عليه، ولو لطخ الإنسانُ قَدَميه ووجد طعمَه في حلْقِه لم يُفَطِّرْه؛ لأن ذلك ليس مَنفَذًا، فكذلك إذا قَطرَ في عينِه؛ فالعينُ ليست مَنفذًا للأكلِ والشُّربِ ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206)، ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) (رقم العدد: 10).
المطلب العاشر: استعمالُ قَطرةِ الأذُنِ
يباحُ للصَّائِمِ استعمالُ قَطرةِ الأذُنِ، وهو قولُ ابنِ حَزمٍ ((المحلى)) (6/203). ، وابنِ عُثيمين قال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا قطرةُ العَينِ ومِثلُها أيضًا الاكتحالُ، وكذلك القطرةُ في الأذُنِ، فإنها لا تُفطِّرُ الصَّائِم) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/206). ، وابن باز قال ابنُ باز: (وهكذا قطرةُ العَينِ والأذن، لا يُفطِرُ بهما الصَّائِم في أصح قولَيِ العلماءِ، فإن وجَدَ طعمَ القَطورِ في حلقه، فالقضاءُ أحوَطُ ولا يجِبُ؛ لأنهما ليسا منفذَينِ للطَّعامِ والشراب، أمَّا القطرةُ في الأنفِ فلا تجوز؛ لأنَّ الأنفَ مَنفذٌ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/260 - 261). ؛ وذلك لأنَّ الأذُنَ ليست مَنفذًا للطَّعامِ والشَّرابِ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/263)، ((فتاوى أركان الإسلام)) لابن عُثيمين (ص: 479، 480).

انظر أيضا: