الموسوعة الحديثية


- مَن لم يكُنْ له بُدٌّ من الوِصالِ فلْيُواصِلْ من السَّحَرِ إلى السَّحَرِ، قِيلَ: يا رسولَ اللهِ، إنَّك تُواصِلُ، قال: إنِّي لَستُ كهَيئَتِكم، إنِّي أبِيتُ لي مُطعِمٌ يُطعِمُني، وساقٍ يَسْقيني.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب | الصفحة أو الرقم : 11822 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح | التخريج : أخرجه البخاري (1963)، وأبو داود (2361)، وأحمد (11822) واللفظ له
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجتَهِدُ في العِبادةِ أكثَرَ مِن أيِّ شَخصٍ آخَرَ، وكان له في ذلك أحوالٌ مع رَبِّه، يُعينُه ويُقَوِّيه على كَثرةِ التَّنَفُّلِ والتَّطوُّعِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ، وليس كُلُّ الناسِ على دَرَجاتٍ مُتَساويةٍ في القُدرةِ والتَّحَمُّلِ؛ ولذلك فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان دائِمَ الحَثِّ على الإتيانِ مِنَ العَمَلِ ما يَستَطيعُه المَرءُ ولا يَشُقُّ عليه.وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عنِ الوِصالِ، وهو صَومُ يَومَيْنِ -فصاعِدًا- مُتَواصِلَيْنِ مِن غَيرِ أكْلٍ أو شُربٍ بيْنهما، لا عِندَ المَغرِبِ، ولا في أثناءِ اللَّيلِ، ولا عِندَ السَّحَرِ، وكأنَّ الصَّحابةَ أبَوْا أنْ يَنتَهوا عنِ الوِصالِ، فقال لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن لم يَكُنْ له بُدٌّ مِنَ الوِصالِ فليُواصِلْ مِنَ السَّحَرِ إلى السَّحَرِ"، والمُرادُ بالسَّحَرِ: الطَّعامُ الذي يُؤكَلُ في وَقتِ السَّحَرِ، وهُو قُبَيلَ طُلوعِ الفَجرِ الصَّادِقِ، والمَعنى: أنَّ الوِصالَ الذي يُباحُ فِعلُه هو الذي بيْن هذَيْنِ الوَقتَيْنِ، فقيل لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّكَ تُواصِلُ"، أيْ: إنَّ فِعلَهم إنَّما هو اقتِداءٌ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّهم يَتشَبَّهونَ به في عِبادَتِه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنِّي لَستُ كهَيئَتِكم؛ إنِّي أبِيتُ لي مُطعِمٌ يُطعِمُني، وساقٍ يَسقيني"، يَعني: يُقَوِّيني على الصِّيامِ؛ حتى أكونَ بمَنزِلةِ مَن يأكُلُ ويَشرَبُ، وقيلَ: هو على ظاهِرِه، وأنَّه يَطعَمُ مِن طَعامِ الجَنَّةِ؛ كَرامةً له، وقدِ اختُلِفَ في تَأويلِ هذا الحَديثِ؛ فقيلَ: إنَّما نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الوِصالِ رِفقًا بأُمَّتِه، ورَحمةً بهم، والحِكمةُ في نَهْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَجَنُّبُ المَفسَدةِ المُتَرتِّبةِ على الوِصالِ، وهي المَلَلُ مِنَ العِبادةِ، والتَّعرُّضُ لِلتَّقصيرِ في بَعضِ وَظائِفِ الدِّينِ؛ مِن إتمامِ الصَّلاةِ بخُشوعِها وأذكارِها وآدابِها، ومُلازَمةِ الأذكارِ، وسائرِ الوَظائِفِ المَشروعةِ في نَهارِه ولَيلِه.