الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: الجِماع في نهارِ رمَضان متعمِّدًا


المطلب الأول: حُكم صومِ مَن جامع متعمِّدًا في نهار رمضانَ
من جامعَ متعمِّدًا في نهارِ رمضانَ، فسَدَ صَومُه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة: 187]
وجه الدلالة:
أنَّ الشَّارِعَ علَّقَ حِلَّ الرَّفَثِ إلى النِّساءِ- وهو الجِماع- إلى تبيُّنِ الخَيطِ الأبيضِ من الأسوَدِ مِن الفَجرِ، وهو وقتُ بدايةِ الصِّيامِ، ثمَّ يجِبُ إتمامُ الصِّيامِ والإمساكُ عن ذلك إلى اللَّيلِ، فإذا وُجِدَ الجِماع قبل اللَّيلِ فإنَّ الصيامَ حينئذٍ لم يتِمَّ، فيكونُ باطلًا ((الإحكام شرح أصول الأحكام)) لابن قاسم (2/ 242، 243).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاء إليه رجلٌ فقال: هلكْتُ يا رسولَ الله. قال: وما أهلَكَك؟ قال: وقعْتُ على امرأتي في رمضانَ، فقال: هل تجِدُ ما تُعتِقُ؟ قال: لا. قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابعينِ؟ قال: لا. قال: فهل تجِدُ إطعامَ سِتِّينَ مِسكينًا؟ قال: لا. قال: فمكث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيها تَمرٌ- والعَرَقُ: الْمِكتَلُ- قال: أين السَّائِلُ؟ فقال: أنا. قال: خذْ هذا فتصَدَّقْ به. فقال الرجُلُ: على أفقَرَ مني يا رسولَ اللهِ؟ فواللهِ ما بين لابَتَيْها- يريدُ الحَرَّتَينِ- أهلُ بَيتٍ أفقَرُ مِن أهل بيتي. فضَحِكَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: أطعِمْه أهلَك )) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له.
ثالثًا: الإجماع:
نقل الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (لم يختلف أهلُ العِلمِ أنَّ الله عزَّ وجلَّ حَرَّمَ على الصَّائِم في نهارِ الصَّومِ الرَّفَثُ، وهو الجِماع) ((الإشراف)) (3/120). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ...الجِماع في الفَرجِ للمرأة، إذا كان ذلك نهارًا بعَمْدٍ، وهو ذاكرٌ لِصيامِه؛ فإنَّ صيامَه ينتقِضُ). ((مراتب الإجماع)) (ص 39). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (لا نعلم بين أهلِ العلم خلافًا في أنَّ من جامَعَ في الفرجِ، فأنزَلَ أو لم يُنزِل, أو دونَ الفَرجِ فأنزَلَ؛ أنه يَفسُدُ صَومُه إذا كان عامدًا) ((المغني)) (3/134). ، وابن تيميَّة قال ابنُ تيمية: (ومعلومٌ أنَّ النصَّ والإجماعَ أثبتا الفِطرَ بالأكلِ والشُّربِ والجِماع والحَيضِ) ((مجموع الفتاوى)) (25/244).
المطلب الثاني: ما يترتَّبُ على الجِماع في نهارِ رمضانَ
يترتَّبُ على الجِماع في نهارِ رَمضانَ الأمورُ التالية:
أوَّلًا: الكفَّارةُ
تجب الكفَّارةُ على المُجامِعِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/327)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/98). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/342). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/344). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/325)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/140)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/249).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
حديثُ أبي هُريرة رَضِيَ اللهُ عنه، وفيه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للمُواقِعِ أهلَه في رمضانَ: هل تجِدُ ما تُعتِقُ؟ قال: لا. قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابعَينِ؟ قال: لا. قال: فهل تجِدُ إطعامَ ستِّينَ مِسكينًا؟ قال: لا )) رواه البخاري (6711)، ومسلم (1111).
مسألة: الترتيبُ في الكفَّارةِ
كفَّارةُ من جامَعَ في نهارِ رَمَضانَ تكونُ على التَّرتيبِ فيُعتِقُ رَقبةً، فإنْ لم يجِدْ فيصومُ شهرينِ متتابعيِن، فإن لم يستطِعْ فيُطعمُ ستينَ مِسكينًا. وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/125)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/328). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/345)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/442). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/54)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/228). ، والظاهرية ((المحلى)) لابن حزم (6/197).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، جاء إليه رجُلٌ، فقال: هلكتُ يا رسولَ الله، قال: وما أهلَكَك؟ قال: وقعتُ على امرأتي في رمضانَ، فقال: هل تجِد ما تُعتِقُ؟ قال: لا، قال: هل تستطيعُ أن تصومَ شَهرينِ مُتَتابِعَينِ؟ قال: لا، قال: فهل تجِد إطعامَ ستِّين مسكينًا؟ قال: لا، قال: فمكَث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينا نحن على ذلك، أُتِيَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعَرَقٍ فيها تمرٌ- والعَرَقُ: المِكتَلُ- قال: أين السَّائلُ؟ فقال: أنا، قال: خُذْ هذا فتصدَّقْ به، فقال الرجُلُ: على أفقرَ مني يا رسولَ الله؟ فواللهِ ما بين لابَتَيها- يريدُ الحرَّتينِ- أهلُ بيتٍ أفقرُ من أهلِ بيتي، فضحِك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بدَتْ أنيابُه، ثم قال: أطعِمْه أهلَك )) رواه البخاري (1936)، ومسلم (1111) واللفظ له.
ثانيًا: القَضاءُ
المجامِع في نهارِ رَمَضان يَقضي ذلك اليومَ الذي أفسَدَه بالجِماع، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة قال السرخسي: (وإن جامَعَها متعمِّدًا، فعليه أن يُتِمَّ صَومَ ذلكَ اليومِ بالإمساك؛ تشبُّهًا بِالصَّائِمين، وعليه قضاءُ ذلكَ اليومِ، والكفَّارةُ، أما وجوبُ القَضاءِ فَقولُ جُمهورِ العُلَماء) ((المبسوط)) (3/66). وقال الكمال ابن الهمام: (فعليه القضاءُ؛ استدراكًا للمصلحةِ الفائتةِ، والكفَّارةُ) ((فتح القدير)) (2/336). ، والمالكيَّة ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/284، 285)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/342). والشَّافِعيَّة قال النووي: (يجب على المُكَفِّرِ مع الكفَّارةِ قَضاءُ اليومِ الذي جامع فيه. هذا هو المشهورُ مِن مَذهَبِنا) ((المجموع)) (6/344). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/325).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه أفسَدَ صَومَه الواجِبَ، فلَزِمَه القضاءُ، كالصَّلاةِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/400).
ثانيًا: لأنَّه إذا وجبَ القَضاءُ على المُفطِر بعُذرٍ، فعلى المتعَمِّدِ من بابِ أَوْلى ((الكافي)) لابن قدامة (1/ 444).
المطلب الثالث: ما يلزَمُ المرأةَ إذا جُومِعَت في نهار رمضانَ طائعةً
إذا جومِعَت المرأةُ في نهار رمضانَ طائعةً، يلزَمُها القضاءُ، والكفَّارةُ، وهو مذهَبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/327)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/98). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/433)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/268، 285). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/325)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/137)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/57). ، وقولٌ عند الشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/331).
- أما القضاءُ: فـلأنَّه فاتها الصيامُ بلا عُذرٍ، فوجب عليها القضاءُ ((الكافي)) لابن قدامة (1/ 444).
- وأما الكفَّارة: فقياسًا على الرجُلِ؛ لأنَّ الأحكامَ الشرعيَّةَ تستوي فيها المرأةُ مع الرجُلِ، ما لم يدُلَّ دليلٌ على خلافِه، والمرأةُ هتكَت صَومَ رَمضانَ بالجِماع، فوجَبَت عليها الكفَّارةُ كالرَّجُلِ ((المغني)) لابن قدامة (3/137).
- ولأنَّ الكفَّاراتِ لا يُتشارَكُ فيها، فكلٌّ منهما حصل منه ما يُنافي الصِّيامَ من الجِماع، فكان على كلٍّ منهما كفَّارةٌ ((المغني)) لابن قدامة (3/137).
المطلب الرابع: حكمُ من جامَعَ ناسيًا
من جامع ناسيًا، فصَومُه صحيحٌ، ولا يلزَمُه شيءٌ، وهذا مذهَبُ الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/61)، وينظر: (فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/338). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/324)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/374)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/109). ، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلَف نقل ابنُ المنذر هذا القولَ عن مجاهد والحسن البصري والثوري والشَّافعي وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي. يُنظر: ((الإشراف)) (3/109). ، واختاره ابنُ تيميَّةَ قال ابنُ تيمية (والمُجامِعُ الناسي فيه ثلاثةُ أقوالٍ فى مذهب أحمد وغيرِه، ويُذكَر ثلاث روايات عنه: إحداهما: لا قضاءَ عليه ولا كفَّارة، وهو قول الشَّافعي وأبي حنيفة والأكثرينَ. والثانية: عليه القضاءُ بلا كفَّارةٍ، وهو قول مالك. والثالثة: عليه الأمران، وهو المشهور عن أحمد, والأوَّلُ أظهَرُ) ((مجموع الفتاوى)) (25/226). ، وابنُ القيِّمِ قال ابنُ القيم: (وطَرْدُه أيضًا: أنَّ من جامع في إحرامِه أو صيامِه ناسيًا، لم يَبطُلْ صِيامُه ولا إحرامُه) ((إعلام الموقعين)) (2/54). ، والصنعاني قال الصنعاني: (.... الحديث دليلٌ على أنَّ من أكل أو شَرِبَ أو جامع ناسيًا لِصَومِه؛ فإنَّه لا يُفَطِّره ذلك؛ لدَلالةِ قَولِه: ((فَليُتِمَّ صَومَه)) على أنَّه صائِمٌ حقيقةً). ((سبل السلام)) (2/160). ، والشَّوكاني قال الشوكاني: (واعلمْ أنَّ من فعل شيئًا من المفَطِّرات- كالجِماع ناسيًا- فله حُكمُ من أكلَ أو شَرِبَ ناسيًا، ولا فَرْقَ بين مُفَطِّرٍ ومُفَطِّرٍ) ((السيل الجرار)) (1/285). ، وابنُ عُثيمين ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/147).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُريرةَ مرفوعًا بلفظ: ((من أفطَرَ في شهرِ رَمضانَ ناسيًا؛ فلا قضاءَ عليه ولا كفَّارةَ )) رواه ابن خزيمة (1990)، وابن حبان (3521)، والدارقطني (2243)، والحاكم في ((المستدرك)) (1569)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8074) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال النووي في ((المجموع)) (6/324): إسناده صحيح أو حسن، وصحح إسناده الشوكاني في ((الدراري المضية)) (173)، وحسن إسناده الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/87)، وصحح الحديث ابن عثيمين في ((شرح بلوغ المرام)) (3/224).
وجه الدلالة:
أنَّ الفِطرَ هنا أعَمُّ مِن أن يكونَ بأكلٍ أو شُربٍ، فيشمَلُ الجِماع ((سبل السلام)) للصنعاني (2/160)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 437).
2- الأحاديثُ الواردةُ في الكفَّارة في الجِماع، في بعضِها ((هلكْتُ))، وفي بعضها ((احترَقْتُ احتَرَقْتُ))، وهذا لا يكونُ إلَّا في عامدٍ، فإنَّ النَّاسيَ لا إثمَ عليه بالإجماعِ ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 225).
ثانيًا: قياسًا على الأكلِ والشُّربِ ناسيًا، فالحديثُ صَحَّ أنَّ أكلَ الناسي لا يُفطِّرُ، والجِماع في معناه، وإنَّما خَصَّ الأكلَ والشُّربَ بالذِّكرِ؛ لِكَونِهما أغلَبَ وقوعًا، ولعَدَمِ الاستغناءِ عنهما غالبًا ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 156).
المطلب الخامس: من تكرَّرَ منه الجِماع في يوم واحد
الفرع الأول: حُكم مَن تكرَّر منه الجِماع في يومٍ واحد
من تكرَّر منه الجِماعُ في يومٍ واحدٍ، تكفيه كفَّارةٌ واحدةٌ إذا لم يكفِّرْ.
الدَّليل من الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وأجمعوا على أنَّ من وَطِئَ في يومٍ واحدٍ مرَّتين أو أكثَرَ، أنَّه ليس عليه إلَّا كفَّارةٌ واحدة) ((التمهيد)) (7/181). ، وابنُ قُدامة قال ابنُ قدامة: (فإن كان في يومٍ واحد [يعني الجِماعَ ثانيًا قبل التكفيرِ عن الأوَّلِ] فكفَّارةٌ واحدةٌ تُجزِئه، بغير خلافٍ بين أهل العِلمِ) ((المغني)) (3/144).
الفرع الثاني: حكمُ من تكرَّر منه الجِماعُ في يوم واحدٍ وكفَّر عن الأوَّل
اختلف أهلُ العِلمِ في من تكَرَّر منه الجِماعُ في يومٍ واحد وكفَّرَ عن الأوَّل هل تلزَمُه كفَّارةٌ ثانية أم لا؛ على قولينِ:
القول الأول: من جامَعَ في نهارِ رمضانَ، وتكرَّر منه الجِماعُ في يومٍ واحدٍ وكفَّر عن الأوَّلِ، فلا تلزَمُه كفَّارةٌ ثانيةٌ، وهو مذهَبُ المالكيَّة ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/456)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/252)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 721). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/336، 337)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/108). ، وهو اختيارُ ابن عُثيمين [831] قال ابنُ عُثيمين عن: (رجلٌ جامعَ في أوَّلِ النَّهار بعد طلوع الشمسِ بربعِ ساعة، ثم كفَّرَ بِعِتقِ رقبةٍ، ثم جامع بعد الظُّهرِ، فعلى المذهب يلزَمُه كفَّارةٌ ثانية؛ لأنَّه كفَّرَ عن الأولى، وهو الآن، وإن كان ليس صائمًا صومًا شرعيًّا، لكنه يلزَمُه الإمساكُ. وعلى القول الثاني: لا تلزَمُه الكفَّارة؛ لأن الجِماعَ لم يَرِدْ على صومٍ صَحيحٍ، وإنما ورد على إمساكٍ فقط، وإذا تأمَّلْتَ المسألةَ وجدت أنَّ القول الثانيَ أرجحُ، وأنَّه لا يلزَمُه بعد أن أفسَدَ صَومَه كفَّارةٌ؛ لأنَّه ليس صائمًا الآن، أمَّا الإمساك فيلزَمُه الإمساكُ؛ لأنَّ كلَّ من أفطَرَ لغَيرِ عُذرٍ، حَرُمَ عليه أن يستمِرَّ في فِطرِه. ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/ 407) ؛ وذلك لأنَّه لم يُصادِفْ صومًا منعَقِدًا، فلم يُوجِبْ شيئًا، بخلافِ المرَّةِ الأولى، فالجِماعُ الثاني ورد على صومٍ غيرِ صَحيحٍ، فهو لا يُسمَّى صائمًا ((المجموع)) للنووي (6/337).
القول الثاني: من جامع في نهارِ رَمضانَ ثمَّ جامَعَ مرَّةً ثانيةً، تلزَمُه كفَّارةٌ ثانيةٌ إذا كفَّر عن الأوَّلِ، وهو مذهَبُ الحَنَفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/413)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) (2 / 102)، ((فتح القدير)) (2/ 337) (3 / 38)، ((مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر)) (1 / 354). ، والحَنابِلة ((شرح منتهي الإرادات)) للبهوتي (1/ 486)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 144).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الجِنايةَ الأولى انجبَرَت بالكفَّارة الأُولى، فصادف جِماعُه الثَّاني حُرمةً أخرى كاملةً، فلَزِمَه لأجْلِها الكفَّارةُ ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/ 141).
ثانيًا: لأنَّه إذا جامعَ فكَفَّرَ، ثم جامَعَ؛ عُلِمَ أنَّ الزَّجرَ لم يحصُلْ بالكفَّارة الأُولى ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/101).
المطلب السادس: حُكمُ من تكرَّرَ منه الجِماعُ في يومينِ فأكثَرَ
من تكرَّرَ منه الجِماعُ في يومينِ فأكثَرَ، تلزَمُه كفَّارةٌ لكُلِّ يومٍ جامعَ فيه، سواءٌ كَفَّرَ عن الجِماعِ الأول أم لا، وهو مذهَبُ الجمهورِ: المالكيَّة (حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/456)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/252)، ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/285)، ((التمهيد)) لابن عبدِ البَرِّ (7/181). ، والشَّافِعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/444)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/108). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/326). ؛ وذلك لأنَّ صَومَ كُلِّ يَومٍ عِبادةٌ مُنفرِدةٌ، فإذا وجبَتِ الكفَّارةُ بإفسادِه، لم تتداخَلْ كفَّاراتُها ((المجموع)) للنووي (6/336)، ((المغني)) لابن قدامة (3/144)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/203).
المطلب السابع: حكمُ صَومِ مَن وَطِئَ في الدُّبرِ
من وَطِئَ في الدُّبُرِ فَسَدَ صَومُه، وعليه القَضاءُ والكفَّارةُ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/73)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/338). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/342)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/343). والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/341)، وينظر: ((الأم)) للشافعي (2/101). والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/221)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/323).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه وَطءٌ؛ فأفسَدَ صَومَ رمضانَ، وأوجَبَ الكفَّارة ((المجموع)) للنووي (6/341).
ثانيًا: ولأنَّه يُوجِبُ الحَدَّ كالجِماع, فكذلك يُفسِدُ الصَّومَ ويُوجبُ الكفَّارةَ ((المجموع)) للنووي (6/341).
ثالثًا: لأنَّه محَلٌّ مُشتهًى, فتجِبُ فيه الكفَّارةُ، كالوطءِ في القُبُلِ ((تبيين الحقائق)) للزيلعي، مع ((حاشية الشلبي)) (1/327).
المطلب الثامن: حكمُ من جامع في قضاءِ رَمضانَ عامدًا
من جامَعَ في قضاءِ رمضانَ عامِدًا، فلا كفَّارةَ عليه، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/329). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/433)، ((الكافي)) لابن عبد البر (1/344). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/345). ، والحَنابِلة ((شرح منتهى الإرادات)) (1/486)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/139،138). وحُكي الإجماعُ على ذلك قال ابنُ عبد البر: (أجمعوا على أنَّ المُجامِعَ في قضاءِ رَمَضانَ عامدًا، لا كفَّارةَ عليه، حاشا قتادةَ وَحدَه) ((التمهيد)) لابن عبد البر (7/181)، خالف في ذلك قتادةُ، وقال: عليه الكفَّارةُ. ينظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (3/124). ؛ وذلك لانعداِم حُرمةِ الشَّهرِ؛ ولأنَّ النَّصَّ بوجوبِ الكفَّارة ورد فيمن جامَعَ في نهارِ رَمضانَ، فلا يتعَدَّاه ((المغني)) لابن قدامة (3/139).

انظر أيضا: