الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: طُرُقُ إثباتِ خُروجِ شَهرِ رَمَضانَ


المطلب الأول: رؤيةُ هلالِ شَوَّال
الفرع الأول: العددُ المُعتَبَرُ في رؤيةِ الهلالِ
 لا بدَّ مِن إخبارِ شاهِدَينِ عَدْلَينِ برؤيةِ هلالِ شَوَّالٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/391)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/81). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) (3/279)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/267)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/304). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/280)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/348). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/304)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/165)، ((مختصر الخرقي)) (1/51). وهو قَولُ أكثَرِ العُلَماءِ قال ابنُ عبد البر: (أمَّا الشهادةُ على رؤيةِ الهِلالِ فأجمَعَ العُلَماءُ على أنَّه لا يُقبَلُ في شهادةِ شَوَّال في الفِطرِ إلا رجلانِ عَدلانِ) ((التمهيد)) (14/354). قال ابنُ قدامة: (وجملةُ ذلك أنَّه لا يُقبلُ في هلالِ شَوَّال إلا شهادةُ اثنينِ عَدلينِ في قولِ الفُقَهاءِ جَميعِهم، إلَّا أبا ثور، فإنَّه قال: يُقبَلُ قَولُ واحدٍ) ((المغني)) (3/ 165). قال النووي: (وأمَّا الفِطرُ فلا يجوزُ بِشَهادةِ عَدلٍ واحدٍ على هلالِ شَوَّال عند جميعِ العُلَماءِ إلا أبا ثورٍ، فجَوَّزَه بعَدلٍ) ((شرح النووي على مسلم)) (7/190). وانظر ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/186). وقال ابنُ باز: (لا بدَّ مِن شاهِدَينِ عدلينِ في جميعِ الشُّهورِ ما عدا دخولَ رمضانَ، فيكفي لإثباتِ دُخولِه شَخصٌ واحِدٌ عَدلٌ) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/61،62،64). وقال ابنُ عُثيمين: (وهلالُ شَوَّالَ وغَيرِه مِنَ الشُّهورِ لا يثبُتُ إلا بشاهِدَينِ؛ لِقَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فإن شَهِدَ شاهدانِ، فصُوموا وأفطِروا) ((الشرح الممتع)) (6/320).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ زَيدِ بنِ الخطَّابِ ((أنَّه خطَبَ النَّاسَ في اليومِ الذي يُشَكُّ فيه، فقال: ألَا إنِّي جالسْتُ أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وساءَلْتُهم، وإنَّهم حدَّثُوني أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: صُومُوا لِرُؤيَتِه وأفْطِرُوا لرؤيَتِه، وانسُكُوا لها، فإنْ غُمَّ عليكم فأكمِلُوا ثلاثينَ، فإن شَهِدَ شاهدانِ، فصُوموا وأفْطِرُوا )) رواه النسائي (4/132) (2116) واللفظ له، والدارقطني في ((السنن)) (2193)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (7252) وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/189): إسنادُه لا بأسَ به على اختلافٍ فيه، وصحَّحَه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (2115)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (15/123)).
المرادُ بقوله: ((وأفْطِرُوا)): أي خروجُ شَهرِ الصَّومِ، ودخولُ شَوَّال.
وجه الدلالة:
مفهوم الحديث: عدمُ قَبولِ شهادةِ الواحِدِ على رؤيةِ هلالِ شَوَّال ((سبل السلام)) للصنعاني (2/152).
2- ما رواه رجلٌ مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اختلف النَّاسُ في آخِرِ يومٍ من رمضانَ، فقَدِمَ أعرابيَّانِ فشَهِدَا عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم باللهِ، لَأَهَلَّ الهِلالُ أمسِ عشيَّةَ، فأمر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ أن يُفطِرُوا، وأن يَغْدُوا إلى مُصلَّاهم )) رواه أبو داود (2339)، والدارقطني (2/374)، والبيهقي في ((السنن الصغرى)) (2/91). قال الدارقطني: (إسناده حسن ثابت)، وقال الشوكاني في ((السيل الجرار)) (2/113)، وفي ((نيل الأوطار)) (4/188): رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2339).
الفرع الثاني: حُكمُ من رأى هلالَ شوَّال وحدَه
من رأى هلالَ شَوَّال لوَحدِه؛ فإنَّه لا يُفطِرُ حتى يُفطِرَ النَّاسُ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((الهداية)) للمرغيناني (1/121)، وينظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/351)، ((الفتاوى الهندية)) (1/198). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/389). والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/196 – 197)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/166).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((.. والفِطرُ يَومَ تُفطِرونَ، والأضحى يومَ تُضَحُّونَ )) رواه أبو داود (2324)، والترمذي (697) واللفظ له، والدارقطني (2/366)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6285).  قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/159)، وقال النووي في ((المجموع)) (6/283): إسناده حسن، وصححه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/280)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (81/15)، والألباني في ((صحيح الترمذي)) (697)
وجهُ الدَّلالة:
أنَّ النَّاسَ إذا لم يُفطِرُوا في هذا اليَومِ؛ وجَبَ عليه مُوافَقَتُهم ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 286).
ثانيًا: لأنَّ اتِّفاقَ الخَلْقِ الكثيرِ على عَدَمِ رُؤيَتِه، يدلُّ على خطأِ هذا الرَّائي ((البحر الرائق)) لابن نجيم (2/ 286).
المطلب الثاني: إكمالُ رَمَضانَ ثلاثينَ يومًا
إذا لم يُرَ هلالُ شَوَّال، وجبَ إكمالُ شَهرِ رَمَضانَ ثلاثينَ يومًا.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
عن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذكَرَ رَمَضانَ، فقال: لا تَصومُوا حتى تَرَوُا الهلالَ، ولا تُفطِروا حتى تَرَوْه، فإنْ غُمَّ عليكم فاقدُرُوا له ((فتح الباري)) (1/170)، (4/120). )) رواه البخاري (1906) واللفظ له، ورواه مسلم (1080).
والمرادُ بِقَولِه: ((فاقْدُرُوا له)) أي: أكمِلُوا العِدَّةَ، كما فُسِّرَ في روايةٍ أخرى، وهي قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صُومُوا لِرُؤيَتِهِ، وأفطِروا لرُؤيتِهِ، فإنْ غبِّيَ عليكم فأكمِلُوا عِدَّةَ شعبانَ ثلاثينَ )) رواه البخاري (1909)، ومسلم (1081).  
وجهُ الدَّلالة:
عمومُ النَّصِّ؛ فهو يعُمُّ شَعبانَ ويعُمُّ رمضانَ ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/61).
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ تيميَّة قال ابن تيمية: (لو شكُّوا ليلةَ الثلاثينَ مِن رمضانَ؛ هل طلع الهلالُ أم لم يطلُعْ؟ فإنَّهم يصومون ذلك اليومَ المشكوكَ فيه باتِّفاقِ الأئمة) ((مجموع الفتاوى)) (25/204).
المطلب الثالث: رؤيةُ هِلال شوَّال بعد أن صام النَّاسُ
الفرع الأول: رؤيةُ الهِلالِ ليلًا لكن لم يعلَمِ النَّاسُ إلَّا في النَّهارِ
إذا ثبتَتْ رؤيةُ هلالِ شوَّال ليلًا، ولم يعلَمِ النَّاسُ إلَّا بعد مضيِّ بعضِ النَّهارِ؛ فإنَّهم يُفطِرون ويُصلُّون العيدَ، إنْ كان ذلك قَبلَ الزَّوالِ.
الدَّليل:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبد البَرِّ قال ابنُ عبد البَرِّ: (وأجمَعَ العلماءُ على أنَّه إذا ثبَت أنَّ الهلالَ مِن شوَّال رُئِيَ بموضِعِ استهلاله ليلًا، وكان ثبوتُ ذلك وقد مضى من النَّهارِ بعضُه؛ أنَّ الناس يُفطرون ساعةَ جاءَهم الخبرُ الثَّبْتُ في ذلك، فإنْ كان قبل الزَّوالِ صلَّوُا العيدَ بإجماعٍ من العلماء وأفطروا، وإنْ كان بعد الزوالِ فاختلَفَ العلماءُ في صلاةِ العيدِ حينئذٍ). ((التمهيد)) (14/358- 359).
الفرع الثاني: رؤيةُ الهِلالِ نهارًا
إذا رُئِيَ هلالُ شوال نهارًا فلا يُفطِرونَ، سواءٌ رُئِيَ قبلَ الزَّوالِ أو بعدَه أمَّا كَونُ رُؤيةِ الهلالِ بعد الزَّوالِ يُعتبَرُ لِلَّيلةِ المُستقبَلةِ، فقد نُقِلَ فيه الإجماعُ. قال الكمال ابن الهمام: (نَعَم، لو رئِيَ في التَّاسع والعشرين بعد الزَّوالِ، كان كرؤيتِه ليلةَ الثَّلاثين بالاتِّفاقِ) ((فتح القدير)) (2/ 313). وقال ابنُ رشد: (وأما اختلافُهم في اعتبارِ وَقتِ الرؤيةِ؛ فإنَّهم اتَّفَقوا على أنَّه إذا رُئِيَ مِنَ العَشِيِّ أنَّ الشَّهرَ مِنَ اليومِ الثَّاني) ((بداية المجتهد)) (1/ 284). وقال القرافي: (لو رُئِيَ الهلالُ بعد الزَّوالِ فللَّيلةِ المستقبَلَةِ اتِّفاقًا) ((الذخيرة)) (2/ 492). وقال الزرقاني: (ولا خلافَ أنَّ رُؤيَتَه بعد الزَّوالِ للَّيلةِ القادمةِ، وأمَّا قبله فكذلك عند الجُمهورِ) ((شرح الزرقاني على الموطأ)) (2/ 229). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 392)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/ 82)، ((الفتاوى الهندية)) (1/ 197). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/ 512)، وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/ 284)، ((الذخيرة)) للقرافي (2/ 492). ، والشَّافِعيَّة ((فتح العزيز)) للرافعي (6/ 286)، وينظر: ((البيان)) للعمراني (3/ 477). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 193)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/ 173). ، وقولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ قال العراقي: (يتناول الحديثُ رؤيتَه ليلًا ونهارًا، لكنه إذا رُئِيَ نهارًا، فهو للَّيلة المستقبَلةِ فإن كان ذلك يومَ الثلاثينَ مِن شعبانَ لم يصوموا، وإن كان يومَ الثَّلاثينَ مِن رمضانَ لم يُفطِروا، وسواءٌ كان ذلك قبل الزَّوالِ أو بعدَه، هذا هو المشهورُ في المذاهِبِ الأربعة، وحُكي عن عمرَ وابن مسعود، وابن عمر وأنس، والأوزاعي والليث بن سعد، وإسحاق بن راهَوَيه) ((طرح التثريب)) (4/ 113). وقال القرطبي: (ولا اعتبارَ برؤيةِ هلالِ شوَّال يوم الثلاثين من رمضان نهارًا، بل هو للَّيلةِ التي تأتي، هذا هو الصَّحيح. وقد اختلف الرواةُ عن عمر في هذه المسألة، فروى الدارقطني عن شقيقٍ قال: جاءنا كتابُ عمرَ ونحن بخانقين، قال في كتابه: (إنَّ الأهلَّةَ بعضُها أكبَرُ مِن بعضٍ، فإذا رأيتُم الهلالَ نهارًا، فلا تُفطِروا حتى يشهَدَ شاهدانِ أنَّهما رأيَاه بالأمسِ). وذكره أبو عمر من حديث عبد الرزاق عن مَعمَر عن الأعمش عن أبي وائل، قال: كتَبَ إلينا عمر...، فذكره. قال أبو عمر: ورُوِي عن علي بن أبي طالب مثلُ ما ذكره عبد الرزاق أيضًا، وهو قول ابن مسعود وابن عمر وأنس بن مالك، وبه قال مالك والشَّافعي وأبو حنيفة ومحمد ابن الحسن والليث والأوزاعي، وبه قال أحمد وإسحاق.) ((تفسير القرطبي)) (2/ 302، 303).
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
1- عن شقيقٍ قال: جاءنا كتابُ عُمَرَ ونحن بخانقينَ، قال في كتابِه: (إنَّ الأهِلَّةَ بعضُها أكبَرُ مِن بَعضٍ، فإذا رأيتُمُ الهلالَ نهارًا، فلا تُفطِرُوا حتى يشهَدَ شاهِدانِ أنَّهما رأَيَاه بالأمسِ) [526] أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (9431)، وسعيد بن منصور في ((السنن)) (2599)، والدارقطني في ((السنن)) (2196)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7984). صححه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (4/248)، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/155): ثابت. وصحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/271)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (278/1)، وابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/332)، وابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/814).
2- عن سالمِ بنِ عَبدِ اللهِ بن عُمَرَ: (أنَّ ناسًا رأَوْا هلالَ الفِطرِ نَهارًا، فأتَمَّ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما صيامَه إلى اللَّيلِ، وقال: لا، حتى يُرَى مِن حيثُ يُرَى باللَّيلِ). [527] أخرجه ابن أبي شيبة (9450)، والدارقطني في ((السنن)) (2220) بنحوه، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7986) واللفظ له. صحح إسناده النووي في ((المجموع)) (6/273)
3- أنَّه قد رُوِيَ ذلك عن عليٍّ، وابنِ مَسعودٍ، وأنسٍ، ولا مخالِفَ لهم في ذلك ((البيان)) للعمراني (3/ 478).
ثانيًا: أنَّه لا تُعتبَرُ رؤيَتُه نهارًا، وإنَّما العبرةُ لِرُؤيَتِه بعد غُروبِ الشَّمسِ؛ لقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صوموا لرُؤيَتِه، وأفطِرُوا لِرُؤيَتِه)) فأمَرَ بالصَّومِ والفِطرِ بعد الرُّؤيةِ ((حاشية ابن عابدين)) (2/ 392).  

انظر أيضا: