البمحث الرَّابع: حُكم الخِتان
المطلب الأوَّل: حُكم الخِتان للرِّجالالخِتانُ واجبٌ في حقِّ الرِّجالِ، وهذا مَذهَبُ الشَّافعيَّة
، والحنابلة
، واختاره
ابنُ تيميَّة
، و
ابنُ عُثيمين
، وبه صدَرت فتوى اللَّجنة الدَّائمة
، وهو قولُ كثيرٍ مِن أهلِ العِلمِ
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقول الله تعالى:
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل: 123] وجه الدَّلالة: أنَّ من شريعةِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وملَّتِه التي أُمِرْنا باتِّباعِها؛
الخِتانَ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اختَتَن إبراهيمُ النبيُّ عليه السَّلام وهو ابن ثمانين سَنَةً بالقَدُّومِ
))
وجه الدَّلالة: أنَّنا أُمِرنا باتِّباعِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومِن شريعَتِه
الختانُ
ثالثًا: من الآثارعَنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (
الأَقلَفُ لا تجوزُ شَهادَتُه، ولا تُقبَلُ له صلاةٌ، ولا تُؤكَلُ له ذبيحةٌ)
وجه الدَّلالة: أنَّ
الأَقلَفَ هو الذي لم يَختَتنْ، وباختتانِه تجوزُ شهادتُه، وتُقبَلُ صلاتُه، وتُؤكَل ذَبيحتُه، وهذا لا يكونُ إلَّا في ترْك واجبٍ متحتِّم
رابعًا: أنَّ بقاء قُلْفةِ الرَّجُلِ دونَ خِتانٍ، يحبِسُ النَّجاسةَ، ويمنَعُ صِحَّة الصَّلاة؛ فإنَّ القُلفةَ تَستُرُ الذَّكرَ كُلَّه فيصيبُها البَولُ، ولا يُمكِنُ الاستجمارُ لها، فوجبَ إزالتُها؛ ولهذا منَع جماعةٌ من السَّلف والخَلَف إمامتَه، وإنْ كان معذورًا في نفْسه، فإنَّه بمنزلةِ مَن به سَلَسُ البَولِ ونحوِه
خامسًا: أنَّ
الخِتانَ مِن أظهَرِ شَعائِرِ المُسلمينَ، التي يُفرَّقُ بها بين المُسلِمِ وغَيرِه، فكان واجبًا كسائِرِ شعائِرِهم، وهو مَيزةٌ بين المُسلمين وغيرِهم، حتى كان المسلمونَ يَعرِفون قتلاهم في المعارك ب
الخِتان، ولا يكادونَ يَعدُّون
الأَقْلَفَ منهم، وإذا كان
الخِتانُ ميزةً، فهو واجبٌ؛ لوجوبِ التَّمييزِ بين الكافِرِ والمُسلِمِ
سادسًا: أنَّ
الخِتانَ قَطْعُ شَيءٍ من البَدَن، وقطعُ شيءٍ من البدَنِ حرامٌ، والحرامُ لا يُستباحُ إلَّا لشيءٍ واجبٍ، فعلى هذا يكون
الختانُ واجبًا، ولو لم يكن واجبًا لم يجُزْ، كقَطعِ الأُصبَع؛ فإنَّ قَطعَها إذا كانت سليمةً لا يجوزُ إلَّا إذا وجبَ بالقِصاصِ
سابعًا: أنَّ
الخِتانَ لو لم يكنْ واجبًا، لَما جاز كشفُ العورةِ مِن أجْلِه، ولَما جاز نظَرُ الخاتِنِ إليها، وكلاهما حرامٌ
المطلب الثَّاني: حُكمُ الخِتانِ للنِّساءِالخِتانُ مُستحبٌّ في حقِّ النِّساءِ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، وقولٌ للشَّافعيَّة
، وقولٌ للحنابلةِ
، وهو اختيارُ
الشَّوكانيِّ
، و
ابنِ باز
، و
ابنِ عُثيمين
، وهو قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ
الأدلَّة:أولًا: مِن السُّنَّةِ1- عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا جَلَس بين شُعَبِها الأَربعِ، ومسَّ الخِتانُ الختانَ، فقد وَجَب الغُسلُ ))
وجه الدَّلالة: أنَّ الحديث يدلُّ على أنَّ النِّساءَ كُنَّ يختتنَّ
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((الفِطرة خمسٌ: الخِتان، والاستحداد، وقصُّ الشَّارب، وتقليمُ الأظْفار، ونتْفُ الآباط ))
وجه الدَّلالة: أنَّ الحديثَ يعمُّ الرِّجالَ والنِّساء
ثانيًا: أنَّ
الخِتان في حقِّ الرِّجال فيه مصلحةٌ تعود إلى شرْطٍ مِن شروطِ الصَّلاةِ، وهي الطَّهارة؛ وذلك لأنَّه إذا بقيت القُلْفة، فإنَّ البولَ إذا خرج مِن ثُقب الحَشَفة بقِي وتجمَّع في القُلفةِ، وصار سببًا إمَّا لاحتراقٍ أو التِهاب، أو لكونه كلَّما تحرَّك خرج منه شيءٌ فينتجَّس بذلك، أمَّا المرأةُ؛ فإنَّ غاية ما فيه من الفائدة أنَّه يُقلِّل من غُلمَتِها- أي: شهوتها- وهذا طلبُ كمالٍ، وليس من باب إزالةِ الأذى