الموسوعة الفقهية

المطلب الثامن: حُكمُ نَعْيِ الميِّت

يَجُوزُ نعيُ الميِّتِ النَّعْيُ: هو الإعلامُ بموتِ الميت، والإخبارُ به. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/85)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/447).
وأمَّا النَّعْيُ الذي يُصاحِبُه ضَجيجٌ وبُكاءٌ ​و​صُراخٌ فلا يَجوزُ.
قال الزيلعيُّ: (كانوا يَبعثونَ إلى القبائِلِ يَنعَوْنَ مع ضجيجٍ وبكاءٍ وعويلٍ وتعديدٍ، وهو مكروهٌ بالإجماع). ((تبيين الحقائق)) (1/240).
وقال ابن حجرٍ: (النَّعي ليس ممنوعًا كلُّه، وإنَّما نهى عما كان أهلُ الجاهلية يصنعونه؛ فكانوا يرسلون من يُعْلِنُ بخبر موت المَيِّت على أبوابِ الدُّور والأسواقِ، وقال ابن المرابط: مرادُه أنَّ النعيَ الذي هو إعلامُ النَّاسِ بموتِ قَريبِهم مباحٌ، وإن كان فيه إدخالُ الكَرْبِ والمصائِبِ على أهله، لكنْ في تلك المفسدةِ مصالِحُ جمَّة؛ لِمَا يترتَّبُ على معرفةِ ذلك مِنَ المبادرَةِ لشهودِ جنازته، وتهيئةِ أمْرِه، والصلاةِ عليه، والدُّعاءِ له والاستغفارِ، وتنفيذِ وصاياه، وما يترتَّب على ذلك مِنَ الأحكام). ((فتح الباري)) (3/117).
، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7402] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/240). ويُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/127). ، والمالِكيَّة [7403] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/241). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/139)، ((الشرح الصغير)) للدردير (1/570). ، والشَّافعيَّة [7404] ((روضة الطالبين)) للنووي (2/98)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/357). ، والحَنابِلَة [7405] وقيَّدَ الحنابلةُ جوازَ الإعلامِ بأقارِبِ المَيِّتِ وإخوانِه. ((الإقناع)) للحجاوي (1/212)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/85). ، وحُكِيَ فيه الإجماعُ [7406] قال ابن رشد الجد: (وأمَّا الإِذْنُ بها، والإعلامُ من غير نداءٍ، فذلك جائزٌ بإجماعٍ). ((البيان والتحصيل)) (2/218). وقال ابنُ الحاج: (وأمَّا الإيذانُ بها والإعلامُ مِن غَيرِ نداءٍ، فذلك جائزٌ بإجماع) ((المدخل)) (2/221). وقال الموَّاق: (وأمَّا الأذانُ والإعلامُ مِن غير نداءٍ؛ فذلك جائزٌ بإجماع). ((التاج والإكليل)) (2/241). وقال الخرشي: (الإعلامُ بها-أي بالميتِ- من غيرِ نداءٍ؛ فذلك جائزٌ بإجماع) ((شرح مختصر خليل)) (2/139). لكن قال ابن عبد البَرِّ: (رُوِيَ عن ابن مسعودٍ أنه قال: لا تُؤذِنوا بي أحدًا؛ فإني أخشى أن يكونَ كنَعْيِ الجاهليَّةِ. وعن سعيد بن المسيب أنَّه قال: إذا أنا مِتُّ فلا تقولوا للنَّاس مات سعيدٌ، حَسْبي من يُبلِّغُني إلى ربي. وروي ذلك عن ابن مسعود، قال: حسبي من يبلِّغُني إلى حُفرتي، وعن علقمةَ أنَّه قال: لا تؤذِنوا بي أحدًا؛ فإن ذلك من النَّعيِ، والنَّعيُ من أمرِ الجاهليَّةِ، ورُوِيَ عن طائفةٍ مِن السلفِ مثلُ ذلك، قد ذكرتهم والأخبارَ عنهم في التمهيد، ورُوِيَ عن ابن عونٍ قال: قلت لإبراهيم: أكان النعيُ يُكرَهُ؟ قال: نعم، قال: وكان النعيُ أنَّ الرَّجلُ يركَبُ الدابَّةَ، فيطوفُ ويقولُ: أنعِي فُلانًا. قال ابن عون: وذَكَرْنا عند ابن سيرينَ أنَّ شُريحًا قال: لا تُؤذِنوا لجِنازتي أحدًا، فقال: إنَّ شَريحًا كان يكتفي بذِكْرِهـ) ((الاستذكار)) (3/26). وقال القرطبي: (وإعلامُ إخوانِه الصُّلَحاءِ بِمَوتِه. وكَرِهَه قومٌ وقالوا: هو مِن النَّعيِ) ((تفسير القرطبي)) (4/298).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم نعى النَّجاشيَّ في اليومِ الذي مات فيه؛ خَرَجَ إلى المُصلَّى، فصَفَّ بهم، وكَبَّرَ أربعًا )) [7407] أخرجه البخاري (1245) واللفظ له، ومسلم (951).
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، نَعَى زَيْدًا ، وجَعْفَرًا، وابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ، قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ، فَقالَ أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ، فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حتَّى أخَذَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم)) أخرجه البخاري (3757). 
3- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّ رجلًا أسودَ- أو امرأةً سوداءَ- كان يقمُّ [7408] يقُمُّ: أي: يجمعُ القُمامَةَ، وهي الكُناسَة. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/553). المسجِدَ فمات، فسألَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه، فقالوا: مات، قال: أفلا كُنْتُم آذنْتُموني به، دُلُّوني على قبره- أو قال قبرِها- فأتى قبْرَها فصلَّى عليها )) [7409] أخرجه البخاري (458) واللفظ له، ومسلم (956).
ثانيًا: لِمَا يترتَّبُ على معرفة ذلك مِنَ المبادرةِ لشهودِ جِنازَتِه، وتهيئةِ أمرِه، والصَّلاةِ عليه، والدُّعاءِ له والاستغفارِ، وتنفيذِ وصاياه [7413] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/117).

انظر أيضا: