الموسوعة الفقهية

المطلب الخامس: ما يُسَنُّ عَمَلُه لِمَن مات


الفرع الأول: إغماضُ عينِ الميِّت
يُستحَبُّ إغماضُ عَيْنِ الميِّت [7320] قال القرطبي: (وإغماضُ الميِّت: شَدُّ أجفانِه بعد مَوْتِه، وهو سُنَّةٌ عَمِلَ بها المسلمونَ كافَّةً). ((المُفْهِم)) (2/572).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أمِّ سَلَمَة رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((دخَلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على أبي سَلَمَةَ وقد شَقَّ بَصَرُه [7321] شَقَّ بَصَرُه: أي شَخَص، يقال: شَقَّ الميِّتُ بَصَرَه: إذا حَضَره الموتُ، وصار ينظُرُ إلى الشَّيءِ لا يرتدُّ عنه طَرْفُه. ((شرح النووي على مسلم)) (6/222)، ((سبل السلام)) للصنعاني (2/91). ، فأغمَضَه، ثم قال: إنَّ الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبِعَه البَصَرُ )) [7322] أخرجه مسلم (920).
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: النوويُّ [7323] قال النوويُّ: (قولها: (فأغْمَضَه) دليلٌ على استحبابِ إغماضِ الميِّت، وأجمع المسلمونَ على ذلك). ((شرح النووي على مسلم)) (6/223). وقال أيضًا: (ويتضمَّنُ الحديثُ الحضورَ عند المحتَضَر؛ لتذكيرِه وتأنيسِه، وإغماضِ عينيه، والقيامِ بحقوقِه، وهذا مُجمَعٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (6/219). ، والصنعانيُّ [7324] قال الصنعاني: (وفي إغماضِه صلَّى الله عليه وسلَّم طَرْفَه؛ دليلٌ على استحبابِ ذلك، وقد أجمعَ عليه المسلمونَ). ((سبل السلام)) (2/91).
الفرع الثاني: شَدُّ لَحْيَيْهِ بعِصابَةٍ
يُستحَبُّ أن يُشَدَّ لَحْيَا [7325] اللَّحْيُ: العَظْمُ الذي تَنبُتُ عليه اللِّحيَةُ من الإنسانِ وغيرِه. يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/240)، ((الصحاح)) للجوهري (6/2480) الميِّتِ بعِصابةٍ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّةِ [7326] ((الهداية)) للمرغيناني (1/90)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369) ، والمالِكيَّةِ [7327] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّةِ [7328] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7329] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/336).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لئلَّا يبقى فمُه مفتوحًا؛ فيدخُلَ فيه الهوامُّ، أو الماءُ أثناء غُسْلِه [7330] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83).
ثانيًا: حتى لا يكونَ مَنظَرُه قبيحًا [7331] ((المجموع)) للنووي (5/120). لأنَّه إذا تُرِكَ يَسترخي لَحْيُه الأسفلُ فينفتِحُ فوه فلا ينطَبِقُ. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/3).
الفرع الثالثُ: تليينُ مفاصِلِه
يُستحَبُّ أن تُلَيَّنَ مفاصِلُ الميِّتِ [7332] المرادُ مفاصِلُ اليدينِ والرِّجلينِ، وذلك بأن يُرَدَّ الذراعُ إلى العَضُد، ثم العَضُد إلى الجنب، ثم يردُّهما، وكذلك مفاصِلُ الرِّجْلين: بأن يَرُدَّ السَّاقَ إلى الفَخِذ، ثم الفَخِذَ إلى البَطْن، ثم يردُّهما. يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي(3/3)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/254)، ، وذلك باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7333] ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 212)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/193). ، والمالِكيَّة [7334] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّة [7335] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7336] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/340). ؛ وذلك ليَسْهُل غُسلُه [7337] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331) وذلك قبل أن يَبْرُد جَسَدُه؛ لأنَّ في البَدَنِ بعد مفارقة الروح بقيَّةُ حرارةٍ، فإذا لُيِّنَتِ المفاصلُ حينئذ لانت، فإذا برد بَقِيَ على ما هو عليه وصعُبَ تغسيلُه. ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (5/254).
الفرع الرابع: تغطيةُ الميِّت
تُستحبُّ تغطيةُ الميِّتِ بعد مَوتِه [7338] لكنْ إذا مات وهو مُحرِمٌ، فإنَّه لا يُغطَّى رأسُه؛ لحديث ابنِ عباسٍ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المُحْرِم الذي وَقَصَتْه دابَّتُه فمات قال: ((لا تُخَمِّروا رَأْسَه)). [رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206)]. وينظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/232).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن عائشةَ أمِّ المؤمنينَ، قالت: ((سُجِّيَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين مات بثَوْبٍ حِبَرَةٍ [7339] حِبَرَة: ثوبٌ أبيضُ في أعلامٍ حُمْر من نسيجِ اليَمَن. يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (10/418). ) [7340] أخرجه البخاري (5814)، ومسلم (942) واللفظ له.
2- عن جابرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((جيءَ بأبي يومَ أُحُدٍ قد مُثِّلَ به، حتى وُضِعَ بين يَدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وقد سُجِّيَ ثوبًا، فذهبْتُ أريدُ أنْ أكشِفَ عنه، فنهاني قومي، ثمَّ ذهبْتُ أكشِفُ عنه، فنهاني قومي، فأمَرَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرُفِعَ، فسَمِعَ صوتَ صائحةٍ، فقال: مَن هذه؟ فقالوا: ابنةُ عمرٍو- أو أختُ عمرٍو- قال: فَلِمَ تَبكِي؟ أو لا تبكي؛ فما زالَتْ الملائكةُ تُظِلُّه بأجنِحَتِها حتى رُفِعَ )) [7341] أخرجه البخاري (1293) واللفظ له، ومسلم (2471).
ثانيًا: من الإجماع
نَقَلَ الإجماعَ على ذلك النوويُّ [7342] قال النوويُّ: (قولها: «سُجِّي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين مات بثوب حِبَرَةٍ» معناه غُطِّي جميعُ بَدَنِه... وفيه: استحبابُ تَسجِيَة الميِّت، وهو مُجمَعٌ عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (7/10).
الفرع الخامس: وَضْعُ الميِّتِ على سريرٍ ونحوِه
يُستَحَبُّ وضْعُ الميِّتِ على سريرٍ ونحوِه، باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة [7343] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 372)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/194). ، والمالِكيَّة [7344] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّة [7345] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7346] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/337).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لئَلَّا يُصيبَه نداوةُ الأرضِ؛ فيتغَيَّرَ بنداوَتِها [7347] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331).
ثانيًا: ليبعُدَ عن الهوامِّ [7348] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83).
الفرع السادس: نَزْعُ ثيابِ الميتِ
يُستحَبُّ نزْعُ ثيابِ الميِّتِ عقبَ موتِه؛ نص عليه الشَّافعيَّة [7349] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربني (1/331)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/441). ، والحَنابِلَة [7350] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/337).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لئلَّا يَحْمَى جَسَدُه فيَسْرُعَ فسادُه ويتغَيَّر [7351] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربني (2/7)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83).
ثانيًا: لأنَّه ربَّما خَرَجَت منه نجاسةٌ فلوَّثَتْ ثيابَه، ويتلوَّثُ بها [7352] ((المغني)) لابن قدامة (2/337)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83).
الفرع السابع: وَضْعُ شيءٍ ثقيلٍ على بَطْنِه
اتَّفَق الحَنفيَّة [7353] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي مع ((حاشية الشلبي)) (1/235)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 369). ، والمالِكيَّة [7354] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/25). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/122). ، والشَّافعيَّة [7355] ((المجموع)) للنووي (5/123)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331). ، والحَنابِلَة [7356] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/83). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/336). على استحبابِ وَضْع شيءٍ ثقيلٍ أو حديدةٍ على بَطْنِ الميِّتِ [7357] قال ابن عثيمين: (وفي عَصْرِنا الآن نستغني عن هذا، وهو أن يُوضَع في ثلاجةٍ إذا احتيجَ إلى تأخيرِ دَفْنِه، وإذا وُضِعَ في الثلاجة فإنَّه لا ينتفِخُ، لأنَّه يبقى باردًا، فلا يحصُلُ الانتفاخُ في بطنه). ((الشرح الممتع)) (5/256). ؛ وذلك لئلَّا ينتفِخَ فيقبُحَ مَنْظَرُه [7358] ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/331).

انظر أيضا: