المطلب الثَّالث: الميتة الطاهرة
الفرع الأوَّل: مَيتةُ الآدميِّمَيتةُ الآدميِّ طاهرةٌ، سواء كان مُسلمًا أم كافرًا؛ وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة في الأظهَرِ
، والشَّافعيَّة
، والحنابلة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابعمومُ قَولِه تعالى:
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70] وجه الدَّلالة:أنَّ تكريمَ عُمومِ بَني آدَمَ يقتضي بألَّا يُحكَمَ عليه بالنَّجاسةِ، سواءٌ في حالِ الحياةِ أو حالِ الموتِ، وسواء كان مسلمًا أم كافرًا
ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((لقِيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا جُنُب، فأخذَ بيدي، فمشيتُ معه حتى قعَدَ فانسلَلْتُ، فأتيتُ الرَّحْلَ فاغتسَلْتُ، ثم جئتُ وهو قاعِدٌ، فقال: أين كنتَ يا أبا هِرٍّ؟ فقلتُ له، فقال: سبحانَ اللهِ! يا أبا هِرٍّ، إنَّ المُؤمِنَ لا يَنجُسُ ))
وجهُ الدَّلالة:أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((إنَّ المؤمِنَ لا يَنجُسُ)) مُطلقٌ يشمَلُ حالَ الحياةِ وحالَ المَوتِ
ثالثًا: من الآثارعَنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (المسلمُ لا يَنجُسُ حيًّا ولا ميِّتًا)
رابعًا: أنَّ المؤمِنَ الميِّتَ يُشرَعُ غُسلُه، ولو كان نَجِسًا لم يكُن في تغسيلِه فائدةٌ
خامسًا: دلَّ الدَّليلُ على طهارةِ المُشرِك الحيِّ
، وليس هناك دليلٌ على نجاسَتِه ميِّتًا.
الفرع الثَّاني: مَيتةُ السَّمَك مَيتةُ السَّمَك طاهرةٌ.
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96] وجه الدَّلالة: أنَّ طعامَ البَحرِ المذكورَ في الآية هو ما مات فيه، ومِن ذلك السَّمَك؛ وإباحةُ الله تعالى أكْلَه، دليلٌ على طهارَتِه
ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((سأل رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ الله، إنَّا نرَكَب البحرَ، ونحمِلُ معنا القليلَ مِن الماءِ؛ فإنْ توضَّأْنا به عطِشْنا، أفنتوضَّأُ بماءِ البَحرِ؟ فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه ))
وجه الدَّلالة: أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الحِلُّ مَيتتُهـ)) يشمَلُ جَميعَ مَيتاتِ البَحرِ
، سواءٌ كان سمكًا أو غيره، وما كان حلالَ الأكْلِ، فهو طاهِرٌ.
ثالثًا: من الإجماع
نقل الإجماعَ على حِلِّ مَيتةِ السَّمَك:
ابنُ عبدِ البَرِّ
،
والنوويُّ
، و
ابنُ تيميَّة
، و
ابنُ حجر
، والشِّربيني
و
الشوكانيُّ
الفرع الثَّالث: مَيتةُ البَحرِمَيتةُ البَحرِ طاهرةٌ، سواءٌ كان الموتُ بسبَبِ آدميٍّ، أو طفا على الماءِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحنابلة
، وهو مذهَبُ الظَّاهريَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقوله تعالى:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة: 96] وجهُ الدَّلالة: أنَّ طعامَ البَحرِ المذكورَ في الآيةِ هو ما مات فيه؛ وإباحةُ اللهِ تعالى أكلَه، دليلٌ على طهارَتِه
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((سأل رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ الله، إنَّا نرَكَب البحرَ، ونحمِل معنا القليلَ مِنَ الماء؛ فإنْ توضَّأْنا به عَطِشنا، أفنتوضَّأ بماءِ البَحرِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه ))
وجه الدَّلالة: أنَّ قولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الحِلُّ مَيتتُهـ)) يشمَلُ جَميعَ مَيتاتِ البَحرِ
، سواء ٌكان سمكًا أو غيره، وما كان حلالَ الأكْلِ، فهو طاهِرٌ.
2- عن
جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((غزَوْنا جيشَ الخَبَط وأُمِّرَ أبو عُبَيدة، فجُعْنا جُوعًا شديدًا، فألْقى البحرُ حوتًا مَيِّتًا، لم نَرَ مِثلَه، يُقالُ له: العنبرُ، فأكَلْنا منه نِصفَ شَهرٍ، فأخَذ أبو عبيدةَ عَظمًا من عِظامِه، فمرَّ الرَّاكِبُ تحتَه، فأخبرني أبو الزُّبَيرِ، أنَّه سمع جابرًا يقول: قال أبو عُبَيدةَ: كلوا، فلمَّا قَدِمنا المدينةَ ذكَرْنا ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: كُلوا رِزقًا أخرَجَه اللهُ، أطعِمونا إنْ كان معكم، فأتاه بعضُهم بعضوٍ فأكَلَه ))
وجه الدَّلالة:أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكَل منه، وأمَرَهم بالأكلِ منه، وهذا صريحٌ في إباحةِ مَيتةِ ما ألقاه البَحرُ
؛ وما أُبيحَ أكلُه، فهو طاهِرٌ.
ثالثًا: من الآثارجاء عن طائفةٍ مِنَ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم إباحةُ مَيتةِ البَحرِ مطلقًا بلا مخالفٍ لهم منهم
، ومن ذلك ما يلي:
1- عَنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (أَشهَدُ على
أبي بكرٍ أنَّه قال: السَّمكةُ الطَّافيةُ حلالٌ)
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لَمَّا قَدِمتُ البحرين سألني أهلُها عمَّا قذَفَ البحرُ، فأمَرتُهم أن يأكلوه، فلمَّا قَدِمتُ على عُمَرَ فذكر قصَّةً، قال فقال عمر: قال الله عزَّ وجلَّ في كتابِه:
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ [المائدة: 96] ، فصَيدُه ما صِيدَ، وطعامُه ما قذَفَ بهـ)
وجهُ الدَّلالةِ مِن الأثرين:أنَّ أكلَ مَيتةِ البَحرِ حَلالٌ، وما كان حلالَ الأكلِ، فهو طاهِرٌ
الفرع الرَّابع: مَيتةُ الجَرادِ مَيتةُ الجَرادِ طاهِرةٌ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّةِ
، والمشهور مِن مَذهَبِ المالكيَّة
، والشَّافعية
، والحنابلة
، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:1- عن عبدِ اللهِ بنِ أبي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((غزَوْنا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبعَ غزَواتٍ أو سِتًّا، كُنَّا نأكُلُ معَه الجَرادَ ))
2- عن
عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، قال:
((أُحِلَّتْ لنا مَيتتانِ ودَمَانِ: الجرادُ والحِيتانُ، والكَبِدُ وَالطِّحالُ ))
الفرع الخامس: ميتةُ ما لا نفْسَ (أي دم) له سائلةميتةُ ما لا نَفْسَ له سائلةٌ
كالذُّباب والعقرب والخُنفساءِ؛ طاهرةٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والحنابلةِ
، وقولٌ للشَّافعيَّة
، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ، وعامَّةِ العلماءِ
الأدلَّة: أوَّلًا: من الكتاب1- قَولُ الله تعالى:
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا [الأنعام: 145]وجه الدَّلالة:أنَّ الله عزَّ وجلَّ إنَّما حرَّمَ الدَّمَ المسفوحَ، وإذا كان عُفِيَ عَن الدَّمِ غيرِ المَسفوحِ، مع أنَّه مِن جِنسِ الدَّمِ؛ عُلِمَ أنَّ ما لا دَم فيه أَولى بالعَفوِ
2- قولُه تعالى:
يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ [النحل: 69] وجه الدَّلالة: أنَّ ذلك فيه بيانُ طَهارةِ العَسَلِ، ومعلومٌ أنَّه لا يخلو مِنَ النَّحلِ الميِّتِ وفراخِه فيه، وحَكَم اللهُ تعالى مع ذلك بطَهارَتِه، فأَخبَرَ عمَّا فيه من الشِّفاءِ للنَّاسِ؛ فدلَّ ذلك على أنَّ ما لا دَمَ له، لا يَفسُدُ بالموتِ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِعن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا وقع الذُّبابُ في شَرابِ أحدِكم فلْيَغمِسْه، ثمَّ لْيَنزِعْه؛ فإنَّ في إحدى جَناحَيه داءً، والأخرى شِفاءً
))
وجه الدَّلالة: أنَّ الذُّبابَ لا نفْسَ له سائلةٌ، ولو كان نجِسًا لَمَا أُمِرَ بغَمسِه في الشَّرابِ الذي وقَعَ فيه، ومعلومٌ أنَّه يموتُ من ذلك، لا سيَّما إذا كان الطَّعامُ حارًّا، فلو كان ينجِّسُه لكان أمرًا بإفسادِ الطَّعامِ، وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما أمَر بإصلاحِه، ثم عُدِّي هذا الحُكمُ إلى كلِّ ما لا نفْسَ له سائلةٌ، كالنَّحلة والزُّنبور، والعنكبوتِ، وأشباه ذلك؛ إذ الحُكمُ يعُمُّ بعمومِ عِلَّته، ويَنتفي لانتفاءِ سَبَبِه
ثالثًا: أنَّه لَمَّا كان سببُ تنجيسِ المَيتةِ هو الدَّمَ المحتَقَن في الحيوانِ بِمَوتِه، وكان ذلك مفقودًا فيما لا دَم له سائِلٌ؛ انتفى الحُكمُ بالتَّنجيسِ لانتفاءِ عِلَّته