الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: طلَبُ العدوِّ والخوفُ من فواتِه


اختَلف أهلُ العِلم في مَن طَلَب عدوًّا وخاف فواتَه؛ هل له أن يُصلِّي صلاةَ شدَّةِ الخوفِ؟ على قولين:
القول الأوّل: لا يُصلِّي مَن خاف فوتَ العدوِّ هذا إذا كان يأمن رُجوعَهم عليه إنْ تشاغل بالصَّلاة، ويأمن على أصحابه، فأمَّا الخائف من رُجوعهم، أو مِن كمينٍ، فحُكمه حُكم المطلوب. ينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/314)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305). صلاةَ شدَّةِ الخوفِ، وهذا مذهب الحَنَفيَّة ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/128)، ((الدر المختار)) للحصكفي (2/188). ، والشافعيَّة استثنى الشافعيَّة ما لو خشِي كرَّتهم عليه، أو كمينًا، أو انقطاعه عن رُفقته، فإنَّ له أن يصلي صلاةَ الخوف؛ لأنه خائف. يُنظر: ((الشرح الكبير)) للرافعي (4/649)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305). ، ورِواية عن أحمد ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/141). ، وبه قال أكثرُ أهل العِلم قال ابنُ المنذر: (كلُّ مَن أحفظ عنه من أهلِ العِلم يقول: إنَّ المطلوب يُصلِّي على دابَّته، كذلك قال عطاءُ بن أبي رباح، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وأبو ثور. وإذا كان طالبًا نزَل فصلَّى بالأرض، وقال الشافعيُّ كذلك إلَّا في حالٍ واحد؛ وذلك أنَّ يقلَّ الطالبون عن المطلوبين، وينقطع الطالِبون عن أصحابِهم فيخافون عودةَ المطلوبين عليهم، فإذا كان هكذا كان لهم أن يُصلُّوا يُومِئون إيماءً) ((الأوسط)) (5/23-24). وقال شمسُ الدِّين ابنُ قُدامة: (والثانية ليس له أن يُصلِّيَ إلَّا صلاة آمِن، وهذا قولُ أكثر أهل العِلم؛ لأنَّ الله تعالى قال: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا **البقرة: 239**، فشرَط الخوف، وهذا غيرُ خائف، ولأنَّه آمنٌ؛ فلزمته صلاة الآمِن، كما لو لم يخشَ فواتهم، وهذا الخلاف فيمَن يأمن رجوعَهم عليه إنْ تشاغلَ بالصَّلاة ويأمن على أصحابه) ((الشرح الكبير)) (2/141).
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
قول الله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 239]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه شُرِط الخوفُ، وهذا غيرُ خائفٍ ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/141).
ثانيًا: أنَّه آمِنٌ؛ فلزمتْه صلاةُ الآمنِ، كما لو لم يَخشَ فواتَهم ((المغني)) لابن قدامة (1/314).
ثالثًا: أنَّه لم يَخَفْ، والرُّخَص لا تُجاوِزُ مَحلَّها ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/305)، ((فتح العزيز)) للرافعي (4/649).
القول الثاني: إنْ خاف فوتَ العدوِّ، فإنَّ له أن يُصلِّي صلاةَ الخوف، وهو مذهبُ المالِكيَّة ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/95)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/640). ، والحَنابِلَة ((الفروع)) لابن مفلح (3/131)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/253). ، وقولُ بعضِ السَّلف قال ابنُ حجر: (عن الأوزاعيِّ قال: إذا خاف الطالبون إنْ نزَلوا بالأرض فوتَ العدوِّ، صلَّوا حيثُ وَجَّهوا على كلِّ حال؛ لأنَّ الحديثَ جاء: إنَّ النَّصر لا يُرفع ما دام الطَّلَب) ((فتح الباري)) (2/437). ، واختاره ابنُ القيِّم قال ابنُ القيِّم: (يُصلِّي الهارب من سيل، أو سبُع، أو عدوٍّ اتِّفاقًا، أو الطالبُ لعدوِّ يخشى فواتَه على أصحِّ القولين، وهذا أقيس الأقوال وأقربها إلى قواعِد الشَّرع ومقاصده) ((مفتاح دار السعادة)) (2/19).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ فوتَ عدوِّه ضررٌ عليه؛ فأُبيحتْ له صلاةُ الخوفِ كحالِ لقائِه ((الإحكام شرح أصول الأحكام)) لابن قاسم (1/432).
ثانيًا: أنَّ أمْرَهم إلى الآن مع عدوِّهم لم يَنقَضِ، ولا يَأمنوا رُجوعَهم- أي: فهم خائفونَ فوتَ العدوِّ- ولحُصولِ الخوفِ في المستقبَل ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/95)

انظر أيضا: