الموسوعة الفقهية

المطلب الأوَّلُ: ما يُشترَطُ للجَمعِ في وقتِ الأُولى


الفرع الأوَّلُ: البَداءَةُ بالأُولَى
يُشترَطُ أنْ يبدَأَ بالأُولى من الصَّلاتينِ، أي: أن يَبدأَ بالظُّهرِ إذا جمَعَها مع العصرِ، وأنْ يَبدأَ بالمغربِ إذا جمَعَها مع العِشاءِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّة الأربعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي(2/ 118) (4/ 49)، وينظر: ((الدر المختار للحصكفي، مع حاشية ابن عابدين)) (2/505). ، والمالِكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (2/376). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/272)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/395). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/8)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/299).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن مالكِ بنِ الحُويرثِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصلِّي )) رواه البخاري (631).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَنا أنْ نُصلِّيَ كما كان يُصلِّي، وقد كان يَجمَعُ بين الصَّلاتينِ، فيَبدأ بالأُولى ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (2/143- 144).
ثانيًا: أنَّ الوقتَ للصَّلاة الأُولى والثانية تبعٌ لها، والتابِعُ لا يَتقدَّمُ على متبوعِه ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/395)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/272).
ثالثًا: أنَّ الشَّرعَ جاءَ بترتيبِ الأوقاتِ في الصَّلواتِ؛ فوَجَب أن تكونَ كلُّ صلاةٍ في المحلِّ الذي رتَّبَها الشارعُ فيه ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/401).
الفرع الثاني: نِيَّةُ الجَمْعِ
النيَّةُ ليستْ شرطًا في جواز الجمْع، بل يُجزئ الجمعُ ولو لم يَنْوِه في الصَّلاةِ الأولى ما دام سببُه باقيًا، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة إنَّما يُشرَع الجمع عند الحنفيَّة في صلاتي الظهر والعصر بعرفةَ، وصلاتي المغرب والعشاء بالمزدلفةِ، ولم يَشترطوا نيةَ الجمع قبل الصَّلاة، يُنظر: ((البناية)) للعيني (4/216، 228). قال ابن تيمية: (وقالوا: لا يُشترَط للجمع ولا للقصر نيَّةٌ، وهو قولُ الجمهور من العلماء، كمالكٍ، وأبي حنيفةَ، وغيرهما) ((مجموع الفتاوى)) (24/51). ، وقولٌ للمالكيَّة ((الذخيرة)) للقرافي (2/376)، ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/371)، ويُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/51). ، وبه قال طائفةٌ من الشافعيَّة قال النوويُّ: (نيَّة الجمْع، وهي شرطٌ لصحَّة الجمع على المذهب، وقال المزني وبعض الأصحاب: لا تُشترَط؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمَع ولم يُنقَل أنه نوى الجمْع، ولا أمَر بنيَّته، وكان يجمع معه مَن تَخْفى عليه هذه النيةُ؛ فلو وجبت لبيَّنَها) ((المجموع)) (4/374). ، وقولٌ للحنابلة قال ابن تيمية: (وتنازَع العلماءُ في الجمع والقصر؛ هل يفتقر إلى نيَّة؟ فقال جمهورهم: لا يفتقر إلى نيَّة، وهذا مذهبُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ، وأحد القولين في مذهب أحمد، وعليه تدلُّ نصوصُه وأصولُه) ((الفتاوى الكبرى)) (2/31). ، اختارَه ابنُ تيميَّة قال ابن تيمية: (لا يُشترَط في الجمْع نية) ((مجموع الفتاوى)) (24/51). ، وذهَب إليه ابنُ حجرٍ قال ابن حجر: (... ومن أمثلة ذلك: جمع التقديم؛ فإنَّ الراجح من حيثُ النظرُ أنَّه لا يُشترَط له نيَّة، بخلاف ما رجَّحه كثير من الشافعية، وخالفهم شيخُنا شيخ الإسلام، وقال: الجمع ليس بعمل، وإنما العمل الصلاة، ويقوِّي ذلك أنه عليه الصلاة والسلام جمَعَ في غزوة تبوك ولم يذكُر ذلك للمأمومين الذين معه، ولو كان شرطَا لأَعْلَمهم به) ((فتح الباري)) (1/18). ، وابنُ باز قال ابن باز: (اختلف العلماءُ في ذلك، والراجح أنَّ النيَّةَ ليستْ بشرط عند افتتاح الصَّلاة الأولى، بل يجوزُ الجمع بعدَ الفراغ من الأولى إذا وُجِد شرطُه من خوفٍ، أو مطرٍ، أو مرض) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/294). ، وابنُ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (الصحيح: أنه لا يُشترَط نيَّة الجمْع عند إحرام الأولى، وأنَّ له أن ينويَ الجمع ولو بعد سلامه من الأُولى، ولو عند إحرامه في الثانية ما دام السَّبب موجودًا) ((الشرح الممتع)) (4/397).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((صَلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إحْدى صلاتَي العَشيِّ- قال محمد: وأكثرُ ظنِّي العَصر- ركعتينِ، ثمَّ سَلَّم ثمَّ قام إلى خَشبةٍ في مُقدَّمِ المسجدِ فوضع يدَه عليها، وفيهم أبو بكر وعُمرُ رَضِيَ اللهُ عنهما، فهابَا أن يُكلِّماهُ وخرَج سَرَعانُ الناسِ، فقالوا: أَقصُرتِ الصَّلاةُ؟ ورجل يدعوه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (ذو اليدين) فقال: أَنسيتَ أم قَصُرتْ؟ فقال: لم أَنسَ ولم تَقْصُر! قال: بلى قد نَسيتَ، فصلَّى ركعتينِ، ثمَّ سلَّمَ، ثمَّ كبَّر فسجَد مثلَ سجودِه أو أطولَ، ثمَّ رفَعَ رأسَه فكَبَّر، ثمَّ وضَع رأسَه فَكبَّر فسجَد مِثل سجودِه أو أطولَ، ثمَّ رفَع رأسَه وكبَّر )) رواه البخاري (6051)، ومسلم (573).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لو كان لا يجوزُ قَصْرُ الصَّلاةِ إلَّا بنيَّة القَصرِ، لَمَا أوردَ الصحابةُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كونَ الصَّلاةِ قَصُرتْ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/50).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا خرَج من المدينةِ صلَّى بهم بذِي الحُلَيفةِ العصرَ ركعتينِ رواه البخاري (1547)، ومسلم (690) من حديث أنس رضي الله عنه. ، ولم يأمرْهم بنيَّة قَصْرِ الصَّلاةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/50).
ثالثًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يُصلِّي بأصحابِه جمعًا وقصرًا، ولم يكُنْ يأمُرُ أحدًا منهم بنيَّةِ الجَمْعِ والقَصرِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/50).
رابعًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صلَّى بهم الظهرَ بعَرفةَ ولم يُعلِمْهم أنَّه يُريدُ أنْ يُصلِّيَ العصرَ بعدَها، ثمَّ صلَّى بهم العصرَ ولم يكونوا نَوَوُا الجَمعَ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (24/50).
الفرع الثَّالِثُ: الموالاةُ بَينهُما
يُشترَطُ الموالاةُ بين الصَّلاتينِ لجوازِ الجَمْعِ في وقتِ الصَّلاةِ الأُولى، فإنْ فُصِلَ بَينهما بفاصلٍ طويلٍ لم يُجمَع، وهذا مذهبُ الجمهور: المالِكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/516)، ويُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (2/376). ، والشافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/397)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/397). ، والحَنابِلَة ((الإنصاف)) للمرداوي (2/240)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/8).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ المأثورَ في السُّننِ هو الموالاةُ بين الصَّلاتينِ المجموعتينِ؛ ولهذا تُرِكتِ الرواتبُ بينهما ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/397).
ثانيًا: أنَّ معنى الجَمْعِ المتابعةُ والمقارنةُ، ولا يحصُلُ ذلك مع التفريقِ الطَّويلِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/8).
ثالثًا: لأنَّ الجَمْعَ يَجعلهما كصلاةٍ واحدةٍ، فوجبتِ الموالاةُ كركَعاتِ الصَّلاةِ ((المجموع)) للنووي (4/375).
الفرع الرَّابِعُ: وجودُ العُذرِ المبيحِ عندَ افتتاحِ الصَّلاةِ
اختَلفَ أهلُ العِلمِ في اشتراطِ وجودِ العُذرِ على اختلافٍ بين المذاهب في الأعذار التي تُبيح الجَمْع، كما تقدَّم، وقد توسَّع الحنابلةُ في الأعذار المبيحة للجمع، فذَكروا منها الجمعَ لكلِّ مَن له شُغلٌ أو عُذر يُبيح تركَ الجمعة والجماعة، كخوفٍ على نفسه، أو حُرمته، أو ماله، أو تضرَّر في معيشةٍ يحتاجها. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6). وقال ابنُ تيمية: (وأوسعُ المذاهب في الجمْع بين الصلاتين مذهبُ الإمام أحمد؛ فإنَّه نصَّ على أنه يجوز الجمع للحرَجِ والشُّغل بحديثٍ رُويَ في ذلك) ((مجموع الفتاوى)) (24/28). في افتتاحِ الصَّلاةِ، وذلك على قولينِ:
القولُ الأوَّل: يُشترَطُ أنْ يكونَ العُذرُ المبيحُ للجَمْعِ موجودًا عندَ افتتاحِ الصَّلاةِ، وهو المشهورُ من مذهبِ المالِكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير مع ((حاشية الدسوقي)) (1/ 372). ويُنظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/264). المالكيَّة يَشترِطون وجودَ العُذر عندَ الشروع في الأولى، لكن لا يَشترطون استمرارَه؛ فلو انقطع المطرُ بعدَ الشروع في الصلاة، فإنهم يتمادون في الجمع؛ لأنَّه لا يُؤمن عودته. ينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/71). ، والشافعيَّة ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/278)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/274). ويَشترِطون مع وجودِ العُذر عند افتتاح الصلاة الأولى وجودَه كذلك عندَ افتتاح الصلاة الثانية، وعند السلام مِن الأولى. ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/8)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/207). ويَشترِطون مع وجودِ العُذر عند افتتاح الصلاة الأولى وجودَه كذلك عندَ افتتاح الصلاة الثانية، وعند السلام مِن الأولى. ويُفرِّقون بين عُذر السَّفر والمرض؛ فيُشترَط استمراره إلى فراغ الثانية، وبين عذر المطرِ؛ فلا يُشترط ذلك، بل لو انقطع أثناءَ الصلاة مع وجودِ وحْلٍ لم يَبطُلِ الجمعُ. ؛ وذلِك ليكونَ العذرُ موجودًا وقتَ النيَّة، وهو عندَ الإحرامِ بالأُولى ((المغني)) لابن قدامة (2/207).
القول الثاني: لا يُشترَطُ وجودُ العذرِ عندَ افتتاحِ الصَّلاةِ الأُولى، فإذا حصَل مطرٌ في أثناءِ الصَّلاةِ، فإنَّه يجوزُ الجمْعُ، ولو لم يكُنِ العذرُ موجودًا عند افتتاحِ الصَّلاةِ الأُولى، وهو قولُ بعضِ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (4/382). ، واختيارُ ابنِ باز سُئِلَ الشيخُ ابن باز: هل النيَّة شرْطٌ لجواز الجَمْع؟ فكثيرٌ ما يُصلُّون المغرب بدون نيَّة الجمْع، وبعد صلاة المغربِ يتشاورُ الجماعةُ، فيرون الجمْعَ ثم يُصلُّون العشاء؟ الجواب: اختلف العلماءُ في ذلك، والراجح أنَّ النيَّة ليستْ بشرط عند افتتاح الصَّلاة الأولى، بل يجوز الجمع بعد الفراغ من الأولى إذا وُجِد شرطُه من خوفٍ، أو مرض، أو مطر، والله الموفِّق. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/425). وابنِ عُثَيمين قال ابن عثيمين: (هذا الشَّرْط مبنيٌّ على الشرط الأول الذي هو نيَّة الجمع عند افتتاح الصَّلاة الأولى، وقد سَبَق أن القول الصَّحيح: عدَم اشتراطه، وعلى ذلِك لا يُشترَط وجود العُذْر عند افتِتاح الأولى، فلو لم ينزلِ المطرُ مثلًا إلَّا في أثناء الصلاة، فإنَّه يصحُّ الجمع على الصَّحيح، بل لو لم ينزل إلَّا بعد تمام الصَّلاة الأولى، أي: كانت السَّماء مغيَّمة ولم ينزل المطرُ، وبعد أنِ انتهتِ الصَّلاة الأولى نزَل المطر، فالصَّحيح أنَّ الجمْع جائزٌ بناءً على هذا القول) ((الشرح الممتع)) (4/401). ؛ وذلك لأنَّ سببَ الجمْعِ موجودٌ عند افتتاحِ الصَّلاةِ الثانيةِ، ولأنَّ نيَّةَ الجمْعِ لا تُشترَطُ عندَ افتتاحِ الصَّلاةِ الأُولى ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/401).
الفرع الخامِسُ: أنْ لا تكونَ الصَّلاةُ الأُولى صَلاةَ جُمُعةٍ
لا يجوزُ الجمعُ بين صلاتَيِ الجُمُعةِ والعَصر؛ نصَّ على هذا فُقهاءُ الحَنابِلَة ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/309)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/21). ، وهو وجه للشافعية قال الزركشي: (قال الروياني: لا يجوز الجمعُ بين الجمعة والعصر بعُذْرِ المطر تأخيرًا، وكذا تقديمًا في أصحِّ الوَجْهينِ) ((البحر المحيط)) (7/78). وهو اختيارُ ابنِ باز قال ابن باز: (ليس هناك دليلٌ- فيما نعلم- يدلُّ على جواز جمْع العصر مع الجُمُعة، ولم يُنقل ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا عن أحدٍ من أصحابه رضي الله عنهم؛ فالواجبُ ترْك ذلك، وعلى مَن فَعل ذلك أن يُعيد صلاةَ العصر إذا دخَل وقتُها) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/300). ، وابن عُثَيمين قال ابن عثيمين: (وفيه شرطٌ خامس: أن لا تكونَ صلاةَ الجُمُعة؛ فإنَّه لا يصحُّ أن يُجمع إليها العصرُ) ((الشرح الممتع)) (4/402). ، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة جاء في فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: (لا يجوزُ جمْعُ صلاة العصر مع صلاة الجُمُعة؛ لأنَّ صلاة العصر ليستْ من جنس صلاة الجُمُعة، كما نصَّ على ذلك في (شرح المنتهى) وغيره، وقد أفتى بمنْع ذلك: سماحةُ الشيخ: محمد بن إبراهيم، مفتي الدِّيار السعوديَّة رحمه الله) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (7/45).
الأَدِلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أصابت النَّاسَ سَنَةٌ على عهد رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فبينا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطبُ على المنبرِ يومَ الجُمعة، قام أعرابيٌّ فقال: يا رسولَ الله، هلك المالُ، وجاع العيالُ، فادعُ الله لنا أن يسقيَنا. قال: فرفَع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يديه، وما في السَّماء قَزَعة [5288] قَزَعة: قطعة رقيقةٌ من السَّحاب والغيم، وجمعها: قَزَع. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (3/1265)، ((النهاية)) لابن الأثير (4/59)، ((شرح النووي على مسلم)) (6/192). ، قال: فثار سحابٌ أمثالُ الجبالِ، ثم لم ينزلْ عن منبرِه حتى رأيتُ المطرَ يتحادرُ على لحيتِه. قال: فمُطرنا يومَنا ذلك، وفي الغدِ، ومِن بعد الغدِ، والذي يليه إلى الجمعةِ الأُخرى. فقام ذلك الأعرابيُّ، أو رجلٌ غيرُه، فقال: يا رسولَ الله، تهدَّم البناءُ، وغرقَ المالُ، فادعُ الله لنا. فرفَع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يديه وقال: اللهمَّ حوالينا ولا علينا. قال: فما جعل يشيرُ بيده إلى ناحيةٍ مِن السَّماء إلا تفرَّجت، حتى صارت المدينةُ في مثلِ الجوبة (2)، حتى سال الوادي، وادي قَناةَ، شهرًا. قال: فلم يجئْ أحدٌ مِن ناحيةٍ إلَّا حدَّث بالجود )) أخرجه البخاري (1033) ومسلم (897).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أولًا: أنَّه قد وقَع المطرُ في عهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يجمعْ فيه بينَ العصرِ والجمعةِ، فدلَّ على أنَّه غيرُ مشروعٍ.
ثانيًا: أنَّ الجُمُعةَ صلاةٌ منفردةٌ مُستقلَّةٌ في شُروطِها، وهيئتِها، وأركانِها، وثوابِها ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/402).
ثالثًا: أنَّ السُّنَّة إنَّما وردتْ في الجمْعِ بيْنَ الظُّهرِ والعَصرِ، ولم يرِدْ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه جمَعَ العصرَ إلى الجُمُعةِ أبدًا ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/403).
رابعًا: لا يصحُّ أن تُقاسَ الجُمعةُ على الظُّهرِ؛ لِمَا بين الصَّلاتينِ من المخالفةِ ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/403).

انظر أيضا: