الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: إذا دَهَمَ العَدوُّ أرضَ المُسلِمينَ (جِهادُ الدَّفعِ)


يَكونُ الجِهادُ فرضَ عَينٍ إذا دَهَمَ العَدوُّ أرضَ المُسلِمينَ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1– قَولُه تعالى: وَقَاتِلُوا في سَبيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُم وَلَا تَعتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُعتَدينَ [البقرة: 190] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أي: قاتِلوا الذينَ هُم بحالةِ مَن يُقاتِلونَكُم، ولا تَعتَدوا في قَتلِ النِّساءِ والصِّبيانِ والرُّهبانِ وشِبهِهم [5] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (2/348). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن قُتِلَ دونَ مالِه فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ دينِه فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ دَمِه فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ أهلِه فهو شَهيدٌ)) [6] أخرجه أبو داود (4772)، والترمذي (1421) واللفظ له، والنسائي (4095) من حديثِ سعيدِ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (2/427)، وابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (28/540)، وابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/324)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4772)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (434)، وقال التِّرمِذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ. وقَولُه: ((مَن قُتِلَ دونَ مالِه فهو شَهيدٌ)) أخرَجَه البُخاريُّ (2480)، ومسلم (141) مِن حَديثِ عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهُما. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ دَفعَ الصَّائِلِ على الدِّينِ جِهادٌ وقُربةٌ، ودَفعَ الصَّائِلِ على المالِ والنَّفسِ مُباحٌ ورُخصةٌ، فإن قُتِلَ فيه فهو شَهيدٌ [7] يُنظر: ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 188). .
ثالثًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الجَصَّاصُ [8] قال الجَصَّاصُ: (مَعلومٌ في اعتِقادِ جَميعِ المُسلِمينَ أنَّهُ إذا خافَ أهلُ الثُّغورِ مِنَ العَدوِّ، ولَم تَكُنْ فيهم مُقاومةٌ لَهم، فخافوا على بلادِهم وأنفُسِهم وذَراريِّهِم أنَّ الفَرضَ على كافَّةِ الأُمَّةِ أن يَنفِرَ إلَيهم مَن يَكُفُّ عاديَتَهم عَنِ المُسلِمينَ. وهذا لا خِلافَ فيه بَينَ الأُمَّةِ؛ إذ ليس مِن قَولِ أحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ إباحةُ القُعودِ عَنهُم حَتَّى يَستَبيحوا دِماءَ المُسلِمينَ وسَبيَ ذَراريِّهِم). ((أحكام القرآن)) (4/312). ، وابنُ حَزمٍ [9] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا أنَّ دِفاعَ المُشرِكينَ وأهلِ الكُفرِ عَن بَيضةِ أهلِ الإسلامِ وقُراهم وحُصونِهم وحَريمِهم إذا نَزَلوا على المُسلِمينَ فرضٌ على الأحرارِ البالِغينَ المُطيقينَ). ((مراتب الإجماع)) (ص 119). ، والقُرطبيُّ [10] قال القُرطُبيُّ: (إذا تَعَيَّنَ الجِهادُ بغَلَبةِ العَدوِّ على قُطرٍ مِنَ الأقطارِ، أو بحُلولِه بالعُقرِ، فإذا كانَ ذلك وجَبَ على جَميعِ أهلِ تلك الدَّارِ أن يَنفِروا ويَخرُجوا إليه خِفافًا وثِقالًا، شَبابًا وشُيوخًا، كُلٌّ على قدرِ طاقَتِه، مَن كانَ لَه أبٌ بغَيرِ إذنِه، ومَن لا أبَ لَه، ولا يَتَخَلَّفُ أحَدٌ يَقدِرُ على الخُروجِ مِن مُقاتِلٍ أو مُكثِّرٍ. فإن عَجَزَ أهلُ تلك البَلدةِ عَنِ القيامِ بعَدوِّهِم كانَ على مَن قارَبَهم وجاورَهم أن يَخرُجوا على حَسَبِ ما لَزِمَ أهلَ تلك البَلدةِ، حَتَّى يَعلَموا أنَّ فيهم طاقةً على القيامِ بهم ومُدافَعَتِهم. وكَذلك كُلُّ مَن عَلِمَ بضَعفِهم عَن عَدوِّهِم وعَلِمَ أنَّهُ يُدرِكُهم ويُمكِنُه غِياثُهم، لَزِمَه أيضًا الخُروجُ إليهم؛ فالمُسلِمونَ كُلُّهُم يَدٌ على مَن سِواهم، حَتَّى إذا قامَ بدَفعِ العَدوِّ أهلُ النَّاحيةِ التي نَزَلَ العَدوُّ عليها واحتَلَّ بها سَقَطَ الفَرضُ عَنِ الآخَرينَ. ولَو قارَبَ العَدوُّ دارَ الإسلامِ ولَم يَدخُلوها لَزِمَهم أيضًا الخُروجُ إليه، حَتَّى يَظهَرَ دينُ اللَّهِ وتُحمى البَيضةُ وتُحفَظَ الحَوزةُ ويُخزى العَدوُّ. ولا خِلافَ في هذا). ((تفسير القرطبي)) (8/151، 152). ، وابنُ تَيميَّةَ [11] قال ابنُ تيميَّةَ: (قِتالُ الدَّفعِ فهو أشَدُّ أنواعِ دَفعِ الصَّائِلِ عَنِ الحُرمةِ والدِّينِ، فواجِبٌ إجماعًا؛ فالعَدوُّ الصَّائِلُ الذي يُفسِدُ الدِّينَ والدُّنيا لا شَيءَ أوجَبُ بَعدَ الإيمانِ مِن دَفعِه، فلا يُشتَرَطُ لَه شَرطٌ، بَل يُدفَعُ بحَسَبِ الإمكانِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/538). .
رابعًا: لأنَّ المَقصودَ لا يَحصُلُ إلَّا بإقامةِ الكُلِّ، فيَجِبُ على الكُلِّ [12] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/241). .

انظر أيضا: